خبر ⁄اقتصادي

رقائق الذكاء الاصطناعي محط سباق عالمي... فأين يقف الشرق الأوسط

رقائق الذكاء الاصطناعي محط سباق عالمي... فأين يقف الشرق الأوسط

في السنوات الأخيرة، أصبحت رقائق الذكاء الاصطناعي محط أنظار الحكومات، وشركات التكنولوجيا حول العالم. هذه القطع الصغيرة لم تعد مجرد أدوات لمعالجة البيانات، بل تحوّلت إلى عنصر أساسي يغيّر موازين القوة التكنولوجية، والجيوسياسية.

من الولايات المتحدة إلى الصين، ومن أوروبا إلى الشرق الأوسط، يتسابق الجميع لتأمين هذه الرقائق التي تُشغّل كل شيء، بداية من أصغر تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ووصولاً إلى أنظمة الدفاع المتقدمة.

في هذا السباق العالمي المعقد، ظهرت السعودية والإمارات لاعبين إقليميين تحركا سريعاً لضمان موطئ قدم في مستقبل الذكاء الاصطناعي. وقد تقاطعت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى السعودية والإمارات وقطر مع إعلان سماح واشنطن لبلدان في الشرق الأوسط بشراء رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة، في امتداد لخطط استراتيجية تهدف إلى توسيع قدراتها في المجال.

وفي هذا الإطار، أعلنت شركة «إنفيديا» تسليم 18 ألف رقاقة ذكاء اصطناعي حديثة إلى شركة «هيوماين» التي أطلقتها السعودية أخيراً. كما تم التوصل إلى اتفاق مبدئي بين الإمارات و«إنفيديا» يسمح للأولى باستيراد 500 ألف وحدة سنوياً من الرقائق الأكثر تقدماً من إنتاج الشركة اعتباراً من العام الجاري.

أهمية الرقائق

لكن كيف تعمل هذه الرقائق؟ ولماذا تُعدّ محورية في هذا المشهد العالمي؟ والأهم: ماذا يعني امتلاكها بالنسبة لدول الشرق الأوسط؟

يجيب عن هذه الأسئلة الباحث في الذكاء الاصطناعي الدكتور صخر الخريّف، الذي يرى أن هذه الرقائق أصبحت جزءاً من المعادلة الاستراتيجية لأي دولة تطمح للمنافسة عالمياً في المجال التقني.

ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن امتلاك رقائق متقدمة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي يمنح الدول ميزة استراتيجية في تطوير وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي بكفاءة وسرعة أكبر.

واعتبر أن هذا النوع من الاستثمار في البنية التحتية لم يعد خياراً تقنياً فحسب، بل بات يمثل عنصراً جوهرياً في التنافسية الوطنية، حيث يتيح تسريع الابتكار، وجذب الاستثمارات الأجنبية، ودعم اقتصاد قائم على المعرفة، والسيادة الرقمية.

استقلال رقمي

ويضيف الخريّف أن نقل رقائق الذكاء الاصطناعي إلى الشرق الأوسط يشمل توطين نماذج لغوية ضخمة (LLMs)، وتأهيل كوادر بشرية محلية، وتطوير منظومة متكاملة من البنية التحتية، والنتيجة المتوقعة هي استقلال رقمي حقيقي، وتنمية مستدامة تقودها المعرفة. واعتبر أن امتلاك تقنيات الذكاء الاصطناعي في منطقة الخليج لم يعد ترفاً، بل ضرورة لمستقبل تنافسي، ومستقل. وكانت السعودية بدأت بالفعل في عام 2021 تصنيع أول رقائق ذكية بأيدٍ وعقول محلية، وستستخدمها في تطبيقات عسكرية، وتجارية، ومدنية، وفق ما قاله حينها وزير الاتصالات وتقنية المعلومات عبد الله بن السواحة.

الرئيسان التنفيذيان لـ«إنفيديا» و«هيوماين» خلال منتدى الاستثمار السعودي الأميركي في الرياض (رويترز)

نقل التقنية

وتشهد واشنطن تغييرات جذرية في سياسة تصديرها للرقائق، حيث قامت إدارة ترمب بإعادة هيكلة ضوابط تصدير أشباه الموصلات، في تحوّل حاد عن سياسة سلفه جو بايدن.

وبموجب هذه الخطوة التي أعلنتها وزارة التجارة الأميركية في 13 مايو (أيار)، أُلغيت قاعدة «نشر الذكاء الاصطناعي» التي أطلقها بايدن، والتي أنشأت ثلاثة مستويات من الوصول للدول التي تسعى للحصول على رقائق الذكاء الاصطناعي.

كما أصدرت الوزارة توجيهات تفيد بأن استخدام رقائق «أسيند» من شركة «هواوي» في أي مكان بالعالم يُعد انتهاكاً لضوابط التصدير الأميركية، وحذّرت كذلك من استخدام الرقائق الأميركية في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الصينية.

قيود التصدير

في هذا الإطار، يسلّط الدكتور الخريّف الضوء على البُعد السياسي للسباق على الرقائق، مؤكداً أن «قيود تصدير وحدات معالجة الرسومات (GPUs) التي فرضتها الولايات المتحدة على الصين تُعد أداة استراتيجية تهدف إلى إبطاء تقدمها في هذا المجال».

وأوضح أن هذه القيود خلقت فجوة في الموارد الحاسوبية اللازمة لتدريب النماذج الضخمة، وهو ما دفع شركات صينية مثل «هواوي» و«إنفليم» إلى تطوير رقائق محلية.

لكن، رغم التقدم الذي أحرزته هذه الشركات «لا تزال البدائل الصينية تواجه تحديات في الوصول إلى مستويات الأداء التي توفرها الرقائق الأميركية المتقدمة مثل NVIDIA A100، وH100»، كما يقول الخريّف.

هاتف ذكي يظهر عليه شعار شركة «إنفيديا» على لوحة جهاز كمبيوتر (رويترز)

ختاماً، إن التحرك المبكر من قبل دول منطقة الشرق الأوسط -مثل السعودية والإمارات- نحو الاستثمار في هذه البنية التحتية المتقدمة يعكس إدراكاً عميقاً لطبيعة التحولات الجارية في العالم. فامتلاك رقائق الذكاء الاصطناعي، إلى جانب تطوير كوادر بشرية متخصصة وتوطين النماذج والتقنيات، لا يعني فقط مواكبة التقدم، بل المشاركة الفعلية في صناعته، وقيادته.

aawsat.com