الشاعر الملهم المتفرد تاج الدين محمد احمد مسمار

سمع المتنبي بشعره فتلفتا
واصابه عجب فقال من الفتي..
بقلم..الاستاذ الدكتور عبد العظيم اكول
هذا شاعر من طراز فريد..نسيج وحده..سلك دروب الحداثة الشعرية بمفردات جديدة..ما ان تتناهي الي مسمعك حتي تاخذك الي عوالم شاعرية قمة في الابداع..انه الشاعر المطبوع الفذ تاج الدين محمد احمد مسمار المولود في العام ١٩٥٧م في قرية السلمة والتي تقع بين بربر والدامر وهو معلم درس بمعهد التربية لاعداد المعلمين بمدينة ملكال بجنوب السودان لمدة ٤ سنوات ونشر قصائد في صحف الصحافة والسوداني والوان وفي الملاحق الثقافية والادبية داخل وخارج السودان وله ثلاثة دواوين شعرية تحت الطبع هي..
بحر الدموع
الحوش الكبير
اعراس الهد والعنقاء
يتميز شعره بالحداثة والتجديد ويتضمخ بالبلاغة التعبيرية والتصويرية ويحوي اشكال البلاغة والفصاحة جامعا بين العامية والفصحي ويعتبر مدرسة تجديدية وحالة شعرية خاصة جديرة بالتحليل والعمق الشعري الذي يأخذ بمجامع القلوب ويحلق بالانسان في عوالم الخيال والافاق السرمدية البعيدة..اذن نحن امام تجربة شعرية فريدة لم تجد حظها من التناول النقدي والبحث الادبي وهي تجربة جديدة تستحق ان نفرد لها مساحة ومساحات..خاصة واننا نري انحسار ظاهرة النقد الادبي في الاونة الاخيرة الامر الذي جعل بعض الدول العربية تنتبه لهذا الامر وتخصص له جوائز عظيمة ضمن ماتقدمه من فعاليات ثقافية وادبية كل موسم وخاصة دولة قطر الشقيقة التي التقطت القفاز منذ سنوات عبر المسابقات الكبري التي تقيمها كتارا وغيرها من المؤسسات القطرية العظيمة صاحبة الريادة في هذه الفعاليات المنتظمة والتي تشمل كافة البلاد العربية وتعتبر مصدر فخر لكل العرب..
وتجربة الشاعر المطبوع تاج الدين مسمار تعتبر من التجارب الشعرية والانسانية الجديدة في عالم الشعر والادب السوداني والعربي..وحتي نقف علي نماذج باهرة من اشعاره التي ستحلق بنا حتما في سماوات الابداع فاننا وفي عدة مقالات متتالية سنفرد مساحات لهذه التجربة المتجددة بمفردات جديدة غاية في الروعة وسبك شعري يؤكد بما لايدع مجالا للشك عمق وعظم الشاعرية التي يمتلك ناصيتها شاعرنا تاج الدين مسمار
حيث يقول في الميزاب..
احرت متاريس الصعاب
شق المحال العاتي شق
شتت تواريبك عشم
روض مهر رجلك سبق
هودج نفس صدرك حريق
نوشل مسام جلدك عرق
جرجر طلوع حلمك حجا
اعزف رجز همسك ربق
أسند تقانتك وجدولك
افتح سرابتك في اللبق
اغرف قواديس مسرتك
موية سواقيك من حدق
ياالله..انظر للبلاغة والمفردات الانيقة والقافية الصعبة الشرود..
واورد هنا تعليق شاعرنا الكبير محي الدين الفاتح علي قصيدة الميزاب..ادناه...
(هذا نص فخيم وناضج يتمتع بشاعرية متفردة ذات ايقاع موسيقي سلس ومفردات بيئية ذات لونية جديرة بالتامل والوقوف عندها اعجابا بها ولقد استطاع الشاعر استثمار التراث الانساني بايراد (طروادة) بما للمدينة من وجود تاريخي راسخ بحصانها الشهير في الالياذة الاغريقية كما استخدم الشاعر (البراق) في بيان السرعة لقطار العدل واستدعي بلقيس في هيئة احالة رمزية في قوله (ادخل بلاط عرشك). استطاع الشاعر تاج الدين بناء نص ابداعي مما اتاح له .الاتيان بمضامين متماسكة ومثيرة عبر صور مستحدثة ذكية ثرية فهي حديث الذات للذات بعيدا عن التقريرية والمباشرة مع اتخاذ الميزاب (ماسورة مياه المطر العمودية الصبابة او السبلوقة) معادلا موضوعيا في العنوان).
ونغوص مع الشاعر تاج الدين مسمار في قصيدة اخري بعنوان (شاطيء الرجوع) حيث يقول في شاعرية مبهرة..
غابت مراكبك في البعيد
والريح خلاص لفح الشراع
اتوشحت شمسك مغيب
رسمت عليك رمش الشعاع
شربت مقاديفك تعب
ما اتحركت في سيرا باع
لفاها موج الشيم اسي
واختار مكان الخرطة قاع
ثم يمضي في شاعرية مذهلة في نفس القصيدة..
