مقال ⁄ثقافي

انطباعات شاهد علي حرب اليمن والسودان.

انطباعات شاهد علي حرب اليمن والسودان.

 بقلم . عفراء عبد العاطي

 

أغمضت عيني عسى أن اجد سلاما يخالف الواقع الذي يدور حولي، استلقيت على يميني و أخذت الأفكار تحلق في مخيلتي،

فكرت أن اشد اللحظات إيلاما هي الغربة، أياً كان شكلها و وقعها على الروح، تذكرت كيف عومل العبيد قديما، كيف اذكر تلك التفاصيل التي كتبها اليكس هيلي في روايته "جذور roots"، بعد ان انتهت رحلة العذاب و وصل كونتا الى الجانب الآخر من الكرة الأرضية غرباً من موطنه و غربةً عن حنان أمه و رعاية والده، كيف ارتمى بركن تلك الغرفة و انطوى على نفسه حرقة من قساوة المصير الذي ساقه لهذه اللحظة، و اخذ يبكي بغصة تحول دون خروج صوته ، كيف صار هذا مصير كثيرين في بلادي ... "الغربة"

لكن الاختلاف اننا غرباء في بلادنا و أرضنا، تتخبطنا بكل اتجاه تلك المطامع، مطامع كبرى بأيدي طغاة،،

و كما في كل قصة، لابد من وجود مطامع و احقاد، يتحمل نتيجتها ابرياء لا ذنب لهم، و ينطوي تحت سقفها أسوأ و اشنع الفعائل، تحيط بنا التساؤلات ! كيف الوصول و أقدام الطغاة تدوس على كل حق و تجثو كل نسمة حرية لتدفنها في قاع الحضيض؟! ،،

اخذت اغوص في محيط تلك الأفكار أكثر فأكثر، فلم أجد من السلام الذي كنت اسأله شيئاً، أخذتني الذاكرة الى ثمانية اعوام مضت ، حين انقطعت عن السنة الرابعة من دراستي للطب في جامعة صنعاء بسبب "الحرب"، كان عام خمسة عشر وألفان يحمل في طياته تلك الفاجعة التي شابهت لحد ما و لربما فاقت ما نمر به اليوم في وطني العزيز ، اذكر تفاصيل كثيرة منذ بدء تلك النكبة، كيف اضاء جبل فج عطان في تلك الليلة بسبب انفجار صاروخ من طائرات التحالف بمخازن السلحة تابعة للجيش، كانت الساعة تقارب التاسعة مساء، حين انعكس ضوء الإنفجارات و صيّر شكل الاجواء الى ومضات من نهار، اذكر ذهولي اللامتناهي لذلك المشهد من نافذة منزلنا، و كم حزنت لكون نفس المليشيا التي تُحارب اليوم هنا في بلادي كانوا يرسلون كمرتزقة للقتال ضد أبناء وطني الثاني و مسقط رأسي "اليمن"، تحاصرني تلك الذكريات المؤلمة ، فليس الاقتتال بين البشر سوى علامة على وأد الحياه التي ما تنفك تتجدد حتى تتلفها رعونة البشر ،،،

 لم نمض وقتاً طويلا بعد ذلك اليوم و اضطررنا للسفر ، وحين عدنا للسودان كان لدينا ما يسمى "وطن"، ذلك الذي لا اراه اليوم، لا لشئ سوى أن هناك من يسعى لتدمير كل جميل فيه، هنا و بعد ثمانِ سنوات عجاف على حرب اليمن لم تكتمل فرحتي ببوادر اندمال جرحها و انتهاء الحرب التي خلفت بقلوبنا شرخاً عميقاً ، حتى بدأت حربٌ أخرى هنا، بعاصمة النيل "الخرطوم"، هنا بموطني الحبيب، فكرت كيف لِحظي أن يكون عاثراً لهذا الحد، و لمَ كُتب عليّ أن أعيش حربان؟!, أن أشهد معاناة صنعها أصحاب أطماع و لم يكن ثمنها سوى أرواح الأبرياء؟!، فتذكرت الكآبه التي حلقت فوق أرض إب الخضراء بجمالها الفتان، ذاك المكان الذي ولدت فيه، و قداسة صنعاء القديمة بكل زواياها ذات العبق التاريخي، مكان لا يستحق سوى السلام، حتى عاد خيالي هنا لبلادي بنيليها، يسريان خلالها كشرايين نابضة بالحياة تغدق عليها من الخيرات الكثير، و يذهب كل ذلك هدراً بسبب جهلاء!!!

كلنا نستحق السلام، السلام الذي لم يتركوا حتى خيطاً رفيعا يربطنا به إلا و قطعوه،

ألا قاتل الله الطماعين و الجهلاء...

لم تعد تخلو خواطرنا من فكرة الرحيل، نريد أن نغادر عسى أن نجد و لو بصيصا من أمل، ان نعيش سعداء دون خوف و دون ظلم، نحب هذه الأرض و لكنهم ما فتئوا ينشرون فيها الفتن ....

أظل افتش عن طرق أخرى أهون من فكرة الرحيل عن هذه البلاد المسكينة،،، و لا أجد...

استفيق فأجدني اغمغم مع ذاك المصطفى في آخر مقطع لأغنيته "أظنك عرفتي هموم الرحيل..." ،

أجيب بصوت خافت: نعم .... أظن أنني فعلت،،

لمشاركة الخبر عبر شبكات التواصل