مقال ⁄سياسي

الكويت.. حملة سحب الجنسيات بين “معالجة الملف المعقد” والمخاوف من تداعيات إنسانية

الكويت.. ح

منذ مطلع مارس الجاري، شرعت السلطات الكويتية في حملة إسقاط جنسيات طالت – حتى الآن – عشرات المواطنين، وذلك لأسباب مختلفة، يأتي في مقدمتها “التزوير”.

والأربعاء، أفادت صحيفة “القبس” المحلية، بأن إجمالي عدد المواطنين الذين سحبت جنسياتهم بلغ 211 شخصا خلال أسبوعين فقط، فيما نقلت عن مصادر لم تكشف عن هويتها، أن قرارات إضافية لإسقاط الجنسية “ستصدر تباعا”.

أشار محللون كويتيون إلى أن الحملة الجارية “تمثل مسارًا تصحيحيًا شاملاً” من الحكومة للتصدي لعدة مسائل، بما في ذلك ملف الجنسية، من خلال سحبها “من الأشخاص الذين حصلوا عليها بصورة غير شرعية”. ورأى آخرون أن هذه الحملة قد تؤدي إلى “معاناة إنسانية” وتنتج “تداعيات سلبية”.

وأوضح المحلل السياسي الكويتي البارز، عايد المناع، في حديثه لموقع “الحرة” أن “هناك حوالي 400 ألف شخص حصلوا على الجنسية بصورة غير شرعية”، مشيرًا إلى وجود “ضغوط اجتماعية على الحكومة لحل هذا القضية منذ فترة”.

وبدأت القضية عندما نشرت الجريدة الرسمية في الرابع من مارس، قرارات اللجنة العليا لتحقيق الجنسية الكويتية، بسحب الجنسية من 11 شخصًا، ومن ثم توالت القرارات بشكل متسارع، وفقًا لما ذكرته صحيفة “الأنباء” المحلية.

وفي تصريح لموقع “الحرة”، أشار المحلل السياسي الكويتي، عيد الفضلي، إلى أن السبب وراء توقيت سحب الجنسيات بهذا الشكل هو “التغيير الشامل في الحكومة” الذي دفع الدولة لفتح العديد من الملفات، بما فيها ملف الجنسية والهوية الوطنية، “لتصحيح الأوضاع الخاطئة التي كانت موجودة سابقًا”.

على ماذا استندت الدولة؟

واستند مجلس الوزراء في إسقاط الجنسيات، على عدد من مواد قانون الجنسية الكويتي الصادر سنة 1959، التي تمنع حصول المواطن الكويتي على جنسية بلد آخر (الازدواجية)، بالإضافة إلى الحصول عليها “بطريق الغش أو بناء على أقوال كاذبة”، حسبما ذكر المناع.

وذكرت صحيفة “القبس” أن “ملفات السحب تنقسم إلى فئات، هي: التزوير والغش والتدليس في الحصول على الجنسية، إضافة إلى المزدوجين الذين لديهم جنسيات أخرى، وهؤلاء يخيرون بين التنازل عنها أو التمسك بالجنسية الكويتية، والكويتيات المتزوجات من كويتيين بغرض الحصول على الجنسية الكويتية وتطلقن بعد تجنيسهن فورا، أي باتفاق الزوج مع الزوجة على الطلاق قبل زواجهما”.

وقال المناع إن التقديرات تشير إلى وجود “رقم خيالي” من الأشخاص الذين قد تسقط جنسياتهم، لافتا إلى أن “مسألة الازدواجية هي الأكثر” من الغش.
شبهات فساد

ومع ذلك، تحدث المناع عن احتمال وجود “شبهات فساد” في هذا الملف تحديدا، على اعتبار أن “الجنسية الكويتية لها منافع، وبالتالي كثيرون يستبسلون للحصول عليها”.

وأوضح: “قد يكون هناك رشى أو تدخل شخصي من فئات نافذة، وحدوث تجاوز على متطلبات أساسية للحصول على الجنسية”.

وسبق لمجلس الأمة في الدولة الخليجية، مناقشة قضايا الحصول على الجنسية عن طريق التزوير، بل إن النائب السابق، مرزوق الغانم، استعرض ذات مرة قضية وجود جنسية وجواز وبطاقة لشخص قال إنه “غير موجود” على أرض الواقع، بهدف “الاستثمار من وراء هذه الشخصية الشبح”.

