التداولات التي تسببت في انهيار الأسواق قبل أشهر تظهر علامات على العودة
Investing.com - عادت تجارة الفائدة القائمة على الين الياباني، وهي واحدة من أكثر استراتيجيات الاستثمار إثارة هذا العام، إلى الواجهة مجددًا في الأونة الأخيرة. حيث ارتفعت الرهانات الهبوطية على الين من 9.74 مليار دولار في أكتوبر إلى 13.5 مليار دولار في نوفمبر.
جاء ذلك بدعم من المستثمرين اليابانيين الأفراد، وصناديق الاستثمار المدعومة بالرافعة المالية، ومديري الأصول خارج اليابان.
وتجارة الفائدة أو كما تُسمى بالإنجليزية "Carry Trade"، تقوم على استغلال الفجوة بين أسعار الفائدة في بلدين مختلفين؛ حيث يقوم المستثمرون بالاقتراض من بلد يتمتع بمعدلات فائدة منخفضة، ثم توجيه تلك الأموال للاستثمار في بلد آخر بمعدلات فائدة مرتفعة. وتزدهر تجارة الفائدة عادةً عندما تتبنى البنوك المركزية سياسات نقدية متباينة، فبينما قد تسعى دولة للسيطرة على التضخم، قد تركز أخرى على تحفيز النمو، مما يؤدي إلى تباين في السياسات النقدية وخلق فرص استثمارية مربحة.
عوامل تدعم نمو التجارة الممولة بالين
يتوقع أن ترتفع هذه الرهانات في العام المقبل نتيجة للفوارق الكبيرة في معدلات الفائدة، وزيادة الاقتراض الحكومي في الولايات المتحدة، وانخفاض تقلبات سوق العملات. توفر هذه الظروف بيئة جاذبة للاقتراض بالين ذو التكلفة المنخفضة واستثماره في الأسواق ذات العوائد المرتفعة حول العالم.
علق "ألفين تان"، رئيس استراتيجية العملات في آسيا لدى بنك كندا الملكي في سنغافورة، قائلاً: "الفارق الكبير في معدلات الفائدة يجعل الين دائمًا عملة تمويل مفضلة، ما لم تكن هناك تقلبات كبيرة تعيق ذلك."
وفي الوقت نفسه، أشار استراتيجيو شركتي "ميزوهو سيكيوريتيز" و"ساكسو ماركتس" إلى احتمالية عودة التجارة الممولة بالين إلى المستويات التي كانت عليها قبل رفع بنك اليابان معدلات الفائدة في يوليو. لكن هناك محاذير، منها إمكانية تسبب عودة دونالد ترامب إلى السلطة في اضطرابات بأسواق العملات.
شهد الصيف الماضي تأثيرًا سلبيًا كبيرًا عند تفكيك هذه التجارة، مما تسبب في خسائر تجاوزت 6.4 تريليون دولار من أسواق الأسهم العالمية في غضون ثلاثة أسابيع فقط، وسجل مؤشر "نيكاي 225" أكبر انخفاض له منذ عام 1987. كما أن الارتفاع المفاجئ للين الأسبوع الماضي أكد المخاطر المستمرة لهذه الاستراتيجية.
فوائد الفجوة بين معدلات الفائدة
تُعد معدلات الفائدة المحرك الرئيسي لهذه التجارة. حيث يبلغ متوسط العائد لعشر عملات من الاقتصادات الكبرى والأسواق الناشئة أكثر من 6%، بينما تظل معدلات الفائدة الأساسية في اليابان عند 0.25% فقط. ومع أن بنك اليابان يرفع معدلات الفائدة تدريجيًا، فإن الفجوة بينها وبين الاقتصادات الكبرى، مثل الولايات المتحدة، لا تزال واسعة.
وفقًا لـ"فيليكس ريان"، محلل العملات في "أستراليا ونيوزيلندا بانكينغ غروب"، فإن منطق هذه الاستراتيجية سيبقى قويًا حتى لو ارتفعت الفائدة اليابانية إلى 1%.
