الاتحاد الأوروبي: مستعدون لاستئناف مفاوضات التجارة الحرة مع الخليج

قال مسؤول أوروبي رفيع إن دول «الاتحاد الأوروبي» مستعدة لاستئناف مفاوضات التجارة الحرة مع دول «مجلس التعاون الخليجي»، مبيناً أن «أوروبا» صُدمت - كما باقي العالم - بإعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، فرض رسوم جمركية بنسبة 20 في المائة على الصادرات الأوروبية.
وأكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في «البرلمان الأوروبي»، ديفيد ماكليستر، في حوار مع «الشرق الأوسط» أن الشراكة مع المملكة العربية السعودية أقوى من أي وقت مضى، لافتاً إلى أن «البرلمان الأوروبي» يسعى إلى تطوير العلاقات إلى «اتفاقية شراكة استراتيجية» في مختلف المجالات.
وفي رده على سؤال بشأن موعد إعفاء السعوديين من تأشيرة «شنغن»، عبّر المسؤول الأوروبي عن تفهمه أهمية هذا الأمر بالنسبة إلى مواطني السعودية، لافتاً إلى أن «هذا الأمر معقد، وينتظر اعتماد الاستراتيجية الأوروبية الجديدة، وموافقة كل الدول الأعضاء».
شراكة قوية
وأوضح رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي أن السعودية شريك ثنائي وإقليمي أساسي لـ«الاتحاد الأوروبي» بمنطقة الخليج وخارجها. وقال: «شراكتنا أقوى من أي وقت مضى، ونثمن الدور المتنامي للسعودية بوصفها محوراً دبلوماسياً إقليمياً وعالمياً، ونرى إمكانات غير مستغلة في التعاون الثنائي بيننا».
وأضاف: «البرلمان الأوروبي يؤيد تطوير علاقاتنا عبر اتفاقية شراكة استراتيجية، ستوفر إطاراً سياسياً وقانونياً ملزماً لتعزيز التعاون بين (الاتحاد الأوروبي) والسعودية في مجالات عدة، وليس فقط في المجال الاقتصادي، وقد وافقت (المفوضية الأوروبية) في 1 أبريل (نيسان) الحالي على بدء التفاوض، والآن ننتظر موافقة (المجلس) لبدء المفاوضات رسمياً».
دبلوماسية سعودية متوازنة
وأشاد ماكليستر بالدور الدبلوماسي السعودي المتنامي في المنطقة والعالم، واصفاً الرياض بأنها «لاعب أساسي في المنطقة»، مشيراً إلى أنه «فيما يتعلق بغزة، أود أن أُشيد بالقيادة المشتركة للتحالف الدولي لتطبيق حل الدولتين، ودعمها خطة التعافي وإعادة الإعمار العربية، كما رأينا انخراطاً سعودياً بنّاءً في دعم وإعادة إعمار سوريا بعد الأسد، وأيضاً في لبنان... كانت السعودية من سهلت المحادثات بين سوريا ولبنان بشأن تسوية (ملف) الحدود».
وتابع: «كذلك لعبت السعودية دوراً ناجحاً في وقف إطلاق النار باليمن. وأخيراً، تستضيف الآن مفاوضات معقدة، من بينها المفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا. نحن نُقدّر هذا الدور في استضافة تلك المفاوضات، ولكن أود أن أُشير إلى أنه عندما يتعلق الأمر بالتفاوض على وقف إطلاق النار لإنهاء الحرب، فإنه يجب أن تكون أوكرانيا حاضرة على طاولة المفاوضات؛ لأن مصيرها ومستقبلها هما محل النقاش، ويتعين إشراك (الاتحاد الأوروبي)؛ لأن الأمر لا يتعلق بمستقبل أوروبا فقط، بل بالأمن والسلام الأوروبيين عموماً. لذلك؛ نُشيد بالدبلوماسية السعودية المتوازنة».
«رؤية السعودية 2030» من منظور أوروبي
في رده على سؤال بشأن نظرة «الاتحاد الأوروبي» إلى «رؤية السعودية 2030» والفرص الواعدة لـ«بروكسل» للمشاركة فيها، أوضح ماكليستر أن «(الاتحاد الأوروبي) يُقدّر الأهداف الاقتصادية الطموحة التي حددتها (رؤية 2030)، والتي تهدف إلى تحديث البلاد وتنويع مصادر الاقتصاد وتقليل الاعتماد على عائدات النفط والغاز».
وقال: «نرى مجالات واعدة للتعاون الأوثق يمكن أن تُفضي إلى (اتفاقية شراكة استراتيجية)، وإنشاء منصة للتعاون رفيع المستوى بين الجانبين، في مجالات مثل التجارة، والابتكار، والطاقة، والأمن... وغيرها، ونحن نُرحب بالدفع نحو التحديث والتغيرات الاجتماعية في إطار هذه (الرؤية)، ونتفهم التحديات المرتبطة بها. (الاتحاد الأوروبي) مستعد لدعم السعودية في مشروعاتها الاقتصادية والبيئية، مثل الطاقة النظيفة».
