خبر ⁄اقتصادي

الهدنة الأميركية الصينية تعزز الأسواق وسط مخاوف من مفاوضات طويلة

الهدنة الأميركية  الصينية تعزز الأسواق وسط مخاوف من مفاوضات طويلة

أدّى التقدم المُحرَز في محادثات التجارة بين الولايات المتحدة والصين إلى ارتفاع في أسواق الأسهم العالمية وقوة في أداء الدولار، إلا أن المستثمرين لا يزالون يخشون من أن تكون المفاوضات المقبلة شاقة وطويلة، مما يُضعف موجة التفاؤل، في ظل استمرار المخاطر التي تهدد النمو الاقتصادي العالمي.

فبعد يومين من المناقشات مع مسؤولين صينيين في جنيف، أعلن وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، يوم الاثنين، أن الجانبين اتفقا على تعليق مؤقت للإجراءات التجارية لمدة 90 يوماً، مع خفض الرسوم الجمركية بأكثر من 100 نقطة مئوية. ووفق الاتفاق، ستُبقي الولايات المتحدة على رسوم بنسبة 30 في المائة على الواردات الصينية خلال الفترة من 14 مايو (أيار) إلى 12 أغسطس (آب)، فيما ستفرض الصين رسوماً بنسبة 10 في المائة على السلع الأميركية، وهو ما جاء أفضل من التوقعات المتفائلة للمستثمرين قبيل المحادثات، وفق «رويترز».

وسجل الدولار أكبر ارتفاع له منذ نحو شهر مقابل سلة من العملات الرئيسية، في حين تراجعت العملات الآمنة مثل الين الياباني والفرنك السويسري، إلى جانب تراجع أسعار الذهب والسندات الحكومية.

وارتفعت العقود الآجلة لمؤشر «ستاندرد أند بورز 500» بنسبة تقارب 3 في المائة، مشيرةً إلى انطلاقة قوية للأسواق الأميركية، في حين تراجعت أسعار سندات الخزانة الأميركية، مما دفع بالعائدات إلى أعلى مستوياتها في شهر، متجاوزةً 4.4 في المائة.

ومع ذلك، فإن ارتياح الأسواق لاحتمال تفادي الأسوأ في الحرب التجارية العالمية خفّ إلى حد ما، بسبب إدراك الحاجة إلى اتفاق دائم، واستمرار الأثر المحتمل للرسوم الجمركية المرتفعة على الاقتصاد العالمي. وقال تشارلز وانغ، رئيس مجلس إدارة شركة «شنتشن دراغون باسيفيك» لإدارة رأس المال: «هذه خطوة إيجابية على المدى الطويل، وتوفر 90 يوماً من تقليل حالة عدم اليقين».

وقدّر مايكل ميتكالف، رئيس قسم الاستراتيجية الكلية لدى «ستيت ستريت غلوبال ماركتس» في لندن، أن الاتفاق الأميركي الصيني يعني ضمناً معدل تعريفة فعلياً يبلغ نحو 15 في المائة. وأضاف: «بالمقارنة مع التوقعات السابقة، يُعد هذا تطوراً إيجابياً للغاية». وتابع: «في الواقع، إذا عكسنا الإجراءات الجمركية الأخيرة، فإننا سنعود إلى نقطة البداية».

كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قد فرض، منذ توليه منصبه في يناير (كانون الثاني)، رسوماً جمركية بلغت 145 في المائة على السلع الصينية، وردّت بكين برفع الرسوم على السلع الأميركية إلى 125 في المائة، مع فرض قيود على صادرات المعادن الأرضية النادرة الاستراتيجية.

وقد أدت هذه الإجراءات إلى شلل نحو 600 مليار دولار من التجارة الثنائية، مما أربك سلاسل التوريد العالمية، وأثار مخاوف من انهيار اقتصادي وشيك. كما تسبب إعلان ترمب في 2 أبريل (نيسان)، بمناسبة «يوم التحرير»، فرض رسوم شاملة على الصين ودول أخرى، في انخفاض حاد في الأصول الأميركية، بما في ذلك الدولار وسندات الخزانة -وهما ركيزتان أساسيتان في النظام المالي العالمي- قبل أن يتم تعليق القرار مؤقتاً.

وتسبب تصاعد حالة عدم اليقين الناتجة عن السياسات التجارية الأميركية في تآكل ثقة الشركات والمستهلكين. فبينما ارتفع مؤشر الدولار بأكثر من 1 في المائة يوم الاثنين، إلا أنه لا يزال منخفضاً بنحو 7 في المائة منذ بداية العام.

بوادر لتخفيف التوتر

ما يطمئن الأسواق هو احتمال أن يُعيد ترمب النظر في استراتيجيته التجارية، في ضوء الأضرار الاقتصادية المتزايدة، وتراجع المؤشرات الاقتصادية، وتحذيرات محافظي البنوك المركزية من مخاطر تباطؤ النمو وارتفاع التضخم.

وساهم الاتفاق الأخير مع بريطانيا، إلى جانب التصريحات الإيجابية من دول مثل اليابان وفيتنام وكوريا الجنوبية، في استعادة بعض الثقة، وتهدئة التوترات الجيوسياسية.

وقد عادت الأسهم الأميركية إلى المستويات التي كانت عليها قبل 2 أبريل، فيما فقدت الأسهم الأوروبية والصينية -التي استفادت من عمليات «بيع الأصول الأميركية»- جزءاً كبيراً من مكاسبها. وقال تشيوي تشانغ، كبير الاقتصاديين في شركة «بينبوينت» لإدارة الأصول في هونغ كونغ: «ما حدث هو مجرد تخفيض مؤقت للرسوم لمدة ثلاثة أشهر. إنها مجرد بداية لمسار طويل». وأضاف: «من المرجح أن يستغرق الجانبان أشهراً للتوصل إلى حل أو اتفاق تجاري شامل، لكن ما تحقق يمثل نقطة انطلاق جيدة للغاية».

وأشارت جين فولي، رئيسة استراتيجية العملات الأجنبية في «رابوبانك»، إلى ازدياد التفاؤل بأن الرسوم الجمركية لن تُحدث التأثير المدمر الذي كان يُخشى سابقاً، لكنها حذّرت من العودة إلى الوضع السابق لعهد ترمب.

وأضافت: «الوضع ليس بالسوء الذي كان متوقعاً، لكن لا يزال هناك كثير من عدم اليقين بشأن مصير هذه الرسوم الجمركية، وتأثيرها المحتمل على النمو العالمي والسياسات النقدية للبنوك المركزية».

وختم ميتكالف قائلاً إن تراجع حالة عدم اليقين بشأن التجارة قد يُحوّل التركيز إلى قضايا أخرى، مثل خطط ترمب لخفض الضرائب وتداعياتها على مستويات الدين العام، لا سيما مع انخفاض الإيرادات الجمركية. وأضاف: «الاتفاق التجاري مع الصين لا يعني نهاية حالة عدم اليقين السياسي، بل انتقالها إلى ساحة جديدة».

aawsat.com