كيف أصبح غزيون مواطنين في إسرائيل بعد 7 أكتوبر

منذ كانت في السادسة من عمرها انتقلت بسنات وحيدي (24 عاماً) للعيش في قطاع غزة، على الرغم من أنها ولدت في إسرائيل لوالدين أحدهما عربي يحمل جنسية الدولة العبرية، والآخر من سكّان غزّة.
نشأت وحيدي في غزّة وتزوّجت من أحد أبناء القطاع، وأنجبت أطفالاً لم تكترث بإضافتهم إلى سجلّ السكّان الإسرائيليّ؛ غير أنها بعد اندلاع الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فكرت في استخدام «حقوق المواطنة» للحصول على حقّ دخول الأراضي الخاضعة للسلطات الإسرائيلية، ونالت بالفعل حكماً قضائياً تحول إلى سابقة تتيح لعدد من الغزّيّين أصحاب الأوضاع الشبيهة أن يتمّ استيعابهم بصفتهم مواطنين في إسرائيل.
والحديث يدور هنا عن نساء حملت - لأسباب مختلفة - المواطنة الإسرائيليّة، كما أنهن عشنَ في قطاع غزّة معظم حياتهنّ وهن بالغات، وأنشأنَ عائلات وربّين أطفالهن واعتبرنَ قطاع غزّة وسلطة «حماس» مركزَ حياتهنّ.
اليمين يهاجم
لكن الآن، يطالب اليمين الإسرائيلي رئيس وزرائه، بنيامين نتنياهو، بإعادة مئات الفلسطينيين ممن سكنوا غزة وقدموا للسكنى في إسرائيل بعد الحرب، إلى القطاع، ويعدّونهم من وجهة نظرهم «قنبلة موقوتة» ضد أمن إسرائيل.
أحد هؤلاء، الكاتب عكيفا بيغمان، المقرب من الحكومة، الذي كتب: «في الوقت الذي يقاتل فيه الجيش الإسرائيليّ ضدّ (حماس)، أذعنت وزارة الداخليّة لتنظيمات يساريّة، وسمحت لسكّان من غزّة أن يصبحوا مواطنين في إسرائيل، وأن يحصلوا على كامل الحقوق الاجتماعيّة والمدنية».
وتتولى منظمتان حقوقيتان هما: «هموكيد - مركز الدفاع عن الفرد»، و«غيشا - مسلك»، مساعدة المتضررين أمام سلطات الجيش والقضاء لإتاحة ذلك.
وبحسب السابقة القضائيّة التي أصدرتها «المحكمة العليا الإسرائيلية» فإنه يحقّ لوحيدي وأطفالها الدخول إلى إسرائيل بصفتهم مواطنين عاديّين.
سيدة أخرى، واجهت المسار ذاته هي نجوى بيّاري (23 عاماً)، التي ولدت لأب عربي يحمل الجنسية الإسرائيليّة وأم من غزّة.
انتقلت بيّاري إلى العيش في القطاع وهي في الثالثة من عمرها، وفي شهر مارس (آذار) 2024 طلبت الدخول إلى إسرائيل. ولأنّها لم تُسجّل بتاتاً بصفتها إسرائيليّة ولأنّها لا تملك وثائق تثبت هويّتها هذه، قرّرت المحكمة أنّ بإمكانها أن تقوم بذلك بشرط أن تخضع لفحص وراثيّ يثبت صلتها بوالدها.
وقد كتب المحامي أهارون مايلز كورمان، ممثل منظمتي: «هموكيد» و«غيشا»، في رسالة وجهها يوم 15 أكتوبر 2023، للضابط غسّان عليّان، منسّق عمل الحكومة الإسرائيليّة في الأراضي الفلسطينيّة، يقول: «من واجب إسرائيل الدفاع عن حياة مواطنيها وسكّانها الذين خرجوا إلى غزّة... والذين لا يستطيعون الخروج من قطاع غزّة الآن. فهناك بضع مئات من المواطنين والسكّان من دولة إسرائيل، دخلوا مع تصاريح دخول إسرائيلية إلى القطاع، ومن بينهم من يرتبطون بشريك حياة من غزّة».
وتابع: «الآن مع اندلاع الحرب يخشى هؤلاء المواطنون والسكّان الإسرائيليّون على حياتهم ويطالبون بإعادتهم».
الحالات بالعشرات
وبناء على الجهد المتتابع للمنظمات الحقوقية، وبعد تقديم ثلاث دعاوى التماس إلى المحكمة، دخلت المجموعة الأولى إلى إسرائيل خلال أقلّ من شهر في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، وبعد أسابيع قليلة، في 6 ديسمبر (كانون الأوّل)، دخلت مجموعة ثانية، ومجموعة ثالثة في 19 فبراير (شباط) 2024.
وبلغ مجموعهم في المجموعات الثلاث 102 شخص، نحو نصفهم من الأطفال الذين حصلوا على المواطنة بالاعتماد على فحص جينيّ أجروه في إسرائيل.
وفي شهر مايو (أيار) الماضي وصلت مجموعتان إضافيّتان: الأولى مكوّنة من 20 من سكّان غزّة، والثانيّة من 12 من سكّان غزّة، حيثُ إنّ أحد «الأطفال» المشمولين شخص يبلغ من العمر 18 عاماً. وفي شهر يونيو (حزيران) دخلت مجموعة أخرى، عددها غير معروف.
هجرة معاكسة
وبالعودة إلى الكاتب اليميني بيغمن فإنه يقول: «تبدو هذه القصّة للوهلة الأولى نسجاً من خيال مُضطرب وغير مترابط، لكنّها تحصل بالفعل خلال حرب السيوف الحديديّة، وبعد وقت قصير من المذبحة المروّعة التي قامت بها (حماس)، وافقت دولة إسرائيل على دخول المئات من سكّان غزّة إلى أراضيها، بحيثُ يحصلون على المواطنة الإسرائيليّة وعلى كامل الحقوق الاجتماعيّة المترتّبة على ذلك».
ويشير الكاتب اليميني إلى أن ما يزعجه أكثر هو أنه قبل هذه الهجرة إلى إسرائيل، تعاني المدن اليهودية من هجرة معاكسة.
وبحسب معطيات دائرة الإحصاء المركزيّ في القدس، لعام 2024، كانت هناك هجرة سلبية من جميع المدن اليهوديّة الكبيرة إلى خارج البلاد.
وعلى سبيل المثال سُجّلت في تل أبيب مُغادرة 3.390 من السكّان، وفي حيفا سُجّلت مغادرة 1.021 من السكّان، وفي رمات غان 878، وفي ريشون لتسيون 828.
ويقول بيغمن: «إنها ظاهرة مفهومة (أي الهجرة المعاكسة) في ظلّ الحرب. لكن في المدن والقرى العربيّة في إسرائيل سُجّل اتّجاه مُعاكس في الهجرة إلى الداخل من خارج البلاد إلى هذه القرى تحديداً، وصل إلى كفر مندا 48 مهاجراً، ووصل إلى شقيب السلام 32 مهاجراً، وإلى كفر قاسم 25 مهاجراً، وإلى قلنسوة 22، وإلى الكسيّفة 16، وغيرهم. ومع أنه لا توجد معطيات رسميّة حول البلدان الأصليّة لهؤلاء المهاجرين، لكن الافتراض أنّ جزءاً كبيراً منهم وصل من مناطق السلطة الفلسطينيّة ومن قطاع غزّة هو افتراض معقول».
aawsat.com