خبر ⁄اقتصادي

صندوق النقد يتوقع تسارع النمو في الخليج 1 سنويا خلال 2025 و2026

صندوق النقد يتوقع تسارع النمو في الخليج 1  سنويا خلال 2025 و2026

في ظل مشهد اقتصادي عالمي وإقليمي يكتنفه عدم اليقين، توقع صندوق النقد الدولي أن تشهد دول الخليج العربي تسارعاً في النمو بنسبة 1 في المائة سنوياً خلال العامين الحالي والمقبل، مدفوعاً بجهودها الحثيثة في تنويع اقتصاداتها وتقليص الاعتماد على النفط.

جاء ذلك خلال جلسة نقاش في الرياض، حيث ألقى الدكتور جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق، الضوء على الآفاق الاقتصادية للمنطقة، محذراً في الوقت ذاته من تحديات جمة تواجه الدول غير النفطية.

وأشار أزعور إلى أنه على الرغم من الضبابية السائدة، يتوقع أن تتعافى الاقتصادات بشكل عام في معظم دول المنطقة هذا العام. وأضاف أن «التحسن سيكون أقوى في الدول المصدّرة للنفط، وتحديداً دول الخليج، حيث نتوقع أن يزداد النمو بمعدل 1 في المائة هذا العام ومثله في 2026»، مؤكداً أن هذا التعافي سيكون بفضل مساهمة القطاع غير النفطي.

وأوضح أن دول الخليج استفادت بشكل كبير من تنويع اقتصاداتها، ما ساعدها في الحفاظ على معدلات نمو مستدامة تتراوح بين 3 في المائة و5 في المائة على مدى السنوات الثلاث إلى الأربع الماضية. وقال: «الإصلاحات والتسارع في خطط التحول ساهمت في تحقيق هذا النمو، رغم اتفاقيات (أوبك بلس) لخفض الصادرات النفطية، مما جعل تأثيرات الاضطرابات الإقليمية أقل وضوحاً على هذه الدول».

تأتي هذه التوقعات الإيجابية لدول الخليج رغم تخفيض صندوق النقد الدولي لتوقعات نمو الاقتصادات النفطية بالمنطقة مطلع الشهر الحالي إلى 2.3 في المائة لعام 2025، أي أقل بـ1.7 نقطة مئوية عن تقديراته السابقة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وذلك بسبب تصاعد التوترات التجارية عالمياً وتراجع أسعار الطاقة.

وقلل أزعور من التأثير المتوقع للرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مشيراً إلى أن التأثير سيكون محدوداً في معظم الدول، حيث ستبلغ الرسوم الجمركية نحو 10 في المائة فقط، والتجارة مع الولايات المتحدة محدودة، مع استثناء النفط والغاز من الرسوم، مما يقلص الأثر المباشر.

تحديات الدول غير النفطية

على النقيض، أكد أزعور أن الدول غير النفطية في المنطقة لا تزال تتأثر بشكل كبير بالتطورات الجيوسياسية وارتفاع أسعار الفائدة. وأشار إلى أن المنطقة شهدت خلال الأشهر الـ18 الماضية صدمات متتالية أثرت بشكل مباشر على دول مثل لبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة، مما أدى إلى خسائر كبيرة في الناتج المحلي تجاوزت 50 في المائة إلى 60 في المائة.

ولم تقتصر هذه الآثار على مناطق الصراع، بل امتدت لتطال دول الجوار مثل الأردن ومصر. فمصر، على سبيل المثال، فقدت نحو 7 مليارات دولار من إيرادات قناة السويس في أقل من عام، بينما تراجعت الإيرادات السياحية وفرص العمل في الأردن نتيجة تزايد الضبابية.

وأوضح أزعور أن بعض الدول كانت أقل تأثراً بهذه التطورات، لكن المصدرين الأساسيين للضبابية في المنطقة لا يزالان يتمثلان في التطورات العالمية والتطورات الإقليمية.

كما لفت إلى أن بعض الدول العربية، مثل لبنان والأردن والمغرب، معرّضة بشكل كبير لعوامل خارجية مثل تحويلات المغتربين والسياحة والاستثمار، مما يجعلها عرضة للتأثر بشكل غير مباشر. وأشار إلى أن التقلبات في الأسواق المالية العالمية أثرت على المنطقة، مع ارتفاع في مستويات المخاطر مقارنةً بالأسواق الناشئة الأخرى، واتساع فوارق العوائد.

ورأى أزعور أن الدول غير النفطية ستسجل تحسناً مقارنةً بالعام الماضي، لكن هذا النمو سيكون أقل من التوقعات التي كانت قبل ستة أشهر، مما يشير إلى تأثير الضبابية على آفاق التعافي في 2025 و2026.

