هل يصبح ارتفاع ضغط الدم ظاهرة منتشرة لدى الأطفال

على الرغم من أن ارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال pediatric hypertension لا يُعد من الأمراض الشائعة في مرحلة الطفولة، فإنه في ازدياد مستمر.
وخلال الثلاثين عاماً الماضية تضاعف عدد الأطفال المصابين بذلك في الولايات المتحدة أربع مرات. وحالياً هناك نسبة من الأطفال الأميركيين تبلغ 4.5 في المائة يعانون من ارتفاع ضغط الدم. وحسب الإحصاءات الأخيرة لجمعية القلب الأميركية AHA هناك نسبة تبلغ 15 في المائة من المراهقين يعانون من ارتفاع ضغط الدم.
إيقاف عوامل الخطر
حسب التوصيات الحديثة يمكن الحفاظ على ضغط الدم في معدلاته الصحية في مرحلة الطفولة من خلال الوقاية الأولية بمعنى إيقاف عوامل الخطر قبل ظهورها سواء العوامل الوراثية، مثل إصابة أحد الوالدين بالمرض، أو العوامل البيئية المتعلقة بطبيعة الطعام والمقبلات المستخدمة، أو ما يتعلق بالضغوط العصبية، والعادات الضارة مثل التدخين.
نظراً لخطورة الأمر هناك اهتمام عالمي بالمشكلة وتعاون بين الجهات الصحية في العالم كله. وهناك شبكة كاملة لعمل أبحاث تتعلق بضغط الدم في الأطفال والمراهقين (HyperChildNET) تُعد الأولى من نوعها في أوروبا لدراسة كل ما يتعلق بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال، سواء الأسباب أو طرق التشخيص أو أنواع العلاج.
وقام علماء الشبكة بوضع استراتيجية تهدف إلى السيطرة على ارتفاع الضغط لدى الأطفال من خلال خطوات معينة، أولها التأكد من دقة التشخيص عن طريق زيادة كفاءة أجهزة قياس الضغط المصنعة خصيصاً للأطفال سواء الأجهزة الزئبقية العادية أو الإلكترونية لتقليل نسبة الخطأ بين طريقة قياس وأخرى، وحتى يمكن متابعة الضغط في فترات مختلفة من اليوم. ثم قاموا ببناء أكبر قاعدة بيانات في أوروبا بمعلومات جُمعت من 39 ألف طفل في ثماني دول ما ساعدهم على فهم كيفية اختلاف ضغط الدم في الفئات السكانية المختلفة.
وأظهرت النتائج أن القراءات التي يتم أخذها أثناء زيارات الطبيب غالباً ما تختلف عن نتائج المراقبة على مدار 24 ساعة ما يدل على أن كلا النوعين من القياس يوفر معلومات قيّمة ولكنها مختلفة. وعلى سبيل المثال بعض الأطفال تكون قراءات الضغط الخاصة بهم طبيعية في عيادة الطبيب ولكن لديهم ارتفاع في ضغط الدم طوال اليوم وهو ما يسمى (ارتفاع ضغط الدم المقنَّع masked hypertension) بينما هناك أطفال آخرون تكون قراءة ضغطهم طبيعية في المنزل ولكن ترتفع بشكل كبير أثناء زيارة الطبيب نتيجة للتوتر والخوف، وهو ما يسمى ارتفاع ضغط الدم نتيجة للمعطف الأبيض white coat hypertension (كناية عن الخوف من الأطباء)
شبكة لدراسة ضغط الأطفال
قامت الشبكة بتطوير برامج إلكترونية مجانية عبر الإنترنت لتجعل طريقة القياس أكثر دقة بحيث يكون هناك رابط بيانات بين الأجهزة المختلفة التي ترصد ضغط الدم من خلال ربط الجهاز المستخدم لقياس ضغط الدم في عيادة الأطفال، والجهاز الذي يلازم الطفل أثناء التجول على مدار اليوم، وأخيراً الجهاز المستخدم للقياس في المنزل.
وتأخذ هذه البرامج في الاعتبار العوامل التي يمكن أن تلعب دوراً في ارتفاع وانخفاض مستويات الضغط، مثل عمر الطفل وجنسه وطوله عند تقييم الضغط للوصول إلى قياس حقيقي.
أوضح العلماء أن هذه التقنيات غيّرت بالفعل من الطريقة التي يعمل بها مقدمو الرعاية الصحية، حيث يستخدمها أكثر من 10 آلاف متخصص في الرعاية الصحية من الأطباء والممرضين في جميع أنحاء العالم لتقييم القراءات بسرعة وتتبع تقدم العلاج.
وعلى الرغم من تقدم هذه التقنيات فلا يزال الأطباء بحاجة إلى تأكيد ارتفاع ضغط الدم نتيجة لثلاثة قياسات منفصلة قبل تشخيص المرض. ذلك لأن ارتفاع ضغط الدم في كثير من الأحيان يكون مجرد رد فعل للتوتر العصبي كما أنه في بعض الأحيان الأخرى يكون عرضاً ثانوياً لمرض آخر، مثل أمراض الكلى أو بعض الأورام.
وقامت الشبكة بنشر معلومات خاصة بارتفاع الضغط عند الأطفال في جميع أنحاء أوروبا وخارجها من خلال مواد تعليمية جذابة ومتعددة اللغات بشكل مبسط وسهل تتعلق بالمخاطر المترتبة على الارتفاع وطريقة القياس والأعراض وطرق الوقاية، مثل لعب الرياضة باستمرار، والتقليل من استخدام ملح الطعام، والبُعد عن التوتر، وهذه المعلومات أسهمت في نشر الوعي بمعظم دول العالم.
ونصح الباحثون الآباء بضرورة قياس الضغط لأطفالهم بشكل دوري حتى لو كان الطفل لا يعاني من أي أعراض. وفي الأغلب لا يسبب ارتفاع ضغط الدم أعراضاً واضحة، مثل الصداع، أو خلل في الرؤية. ويؤدي ارتفاع الضغط على المدى الطويل إلى عواقب وخيمة، إذ وعلى وجه التقريب فإن 20 في المائة من الأطفال الذين يعانون من الارتفاع يصابون بتضخم في عضلة القلب، ولاحقاً يمكن أن يتسبب ذلك في حدوث سكتة دماغية في عمر مبكر.
وأكد العلماء أن ارتفاع ضغط الدم قابل للعلاج والسيطرة عليه خاصة في العمر الصغير، ولا داعي للمخاوف المتعلقة بتأثير الأعراض الجانبية للأدوية على صحة الطفل؛ لأن الجرعات التي يتم وصفها للأطفال تكون محسوبة بدقة، بحيث تحافظ على المستويات المطلوبة لكل مرحلة عمرية من دون أن تُسبب أعراضاً جانبية عنيفة، خاصة أن هذه الأدوية تكون من النوعية التي تتحملها أجهزة الجسم بسهولة. وحذّر العلماء من زيادة الوزن أو السمنة لدى الأطفال؛ لأن ذلك يجعلهم أكثر عُرضة للإصابة، بالإضافة لذلك في بعض الأحيان زيادة الوزن تكون هي السبب الوحيد لارتفاع الضغط لدى الأطفال والمراهقين.
*استشاري طب الأطفال
aawsat.com