حققت التجارة الممولة بالين عوائد تصل إلى 45% منذ نهاية عام 2021، مقارنة بعائدات بلغت 32% لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500". هذا النجاح دفع المزيد من المستثمرين للانخراط فيها، حيث وصلت المراكز القصيرة على الين إلى 21.6 مليار دولار في يوليو، قبل أن يتم تفكيكها بعنف.
"حتى مع رفع بنك اليابان معدلات الفائدة، فإن هذا لن يكون كافيًا لسد الفجوة مع الولايات المتحدة، مما يجعل هذه الاستراتيجية جذابة"، بحسب "شارو تشانانا"، رئيسة استراتيجية الاستثمار في "ساكسو ماركتس".
التأثيرات السياسية على التجارة
ارتفعت عوائد الدولار والسندات الأمريكية في الأشهر الأخيرة نتيجة التكهنات بأن سياسات ترامب الاقتصادية، مثل التعريفات الجمركية وتخفيضات الضرائب، قد تعزز الاقتصاد وتحد من سرعة خفض معدلات الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي.
ومع ذلك، قد يؤدي تركيز ترامب على السياسة المالية إلى تأثير كبير على الأسواق. يقول "شوكي أوموري"، كبير استراتيجيي العملات في "ميزوهو سيكيوريتيز"، إن عودة ترامب قد تدفع بالتجارة الممولة بالين إلى الازدهار مجددًا اعتبارًا من يناير. لكنه أضاف: "في النهاية، كل شيء يعتمد على ترامب. إذا أراد سكوت بيزنت، وزير الخزانة المقترح، الحفاظ على منصبه، فلن يكون صارمًا في إدارة الميزانية."
قد تؤدي الحروب التجارية التي يهدد بها ترامب إلى تقلبات جديدة في الأسواق العالمية، خصوصًا مع تعهده بفرض تعريفات إضافية على الصين وكندا والمكسيك. يُذكر أن البيزو المكسيكي كان عملة رئيسية في التجارة الممولة بالين بسبب معدلات الفائدة المرتفعة في المكسيك، لكن تصريحات ترامب قد تجعل هذه التجارة أقل جاذبية.
تعتمد التجارة الممولة بالين على انخفاض تقلبات سوق العملات. ورغم ارتفاع عدم اليقين بسبب الإدارة الأمريكية الجديدة وتصاعد الحرب في أوكرانيا، أظهر مؤشر "جي بي مورغان (NYSE:JPM)" لتقلب العملات انخفاضًا عن المستويات المرتفعة التي شهدها بعد جائحة كورونا.
توقعات المستقبل
قد يؤدي تقليص الفجوة بين معدلات الفائدة إلى تقليل زخم هذه التجارة العام المقبل. حيث ترك محافظ بنك اليابان "كازو أويدا" الباب مفتوحًا لرفع الفائدة في ديسمبر، بينما حذر وزير المالية الياباني من تحركات حادة للعملة منذ سبتمبر.
"رغم الدعم الذي تلقته التجارة الممولة بالين، فإن تصريحات بنك اليابان تشير إلى أن هذه الاستراتيجية قد تفتقر إلى الثقة والزخم الذي كان واضحًا في الربيع الماضي،" وفقًا لـ"جين فولي"، رئيسة استراتيجية العملات في "رابوبنك".
فيما قد تُحدِّد اجتماعات بنك اليابان والاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر الاتجاه المستقبلي لهذه الاستراتيجية. وأي تلميحات بتوجه أكثر مرونة من قبل بنك اليابان أو سياسات متشددة من رئيس الاحتياطي الفيدرالي "جيروم باول" قد تؤثر على قرارات المستثمرين.
"إذا استمرت الفجوة في معدلات الفائدة، فلن يجد المستثمرون سببًا لعدم المضي قدمًا في هذه التجارة،" بحسب "أوموري".
investing.com