خبر ⁄اقتصادي

ملامح حرب تجارية بعد رسوم ترمب ضد كندا والمكسيك والصين

ملامح حرب تجارية بعد رسوم ترمب ضد كندا والمكسيك والصين

سارعت كندا والصين إلى الرد على الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وشملت أيضاً المكسيك، لترفع التعريفات الأميركية إلى مستويات لا سابق لها منذ عقود، في إجراءات وضعت الأسواق العالمية على حافة حرب تجارية باهظة التكاليف، ويمكن أن تكون لها تداعيات عميقة على علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها وخصومها على حد سواء.

ووضع ترمب تهديداته حيز التنفيذ بدءاً من منتصف ليل الثلاثاء - الأربعاء، ففرض ضريبة بنسبة 25 في المائة على الواردات من كندا والمكسيك، مع إخضاع منتجات الطاقة الكندية لرسوم استيراد بنسبة 10 في المائة. وضاعف الرسوم البالغة عشرة في المائة التي فرضها على الواردات الصينية في فبراير (شباط) الماضي إلى 20 في المائة.

وتحقق هذه الرسوم وعداً لحملة ترمب الرئاسية لجهة إعادة صوغ العلاقات التجارية الأميركية بغية تشجيع بعض الشركات المصنعة التي تتوجه إلى العملاء الأميركيين على إنشاء مصانع في الولايات المتحدة، بدلاً من دول أخرى. غير أن تغيير شروط التجارة بين الولايات المتحدة وأكبر شركائها الاقتصاديين، يحتمل أن تؤدي إلى هز سلاسل التوريد، وتضيف تكاليف كبيرة على المستهلكين الأميركيين والشركات المصنعة الأميركية.

سفينة شحن محملة بالحاويات ترسو في محطة هونغ كونغ الدولية (د.ب.أ)

وتعد كندا والمكسيك والصين أكبر ثلاثة شركاء تجاريين للولايات المتحدة، حيث تمثل أكثر من 40 في المائة من واردات وصادرات الولايات المتحدة خلال العام الماضي. وتوفر الدول الثلاث الجزء الأكبر من النفط الخام والجعة والأسلاك النحاسية والحديد والخيار والشوكولاته التي تستوردها الولايات المتحدة، فضلاً عن عدد كبير من المنتجات الأخرى.

واتخذ ترمب هذه الإجراءات رغم الجهود التي بذلتها كندا والمكسيك والصين في الآونة الأخيرة في محاولة لتجنب معركة الرسوم الجمركية، بما في ذلك عبر تشديد إجراءات عبور الحدود إلى الولايات المتحدة. غير أن ترمب الذي كان يقول إن الدول الثلاث لم تبذل ما يكفي من الجهد لوقف تدفق المخدرات والمهاجرين، غيّر شروطه، مطالباً كندا والمكسيك بنقل مصانع السيارات وغيرها من الصناعات التحويلية إلى بلاده. وقال إن «ما يتعين عليهم فعله هو بناء مصانع سياراتهم، بصراحة، وأشياء أخرى في الولايات المتحدة، وفي هذه الحال لن تكون هناك تعريفات جمركية».

إجراءات صينية

وردت الصين بفرض رسوم جمركية تصل إلى 15 في المائة على مجموعة واسعة من الصادرات الزراعية الأميركية. ووسعت عدد الشركات الأميركية الخاضعة لضوابط التصدير والقيود الأخرى بنحو 20 شركة. وأعلنت رسوماً جمركية إضافية على واردات المنتجات الزراعية الأميركية الرئيسة، بما فيها الدجاج ولحم الخنزير وفول الصويا ولحوم البقر، وتوسيع نطاق الضوابط على التعامل مع الشركات الأميركية الرئيسة. وستدخل الرسوم الصينية الجديدة حيز التنفيذ اعتباراً من 10 مارس (آذار) الحالي.

ورداً على خطوة ترمب، قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إن بلاده ستفرض رسوماً على أكثر من 100 مليار دولار من السلع الأميركية على مدار 21 يوماً. ولم تعلن المكسيك على الفور عن أي تدابير انتقامية.

سفينة حاويات شحن تبحر عبر قناة رامبلر بالقرب من جزيرة لانتاو الصينية (د.ب.أ)

وأثارت تحركات ترمب مخاوف من ارتفاع التضخم واحتمال نشوب حرب تجارية حتى مع وعده للأميركيين بأن الضرائب على الواردات هي أسهل طريق إلى الرخاء الوطني. وأظهر مقاومة لتحذيرات خبراء الاقتصاد، معتقداً أن الرسوم يمكن أن تصلح عيوب البلاد. وقال الاثنين في البيت الأبيض إن التعريفات «سلاح قوي للغاية لم يستخدمه الساسة لأنهم إما كانوا غير أمناء أو أغبياء أو مدفوعين بطريقة أخرى. والآن نستخدمها».

