مقال ⁄سياسي

البن الإثيوبي في مصر… دبلوماسية القهوة تتجاوز خلافات المياه

البن الإثيوبي في مصر… دبلوماسية القهوة تتجاوز خلافات المياه

محمد مختار صحفي مصري

 

استوردت القاهرة كميات من البن في الربع الأول من العام الحالي بقيمة 14.4 مليون دولار (اندبندنت عربية)

يتوسط البن الإثيوبي فسيفساء سوق القهوة في مصر بمذاق فريد ورائحة تنساب في الأنوف لتأسر القلوب اشتهاءً، فيما يؤثرونه التجار الطلب على بقية أنواع البن الأخرى لخصاصته، وإن غلا سعره وكلفة توريده، وصار حضوره على الأرفف أميز للتجار ممن يتخذون من لافتات “البن الحبشي” واجهة عريضة للتسويق والبيع.

في مصر، نأى البن الإثيوبي بجانبه عن الخلافات السياسية بين القاهرة وأديس أبابا على خلفية النزاع القائم حول تمسك إثيوبيا ببناء السد أمام مخاوف مصرية من تضرر حصص البلاد من مياه النيل، وخالط النسيج الاجتماعي كونه عادة يومية لدى ملايين المصريين، مشكلاً بذلك دبلوماسية القهوة التي تتجاوز خلافات المياه، مواصلاً بحباته الجرشاء الحضور في السوق بطلب استهلاكي مرتفع، إذ يسجل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، في أحدث تقاريره، استيراد البن بما قيمته 14.4 مليون دولار في الربع الأول من العام الحالي، تأتي ثلث هذه الكميات من إثيوبيا.

استهلاك مرتفع في مصر

وبحسب أحدث بيانات لمنظمة البلدان الأفريقية للبن في فبراير (شباط) الماضي، ارتفع استهلاك سكان بلدان شمال أفريقيا، بما فيها مصر وتونس إلى مستويات قياسية من القهوة الإثيوبية المنشأ، فيما تفيد هيئة القهوة والشاي في أديس أبابا، أن البلاد صدرت 174.6 ألف طن من القهوة في الأشهر التسعة الأولى من العام المالي الحالي، بـ835.2 مليون دولار، مستهدفة 1.75 مليار دولار من صادرات البن العام الحالي، من 1.33 مليار دولار في 2023.

وتتشعب القهوة الإثيوبية من نوع “أرابيكا” تبعاً لمناطق الزراعة، لتشمل بن سيدامو، ويرغاتشيفي، وهرار، وليمو، إضافة إلى بن “ليكمبتي”، وتزدهر في المرتفعات على بعد يراوح ما بين 1500 إلى 2200 متر فوق مستوى البحر، وتصنف من بين حبوب البن عالي النمو، ومعظمها يُزرع باستخدام طرق طبيعية، من دون أسمدة صناعية ومبيدات حشرية، ويعمل في زراعتها 25 في المئة من سكان البلاد، بما يعادل 31 مليون شخص، وتمثل 30 إلى 35 في المئة من عائدات التصدير.

“البن الحبشي المحوج”

في ترحيب خاص بضيوفه، يؤكد أحمد عبدالرحمن، الشاب الثلاثيني، على عامل “البوفيه” في شركته، إعداد فنجال من القهوة باستخدام “البن الخاص به” في إشارة إلى “البن الحبشي المحوج” وفق ما يقول لـ”اندبندنت عربية”، فاليوم لا يمضي على نحو جيد من دون ارتشاف فنجالين من القهوة الإثيوبية في منتصف النهار.

انجذب عبدالرحمن، للبن الإثيوبي على وجه التحديد لما له من رائحة نفاذة وطعم مميز عن سائر أصناف القهوة التي كانت محل تجربته الخاصة، قبل أن يضحي البن الإثيوبي اختياراً مفضلاً له، مضيفاً “شربت البن بأنواعه، الروبستا والأرابيكا، غاليه ورخيصه، ولم أجد في جودة البن الإثيوبي ومذاقه الطيب، اختبرته لفترة طويلة وصرت أميزه وأعرف الرديء والجيد من بعد تجربة ثرية”.

70 ألف طن سنوياً

وتشير تقديرات شعبة البن بالغرف التجارية المصرية، إلى استهلاك المصريين السنوي من البن بـ70 ألف طن، فيما ترتفع نسب استهلاكه شتاءً بنحو 30 في المئة، وتسجل فاتورة الواردات ارتفاعاً بنسبة 1.9 في المئة خلال أول 10 أشهر من العام الماضي، إلى 167.7 مليون دولار، من 164.4 مليون دولار في الفترة المثيلة من العام السابق له.

يتشارك المصرفي الشاب، إبراهيم شعبان، مع عبدالرحمن نهم ارتشاف القوة الحبشية على وجه الخصوص، ويعتقد في حديثه لـ”اندبندنت عربية” أن السمعة الطيبة التي تتمتع بها إثيوبيا في مجال زراعة القهوة العضوية البكر تضمن لها الريادة، وتفتح آفاق الأسواق أمامها بقوة، وبينما حظيت بلاده بعلاقات تجارية بالغة القدم مع الحبشة، وسيّرت إلى بلاد بونت القوافل لجلب البخور والأبنوس والعاج، فإنه لا معنى لخلط البن بخلافات السياسة، تأثراً بالتجاذبات والعلاقات المتوترة بين القاهرة وأديس أبابا بسبب سد النهضة الإثيوبي.

التجارة في مسار مختلف

ويضيف شعبان، “التجارة والاقتصاد في مسار مغاير لعلاقات الدول السياسية، كم من علاقة متوترة سياسياً بين بلدين بعيداً من العلاقات الاقتصادية القائمة، وتركيا مثال واضح على ذلك بعد ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013، وتوتر علاقاتها بالنظام المصري إبان حكم الإخوان المسلمين، إذ ظلت العلاقات الاقتصادية في مسار صاعد على رغم الخلافات بين البلدين”.

 

المصــدر

لمشاركة الخبر عبر شبكات التواصل