هل تساعد زيادة الإنفاق الدفاعي في دفع عجلة الاقتصاد الأوروبي الراكد

دفعت الخطوة التي أقدم عليها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بوقف المساعدات لأوكرانيا، الدول في جميع أنحاء أوروبا إلى إعادة صياغة قواعد موازنتها الخاصة بها بطرق لم تشهدها من قبل إلا خلال لحظات الأزمة الكبرى. لكن هذه الزيادة قد تؤدي إلى تعزيز الاقتصاد الأوروبي شرط أن يكون ذلك نقطة انطلاق لانتعاش صناعي أوسع نطاقاً وإذا أقنعت الحكومات القطاع بأن التمويل موجود على المدى الطويل، وفق محللين.
وكانت مسألة الموافقة على طرق جديدة لزيادة الإنفاق الدفاعي والتعهد بمواصلة دعم أوكرانيا، سبب القمة الطارئة التي دعت إليها المفوضية الأوروبية، الخميس، حيث قالت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين إن أوروبا «تواجه خطراً واضحاً وحاضراً»، مضيفة: «يجب أن نكون قادرين على الدفاع عن أنفسنا ووضع أوكرانيا في موقف قوة. إن برنامج (إعادة تسليح أوروبا) ReArmEurope من شأنه أن يعزز الإنفاق الدفاعي، ويعزز قاعدتنا الصناعية الدفاعية، ويدفع القطاع الخاص إلى الاستثمار».
واقترحت فون دير لاين خطة لمساعدة أعضاء الاتحاد الأوروبي على زيادة الإنفاق، تستهدف تخفيف قواعد الموازنة حتى تتمكن البلدان الراغبة من إنفاق المزيد على الدفاع. ويستند اقتراحها إلى قروض بقيمة 150 مليار يورو (162 مليار دولار) لشراء المعدات العسكرية ذات الأولوية.
وتقترح المفوضية الأوروبية خطة من شأنها تحرير نحو 800 مليار يورو (841 مليار دولار) من الإنفاق الدفاعي على مدى السنوات الأربع المقبلة. وهو ما يمثل زيادة في الاحتياجات الاستثمارية الأولية البالغة 500 مليار يورو التي قدرت المفوضية الأوروبية العام الماضي أنها ستكون مطلوبة خلال العقد المقبل.
وتشمل الخطوة الأولى من الخطة، تفعيل بند الهروب من ميثاق الاستقرار والنمو للاتحاد الأوروبي، الذي يحدّ من عجز الموازنة بين دول الاتحاد الأوروبي، للسماح بزيادة الإنفاق الدفاعي الوطني دون تفعيل إجراءات الديون المفرطة للاتحاد. فعلى سبيل المثال، إذا زادت الدول الأعضاء إنفاقها الدفاعي بنسبة 1.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط، فقد يؤدي هذا إلى خلق حيز مالي يقارب 650 مليار يورو على مدى أربع سنوات.
وخطوةً ثانية، يقترح الاتحاد الأوروبي قروضاً بقيمة 150 مليار يورو لتعزيز الإنفاق الدفاعي على المشتريات المشتركة في مجموعة واسعة من القدرات، مثل الدفاع الجوي أو الطائرات من دون طيار أو التنقل العسكري أو الدفاع السيبراني.
والخطوة الثالثة، اقتراح «إمكانات وحوافز إضافية» لدول الاتحاد الأوروبي إذا قررت استخدام برامج التماسك لزيادة الإنفاق الدفاعي.
وسيكون الخياران الرابع والخامس هما تعبئة رأس المال الخاص من خلال اتحاد الاتحاد الأوروبي للادخار والاستثمار وبنك الاستثمار الأوروبي، وفق بيان صادر عن رئيسة المفوضية الأوروبية.
وفي حين لا تزال هناك تساؤلات حول ما إذا كانت أوروبا ستقرن الأقوال بالأفعال، إلا أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه هذا الأسبوع بين شركاء الائتلاف المقبل المحتملين في ألمانيا لإزالة السقف المالي للإنفاق الدفاعي عزز الآمال في دفعة عسكرية أوسع نطاقاً يمكن أن تنعش أيضاً الصناعة والقاعدة التكنولوجية المتعثرة في المنطقة.
وقد وعد فريدريش ميرتس، المستشار القادم المحتمل لألمانيا، بالقيام «بكل ما يلزم» فيما يتعلق بالإنفاق الدفاعي، معلناً عن خطط لتحرير الإنفاق العسكري من قواعد الديون الصارمة، واقتراض 500 مليار يورو للبنية الأساسية.
وقال فيليبو تادي، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في «غولدمان ساكس»، «(هذا) سيدعم النمو، وعلى وجه الخصوص، سيدعم المصنّعين الأوروبيين في وقت يعانون فيه بشكل خاص»، بينما أكد فيليبو تاديي، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في «غولدمان ساكس»: «من المهم للغاية أن يتم توزيع هذا الإنفاق الإضافي بشكل متسق مع مرور الوقت».