تأشيرات «شنغن»
وأكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي أن «الاتحاد» يواصل العمل على تخفيف عبء التأشيرات لمواطني دول «مجلس التعاون» عبر تعديل قواعد التأشيرات. وقال: «حالياً، يجري إصدار تأشيرة دخول متعددة لمدة خمس سنوات لجميع مواطني الخليج، باستثناء الإماراتيين الذين لديهم إعفاء كامل. هذه القواعد الجديدة تُعدّ من أكثر التسهيلات سخاءً. ومع ذلك، نتفهم أهمية هذا الموضوع للسعودية».
وأضاف: «في 2022، اقترحت (المفوضية) الإعفاء من التأشيرات للكويت وقطر، لكن الملف جُمّد في ديسمبر (كانون الأول) 2022. الآن ننتظر من (المفوضية الأوروبية) تقديم استراتيجية شاملة لسياسة التأشيرات تتضمن رؤيتها المستقبلية بشأن الإعفاءات، وبعدها يمكن التقدم من جديد».
ولفت ماكليستر إلى عدم إمكانية تحديد مدة معينة لإنجاز هذا الملف، وأن «الأمر معقد، ويعتمد على الاستراتيجية الأوروبية الجديدة، وموافقة كل الدول الأعضاء، لكنني أفهم أهمية هذا الموضوع للسعوديين، وسأنقل الرسالة إلى (بروكسل)، لكن لا يمكننا أن نعدكم بحل سريع».
استئناف مفاوضات التجارة الحرة
في ظل تطورات الحرب التجارية التي أشعلتها الرسوم الجمركية الأميركية على معظم دول العالم، قال المسؤول الأوروبي إن «الاتحاد» مستعد لاستئناف مفاوضات التجارة الحرة مع الخليج، وأضاف: «(الاتحاد الأوروبي) ملتزم بتعزيز العلاقات الثنائية بالخليج، وقد وضعنا في أول قمة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، برنامج عمل مشتركاً يشمل الأمن، والمناخ، والاتصال، والتجارة».
وتابع: «نحن مستعدون لاستئناف المفاوضات التجارية مع (الخليج) من أجل تسوية الأهداف التي التزمنا بها في أكتوبر الماضي، وندعم توقيع اتفاقية تجارة حرة طموح تسهم في تحقيق (رؤية 2030)، وقد بدأنا مؤخراً مفاوضات مع الإمارات لاتفاق تجارة حرة ثنائي، ونعتقد أنه يمكن المضي بالتوازي في مفاوضات ثنائية وجماعية. نؤمن أن اتفاقية التجارة الحرة ستكون مفيدة للطرفين. أعطيك مثالاً آخر: الاتفاقات الموقعة مع كوريا أيضاً».
وأشار ماكليستر إلى أن «(الاتحاد الأوروبي) ملتزم بجدول أعمال تجاري طموح، ونحن بحاجة إلى خطط واضحة، وأمن اقتصادي، وقواعد تحكم التجارة، ونحتاج إلى تنويع سلاسل الإمداد، وتنويع مصادر الطاقة الخاصة بنا، ولهذا السبب لدينا جدول أعمال طموح يشمل اتفاقيات مع دول الميركوسور (تجمّع لدول من أميركا اللاتينية) والمكسيك. أيضاً في السنوات المقبلة نخطط لاتفاقات تجارة حرة مع الهند، وإندونيسيا، وأستراليا... وغيرها».
وقال: «نؤمن بأن اتفاقية تجارة حرة مع (الخليج) ستكون مفيدة جداً، وكنا نناقش هذا الأمر لمدة طويلة، وسنرى إلى أين نذهب. العالم أصبح أكثر تعقيداً وغير متوقع».
الرسوم الجمركية الأميركية
كما باقي العالم، يقول رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي إن «بروكسل» صُدمت بإعلان الرئيس ترمب فرض رسوم بنسبة 20 في المائة على صادرات «الاتحاد الأوروبي» إلى الولايات المتحدة.
وعدّ ماكليستر الإجراءات الأميركية «غير مبررة»، وفنّد ذلك بقوله: «صحيح أنه خفضها إلى 10 في المائة، لكن حتى هذه نسبة غير مبررة أيضاً. هذه الرسوم تُشكل عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد الأوروبي، خصوصاً مع استمرار رسوم الـ25 في المائة على الصلب والألمنيوم والسيارات».
وتابع: «كنا مستعدين للرد، لكن قررنا التمهل. لدينا أقل من 90 يوماً الآن للتفاوض. المفوض التجاري لـ(الاتحاد الأوروبي) موجود في واشنطن. ننتظر من واشنطن تفسيراً واضحاً: هل مشكلتهم هي الفائض التجاري، أم حواجز غير جمركية؟ نريد حواراً جاداً».
ومع ذلك، أكد المسؤول الأوروبي أن «بروكسل» مستعدة «لاتخاذ إجراءات مضادة إذا لم نتوصل إلى اتفاق». قائلاً: «لم نبدأ هذا النزاع، ولا نريده. عرضُنا للولايات المتحدة هو إلغاء الرسوم على السلع الصناعية؛ بما فيها السيارات، من الطرفين. نريد علاقة تجارية عادلة ومزدهرة عبر (المحيط) الأطلسي. الشراكة مع الولايات المتحدة هي الأهم بالنسبة إلينا. هم أكبر شريك تجاري وضامن لأمننا وحريتنا. نريد علاقة بناءة، وعلينا الآن إصلاح ما أفسدته هذه القرارات».
aawsat.com