وأشار إلى أن الدول المستوردة للنفط التي تواجه مستويات مرتفعة من الدين يجب أن تراقب أسعار الفائدة، رغم تحسن أوضاعها المالية مؤخراً، مبيناً أن «الفائدة الفعلية تضاعفت مقارنة بما كانت عليه قبل 10 سنوات، ما يفرض عبئاً إضافياً على هذه الدول، خصوصاً ذات الاحتياجات التمويلية المرتفعة، في ظل مخاطر وتوترات الأسواق».

وأكد أزعور أن عام 2025 يمثل نقطة انطلاق لنقاشات مهمة في ظل المخاطر المتزايدة، التي تشمل التوترات التجارية وعدم اليقين السياسي، بالإضافة إلى المخاطر الإقليمية المتمثلة في تصاعد الصراعات التي قد تضر بالثقة وتؤثر سلباً على الاقتصادات. وأكد أن نجاح المرحلة المقبلة مرهون بقدرة المنطقة على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي أثبتت فعاليتها، محذراً من أن أي تباطؤ في زخم الإصلاحات سيؤثر سلباً على الآفاق الاقتصادية.

وأكد أزعور أن المنطقة في مرحلة «التحول» التي تتطلب سياسات هيكلية قوية، وإدارة حكيمة للسياسات المالية والنقدية، وتعزيز المؤسسات، وبناء الاحتياطيات لتعزيز الصمود في وجه الصدمات.

نموذج السعودية

من جانبه، قال نائب وزير المالية السعودي، عبد المحسن الخلف، إن ظروف عدم اليقين تُبرز أهمية قيام دول المنطقة بإجراء إصلاحات هيكلية لتعزيز المرونة الاقتصادية ودعم الانتعاش الاقتصادي، موضحاً أن المملكة اعتمدت العديد من الإصلاحات الهيكلية وطوّرت إطاراً مالياً قوياً يُساعد في مواجهة الصدمات الخارجية دون المساس بخطط التنمية أو الاستدامة المالية.

نائب وزير المالية السعودي عبد المحسن الخلف يتحدث في جلسة النقاش (تصوير: تركي العقيلي)

وأشار إلى أن المملكة تنتهج استراتيجية طويلة الأجل لتحويل الاقتصاد. وقد عززت هذه الإصلاحات مرونة الاقتصاد السعودي ووفرت مجموعة واسعة من خيارات السياسات للتعامل مع الصدمات المحتملة.

وأضاف أن تشديد الأوضاع المالية العالمية، وتزايد التشرذم الاقتصادي، واستمرار تقلب أسعار السلع الأساسية، قد أدى إلى احتلال السياسة المالية مركز الصدارة في تشكيل الاستجابة الاقتصادية العالمية والإقليمية.

وأشار إلى أن هذه الظروف تتطلب من الحكومات اتباع نهج يتسم بالحكمة المالية، والاستجابة السريعة، والإصلاحات الهيكلية، والاستثمار في القطاعات الاستراتيجية، ودعم القطاع الخاص.

القطاع المصرفي ورياح عدم اليقين

وفي سياق متصل، تحدث الرئيس التنفيذي لـ«دويتشيه بنك» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، جمال الكيشي، عن تأثر القطاع المصرفي العالمي بحالة عدم اليقين السائدة. وأوضح أن هذه الحالة تزيد من المخاطر المتعلقة بالقروض، وتخفض من مستوى الاستثمار، وترفع من تكلفة التمويل. كما أشار إلى أن تخوف البنوك المركزية الكبرى من ارتفاع معدلات التضخم يدفعها للإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة، وهو ما يؤثر بدوره على القطاع المصرفي ويزيد من الضغوط عليه.

الاستثمار الجريء

وفي إشارة إلى الفرص الواعدة، أكد الرئيس التنفيذي في شركة «صندوق الصناديق (جدا)»، بندر الحمالي، أهمية الاستثمار في القطاعات الأكثر نمواً. وأفاد بأن السعودية قد حققت المرتبة الأولى بين دول المنطقة في تمويل رأس المال الجريء، مما يعكس البيئة الداعمة للابتكار وريادة الأعمال في المملكة.

وبلغت قيمة الاستثمارات في هذا القطاع 2.8 مليار ريال سعودي (750 مليون دولار) في عام 2024، مما يجعل السعودية الوجهة الأولى للاستثمار الجريء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهو ما يؤكد جاذبية السوق السعودية للمستثمرين في قطاع التكنولوجيا والشركات الناشئة، ويعزز مكانة المملكة مركزاً إقليمياً للابتكار والنمو الاقتصادي المستقبلي.

aawsat.com