وفي هذا الإطار، قال الفضلي إن هناك شبهات فساد في حصول عدد كبير من الأشخاص على الجنسية الكويتية، مردفا: “هناك حالات تزوير.. وقد رفعت قضايا” أمام القضاء.

وأضاف أن المحاكم الكويتية أدانت “البعض بالتزوير و(تم) سحب الجنسية، بل تعدى الأمر إلى إرجاع المبالغ التي استفاد منها المزور سواء رواتب أو قرض سكني أو امتيازات أخرى”.

وفي منتصف مارس، خصصت وزارة الداخلية خطا ساخنا للإبلاغ عن “مزوري ومزدوجي الجنسية” وذلك “من منطلق الواجب الوطني وحفاظا على الهوية والمصلحة الوطنية”، حسبما ذكرت الوزارة في بيان.

وفي بيان لاحق، قالت الوزارة إن قرارها بفتح خط ساخن للمواطنين للإبلاغ عن تلك المخالفات استند “على القانون الذي من شأنه مكافحة الجريمة والفساد والحفاظ على الهوية الوطنية والصالح العام، حيث إن كل شخص علم بوجود جريمة ملزم بالإبلاغ عنها وفقا للقانون”.
“تداعيات سيئة”

واستغل بعض المرشحين للبرلمان هذه القضية لطرحها في برامجهم الانتخابية، بعد أن انتقدوا مجلس الوزراء لإسقاطه الجنسية، وطالبوا بأن يكون هذا الإجراء من اختصاص السلطة القضائية.

وقال النائب السابق والمرشح للمجلس القادم، عبيد الوسمي، إنه “من غير اللائق أن يجند جزء من الشعب مخبرين بطلب من وزير الداخلية، الذي تنازل لهم عن صلاحياته”.

وعبر منصة “إكس”، كتب الوسمي: “أصبح من الواجب الحتمي فرض رقابة القضاء على مسائل الجنسية، حتى لا يصدر من الدولة مثل هذا البيان الشاذ”، في إشارة إلى بيان الداخلية الذي فتح خطا ساخنا للإبلاغ عن المخالفات “بصورة سرية”.

وكانت الهيئة العامة في محكمة التمييز، قد قضت في أبريل عام 2022، أن مسائل الجنسية بأكملها أصلية أم مكتسبة، تخرج برمتها عن الاختصاص الولائي للمحاكم، باعتبارها تدخل ضمن أعمال السيادة، حسبما نقلت صحيفة “القبس”.

وقال المناع إن طرح بعض المرشحين لهذه القضية في حملاتهم الانتخابية، يشير إلى “إمكانية طرحها في البرلمان القادم لمناقشتها، وإيجاد مخرج قانوني يتيح للمتضررين اللجوء للقضاء، وإثبات إن كانوا يستحقون الجنسية”.

وتقام الانتخابات التشريعية في الكويت يوم 4 أبريل المقبل، حيث يدلي المواطنون بأصواتهم لانتخاب برلمان جديد بعد حل مجلس الأمة السابق بقرار من أمير البلاد.

ومع ذلك، قال المناع إن الجهات الرسمية “لا تقدم على اتخاذ مثل هذا الإجراء وما يترتب عليه، إلا إذا كانت لديها أدلة قطعية بثبوت حالات التزوير والازواجية”.

وتطرق المناع إلى ما وصفه بـ “التداعيات السيئة” التي ستواجه الكويت حال شروع الدولة في سحب جنسيات آلاف الأشخاص.

وقال: “لنفترض أن الجنسية سحبت من 400 ألف شخص، فإن هذا العدد سيضاف إلى 120 ألف شخص في الكويت من البدون، وسنكون أمام رقم يبلغ 520 ألف شخص من غير محددي الجنسية”.

لكن الفضلي رأى بأن تلك التقديرات “مبالغ بها”، قائلا إن “⁠الحديث عن 400 ألف مزور مبالغ فيه وضرب من الخيال”، مضيفا: “هناك حالات تزوير، لكنها محدودة، والتداعيات الأصعب والأهم هي المعاناة الإنسانية”.

وتابع: “تجد الجد المزور ليس على قيد الحياة (الآن) والأب أيضا متوف والابن أصبح أبا أو جدا.. وهنا ندخل في حالات إنسانية، لكن ينظر البعض إلى أن ما بني على باطل فهو باطل”.

المصدر

لمشاركة الخبر عبر شبكات التواصل