وترى إدارة ترمب أن التضخم لن يكون سيئاً كما يدعي خبراء الاقتصاد، قائلة إن التعريفات الجمركية يمكن أن تحفز الشركات الأجنبية على فتح مصانع في الولايات المتحدة. وأعلن ترمب، الاثنين، أن شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية ستستثمر 100 مليار دولار في الإنتاج المحلي.

ومع ذلك، قد يستغرق الأمر بعض الوقت لنقل المصانع المنتشرة في كل أنحاء العالم وتدريب العمال على المهارات التي يحتاجون إليها.

وظهرت تأثيرات الرسوم الجديدة بصورة فورية على مؤشرات الأسواق الأميركية التي انخفضت بشكل حاد بعدما أعلن ترمب أنه «لا مجال» للمفاوضات. وكذلك انخفضت الأسهم في أوروبا وآسيا.

وكان يفترض أن تبدأ التعريفات الجمركية على كندا والمكسيك في فبراير الماضي، لكن ترمب وافق على تعليقها لمدة 30 يوماً لمواصلة التفاوض مع أكبر شريكين تجاريين للولايات المتحدة.

ويمكن أن تكون التعريفات الجمركية قصيرة الأجل إذا عانى الاقتصاد الأميركي. لكن ترمب هدد أيضاً بفرض مزيد من الرسوم الجمركية على الاتحاد الأوروبي والهند، ومنتجات حيوية مثل أشباه الموصلات ورقائق الكمبيوتر والسيارات والأدوية الصيدلانية.

الرد الكندي

ورغم إعلان ترمب بدء التعريفات الجمركية ورد ترودو عليها، واصل المسؤولون الكنديون اتصالاتهم بنظرائهم الأميركيين. وقال وزير الدفاع الكندي بيل بلير في أوتاوا أثناء توجهه إلى اجتماع خاص لمجلس الوزراء في شأن العلاقات بين الولايات المتحدة وكندا: «سيستمر الحوار، لكننا مستعدون للرد».

شاحنات تعبر جسر السفير بين وندسور وديترويت في اليوم الأول من الرسوم الجمركية الجديدة (أ.ف.ب)

وبعد وقت قصير، أعلن ترودو أن كندا ستفرض رسوماً جمركية بنسبة 25 في المائة على سلع أميركية بقيمة 155 مليار دولار كندي (107 مليارات دولار أميركي)، بدءاً من الرسوم على سلع بقيمة 30 مليار دولار كندي (21 مليار دولار أميركي) على الفور وعلى المبلغ المتبقي على المنتجات الأميركية في غضون ثلاثة أسابيع. وقال: «ستظل رسومنا الجمركية سارية حتى سحب الإجراء التجاري الأميركي، وإذا لم تتوقف الرسوم الجمركية الأميركية، فنحن في مناقشات ناشطة ومستمرة مع المقاطعات والأقاليم لمتابعة كثير من التدابير غير الجمركية».

الأحد المكسيكي

إلى ذلك، بذلت الحكومة المكسيكية جهوداً كبيرة لتكثيف مراقبتها للحدود، بما في ذلك اتخاذ إجراءات حازمة ضد الكارتلات التي تنتج الفنتانيل وتسليم العشرات من كبار عملاء الكارتلات إلى الولايات المتحدة. كما تعهدت بنشر عشرة آلاف جندي من الحرس الوطني للمساعدة في ردع الهجرة، بناءً على الجهود السابقة لتفكيك قوافل المهاجرين قبل وقت طويل من وصولهم إلى الحدود مع الولايات المتحدة.

الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم في مؤتمر صحافي للإعلان عن الرد على الرسوم الجمركية الأميركية (رويترز)

وقالت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم إن بلادها سترد على الولايات المتحدة بفرض رسوم نسبتها 25 في المائة. وأضافت أنها ستعلن عن المنتجات المستهدفة الأحد في حدث عام بالساحة المركزية بمكسيكو سيتي.

وحيال الأخطار التي يمكن أن تنتج عن التعريفات الجمركية، دق المشرعون الديمقراطيون ناقوس الخطر من حرب تجارية محتملة. وعبرت السيناتورة الديمقراطية سوزان كولينز عن «القلق البالغ» من دخول أثر التعريفات على ولايتها ماين القريبة من كندا. وقالت إن «اقتصاد ولاية ماين وكندا متكاملان»، موضحة أن كثيراً من كركند البحر والتوت الأزرق في الولاية يعالج في كندا، ثم يعاد إلى الولايات المتحدة.

aawsat.com