راحت نهاراتك ودار
ممشاك علي الرمل الوحيل
صخر المتاريس الصعاب
مستحلي هم تعبك يكيل
امتد جزر السيل سدود
بين المسافات مستحيل
اتحزمك جزرك ضياع
في لوحة الاقدار رحيل
القصيدة طويلة وممتلئة بزهو الحروف ونبض الحروف وفيها بلاغة عجيبة وتورية محببة مما يؤكد علي نصوح وجدان الشاعر وموهبته الفذة وتعلقه بالببئة التي نشأ فيها وكما نعلم فان الشاعر نتاج ببئته..
في قصيدته (دنيا الدروب) جاء فيها..
مترتا ميل خرطك كيان
ومشيت فراسخ ذاتي فيك
اطلس علي الرمل الوحيل
زي الغريق اتشابا ليك
اتبح حبل الصوت وراك
مطلق حرارتو العطشي بيك
مرجح طواويسك هتاف
يتدبا دخلة ضل عليك
ما هذا الالق والنبل والتودد الغير مرئي للذات التي اضناها الرهق والتعب
ونختم في هذا المقال بقصيدته ( سر السراب) ونورد هنا مبهورين بما خطه عن القصيدة يراع الزميل الصديق العزيز والناقد والصحفي الكبير حسبو الحاج السيد صاحب صحيفة القضية وهو ناقد وصحفي وشاعر متفرد ايضا..يقول حسبو في سرد بليغ..مايلي..
(لا ادري وانا اقف امام احدي المحارم الشعرية التي شادها مسمار ..هل هي عصفا ذهنيا ام استغراقا تأمليا ام تماهيا باطنيا ..لقد وضعتني معماريته..سر السراب..في مساحة مزروعة توحدا شجنا ..مابين غصن الرياض المايد التي تغنت بداؤود وتهويمات من ابتلعت كناريا عذبا..حسب الشاعر والزميل الصحفي اسماعيل الاعيسر ..الذي تاوه وصفا دقيقا رقيقا وتغزليا..
القصيدة في مجملها شريط مكثف ومضغوط لمشاهد دراماتيكية ..تجد فيها الشاعر مسمار قد دق اخر مسمار في نعش التراخي والتباطؤ والكسل..وحرص بيقين مبدئي علي خوض تجربة المضي في الوصول لهدفه الانساني النبيل حتي ولو اصابه قدر (بروموثيوس) ..
انا من منافي الضيعة جيت
غيبة سنيني علي قدر
وبالرغم من قسوة ظروف الغربة واستيحاش توحدها ..وانعدام شفرة خاصة للتفاهم الباطني مع صديق ..ولاستمرارية تدفق الابتلاءات وتوسيعها وتعقيدها..ان لم يكن واقعيا علي الاقل لرهافة ميزان الشاعر الذي يري العصفور جذور ..نجد الشاعر يؤرخ ذلك وكأني به بئرا عميقا لا ينضب نبعه كلما استنزف الما كلما توقد وعيا..
شوك المسير انهك قواي
بالحسرة والهم والكدر
اخال الشاعر يرتدي حذاء من اشواك حادة ويمشي بها في حجارة مدببة ..غير اني اعتقد ان من وهبوا خاصية المرافعة الجمالية ..عندما يخترم ذاتهم عصف الطريق تنبري لديهم قدرة باطنية كانت مخبوءة ..وتتعالي بشفافية عن الوقوع في شراك الانهزام النفسي والانكسار الذاتي..
بين مجمع البحرين بقيت
علي مجمع التيه مندهش
قدس النبي وسر الخضر
دغدغ حواسي غلبني امش
ومع بذاخة حضور مجمع البحرين يحضرني مشهد رفيع المستوي عالي الدقة في السمات نبيل القسمات نادر الحدوث غالي الطلة ..باحدي المسلسلات السورية المستحلبة من عصور مضت كما تخيله ذهن الراوي يفتح الثوار باب القلعة ويدار عراك قاسي وفي هذه اللحظات المفصلية يغاجأ البطل بطلة الملاك في وجه حبيبته فياخذ وردة حمراء من حديقة امامه ويهديها لها بتواضع فارس غلب الحب سيفه النفسي..الذي لايعرف الهزيمة امام الاعداء.
تامل هذه الروعة بين مجمع البحرين ..صخرة التيه..قدس النبي..العجز عن المشي..انه دخول في حالة تعبدية حتي ولو لم يتجه نحو كعبتها..
وطنت خاطري علي اليقين
عبيت دواخل ذاتي روح
الشاعر هنا ضرب بجذور وعيه الايماني في تربة الحق..وشاد بيته بارص يقين لاتعرف الامادة ..فتخرج فيها استاذا تجاوز مرحلة البروف وعيا كونيا وشفافية انسانية ونورانية قلبية لاتري غير ذري الكمال مطلبا..
هذا الشاعر دعوه ..اعتقد ان له شانا ..لايدركه هو ولا نستوعبه نحن...
ونواصل عن تجربة الشاعر المبدع تاج الدين مسمار عبر حلقات تتري باذن الله
قطر ..الدوحة
٢٦ مارس ٢٠٢٥م