قوة الدولار تضعف من جهود إنشاء عملة عالمية بديلة
يواجه الدولار الأميركي، الذي يعد العملة الاحتياطية الأولى عالمياً، جدلاً واسعاً حول استمرارية هيمنته مقابل الجهود المتزايدة لتطوير بدائل من قِبل تكتلات اقتصادية كبرى، مثل مجموعة «بريكس»، في الوقت الذي يتوقع أن تُشكل الضغوط الاقتصادية والسياسات الحمائية الأميركية دافع الدول الأخرى لتسريع جهودها نحو تطوير بدائل استراتيجية، ومع ذلك ستظل العقبات التقنية والسياسية تحدياً كبيراً أمام أي محاولة لتقليل الاعتماد على الدولار في المدى القريب.
وتأتي هذه التساؤلات حول مستقبل الدولار، في وقت طالب الرئيس الأميركي المنتخَب دونالد ترمب، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي الدول الأعضاء في مجموعة «بريكس» بالالتزام بعدم طرح عملة جديدة، أو دعم عملة أخرى لتحل محل الدولار، محذراً من فرض رسوم جمركية بنسبة 100 في المائة، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.
وكتب ترمب على منصته الاجتماعية «تروث سوشيال»: «نريد التزاماً من هذه الدول بعدم إنشاء عملة جديدة لمجموعة (بريكس) أو دعم أي عملة أخرى لتحل محل الدولار العظيم، وإلا فسوف تواجه رسوماً جمركية بنسبة 100 في المائة، وعليها توقع توديع الدخول في الاقتصاد الأميركي الرائع».
ويبقى السؤال مفتوحاً حول كيفية استجابة الولايات المتحدة ودول «بريكس» لهذه الديناميكيات، وما إذا كان النظام المالي العالمي سيشهد تغييرات جذرية في السنوات المقبلة.
54 في المائة من احتياطيات النقد الأجنبي
وقال آرون ليسلي جون، كبير محللي الأسواق في شركة «سنشري فاينانشيال» وفقاً لصندوق النقد الدولي، شكّل الدولار الأمريكي نحو 54 في المائة من احتياطيات النقد الأجنبي الرسمية في الربع الثاني من عام 2024.
ويفسر جون هذا الاعتماد الكبير بقوله: «الدولار الأميركي يهيمن بفضل كونه عملة كبيرة، مستقرة، ومترسخة في الاقتصاد العالمي»، مشيراً إلى أن مجموعة «بريكس»، التي تأسست عام 2009، ركّزت على تطوير نظام بديل للدولار، يتمثل في عملة «الوحدة» المدعومة بالذهب، موضحاً: «رغم تحذيرات الرئيس الأميركي دونالد ترمب من مثل هذه الخطوات، وتهديداته بفرض رسوم جمركية بنسبة 100 في المائة، فإن مثل هذه الضغوط قد تدفع دول (بريكس) نحو الإسراع في إنشاء نظام مالي بديل».
وزاد: «إن تنوع الدول الأعضاء في (بريكس) يمثل تحدياً رئيسياً أمام تحقيق فكرة العملة البديلة، لكن في الوقت ذاته، قد يؤدي أي ضغط من الولايات المتحدة إلى تعزيز جهود (بريكس) لتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي».
مكانة الدولار
في المقابل، يرى محمد حشاد، كبير استراتيجي الأسواق في شركة «نور كابيتال» أن التوترات بين الرئيس ترمب ودول «بريكس» تلقي بظلالها على مستقبل الدولار، مؤكداً مكامن قوته، وقال: «الدولار الأميركي يُشكل أكثر من 50 في المائة من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية. وهذه المكانة تمنحه دوراً مختلفاً في تسهيل التجارة الدولية وتمويل الديون، بجانب استخدامه في تسعير السلع الأساسية مثل النفط».
ومع ذلك، أشار إلى أن تهديدات ترمب بفرض تعريفات جمركية قد تكون حافزاً للدول على إيجاد بدائل. وقال: «التضخم الأميركي والسياسات النقدية الحالية يثيران القلق بشأن استدامة قوة الدولار. ورغم الجهود المبذولة لإنشاء عملة بديلة، فإن ذلك يتطلب توافقاً سياسياً، وبنية تحتية مالية قوية، وهو أمر غير متوفر حالياً».
هيمنة في المستقبل
إلى ذلك، أوضح جون هاردي، رئيس استراتيجيات الاقتصاد الكلي في «ساكسو بنك» أن إنشاء عملة بديلة للدولار يتطلب تنازلات كبيرة من الدول المشاركة، مضيفاً: «الدولار الأميركي سيبقى مهيمناً في المستقبل القريب. إطلاق عملة جديدة يتطلب تنازل الدول عن جزء من سيادتها لصالح المشروع، وهو أمر صعب التحقيق في ظل الظروف الحالية».
وأشار إلى أن السياسات الحمائية الأميركية قد تأتي بنتائج عكسية، وقال: «تهديدات الرئيس ترمب بفرض رسوم جمركية ضخمة، واستخدام الدولار سلاحاً اقتصاديّاً قد تعجل بجهود الدول الأخرى لتطوير وسائل جديدة للتجارة، بعيداً عن نظام الدولار».
التحديات
من جانبه، ناقش يوفنغ تشيو، كبير خبراء التداول في شركة «إيه بي إم كابيتال» التحديات التي تواجه الدولار، مشيراً إلى أن إنشاء عملة بديلة يحتاج إلى وقت طويل ومؤسسات مالية قوية لدعمه. وقال: «رغم أهمية الدولار في تسعير السلع الأساسية، فإن إصدار عملة جديدة لدول (بريكس) قد يهدد هيمنته، لكنه يتطلب سنوات من التحضير». وأضاف: «التهديدات التي أطلقها الرئيس ترمب تبدو سابقة لأوانها، خصوصاً أن التقدم في إنشاء العملة الجديدة يبدو محدوداً حتى الآن».
aawsat.com