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال إن الدول الأوروبية في حاجة إلى البدء في إنفاق أكثر من 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع في المستقبل. لكن السؤال الرئيسي بالنسبة لفرنسا، وهي دولة مثقلة بالديون وصل عجزها المرتفع إلى 6.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، بعد ارتفاع إجمالي عبء ديونها إلى 112 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، هو أين تجد المزيد من المال. إذ تحتوي الموازنة الفرنسية لعام 2025، التي أقرت الشهر الماضي بعد أشهر من عدم اليقين، على مزيج من 53 مليار يورو من تخفيضات الإنفاق وزيادات الضرائب.
كما أن خمس دول أخرى تستخدم عملة اليورو لديها مستويات ديون تزيد على 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي: بلجيكا، واليونان، وإسبانيا، وإيطاليا والبرتغال.
وستزيد بريطانيا إنفاقها الدفاعي إلى ما يعادل 2.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027.
وأعلنت بولندا أنها تستعد لحزمة دفاعية جديدة من شأنها أن تضيف 7.7 مليار دولار أخرى للقوات المسلحة البولندية. ومن المرجح أن يدفع هذا الإنفاق العسكري البولندي في عام 2026 إلى ما يزيد على 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى معدل في حلف شمال الأطلسي. وتعتزم كرواتيا زيادة موازنة الدفاع إلى 2.67 مليار يورو بحلول عام 2027.
أما سلوفينيا فستزيد إنفاقها الدفاعي إلى 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030 من 1.53 في المائة الحالية.
الإنفاق والنمو
تختلف التقديرات بشكل كبير حول مدى قدرة الإنفاق الدفاعي على زيادة النمو الأوسع في الاقتصاد. لكن الكثير من الاقتصاديين يعتقدون أن الفائدة الأولية محدودة، حيث يُنظر إلى كل يورو من التمويل الإضافي بشكل عام على أنه يوفر أقل من يورو واحد من الناتج الإضافي. في حين تقدر المفوضية أن الزيادة السنوية في الإنفاق الدفاعي إلى 3.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي من نحو 2 في المائة من شأنها أن ترفع الناتج الإجمالي بنسبة 0.9 في المائة إلى 1.5 في المائة سنوياً - وهي نسبة ليست ضئيلة في ضوء معدل النمو المحتمل الحالي في منطقة اليورو والمقدر بنحو 1 في المائة.
ولا يتوقع «سيتي بنك» أن يكون لهذه الزيادة تأثير ملموس على النمو قبل عام 2027. مع وجود ثلاث فقط من أكبر 15 دولة منتجة للأسلحة في العالم، تعتمد أوروبا بشكل كبير على الواردات الدفاعية؛ ما يعني أن الكثير من الفوائد ستتدفق من اقتصادها. فمنذ الحرب الروسية على أوكرانيا عام 2022، ذهب 78 في المائة من مشتريات الاتحاد الأوروبي إلى خارج التكتل، حيث ذهب 63 في المائة منها إلى الولايات المتحدة،
وإذ يرى معهد «كيل»، وهو مركز أبحاث اقتصادي في ألمانيا، أن زيادة الإنفاق الدفاعي قد تعزز بشكل كبير النمو الاقتصادي والقاعدة الصناعية في أوروبا إذا تم استهداف الإنفاق على الأسلحة عالية التقنية المصنعة إقليمياً، سلطت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني الضوء على أن زيادة الإنفاق الدفاعي من شأنها أن تضغط على الموازنات السيادية الأوروبية في وقت تعاني الكثير من الدول ارتفاع مستويات الديون والتداعيات الاقتصادية الناجمة عن الصدمات السابقة كالجائحة.
الأسواق
وقد تفاقمت عمليات بيع السندات العالمية مع اهتزاز الأسواق بسبب ألمانيا. وارتفع العائد على السندات الألمانية لمدة 10 سنوات بنسبة 0.09 نقطة مئوية إلى 2.87 في المائة في التعاملات الصباحية، الخميس، بعد أشد ارتفاع فيما يقرب من 30 عاماً، الأربعاء.
كما قفزت العائدات على الديون الفرنسية والإيطالية. وبلغت تكاليف الاقتراض اليابانية لمدة 10 سنوات أعلى مستوى لها في 16 عاماً، حيث هزَّ حجم عمليات البيع في السندات الألمانية وحجم التوسع المالي المحتمل أسواق الديون السيادية المعتادة على ضبط الإنفاق في ألمانيا.
ولم تقتصر التداعيات على أسواق السندات، بل انعكست أيضاً على أداء الأسهم الأوروبية. حيث ارتفع مؤشر «داكس» للأسهم القيادية في ألمانيا بنسبة 0.7 في المائة بعد أن سجل مستوى قياسياً جديداً لفترة وجيزة، محققاً أفضل أداء يومي له منذ ثلاث سنوات، الأربعاء. كما قفز سهم «دويتشه بنك» بنسبة 3.1 في المائة، متجهاً نحو تحقيق أكبر مكسب يومي له منذ عام 2011.
aawsat.com