صورة الجسد تتشكل بداية من سن السابعة

كشفت أحدث دراسة تناولت صورة الجسد (body image) ونُشرت في مطلع شهر مارس (آذار) من العام الحالي في مجلة علم النفس التجريبي للأطفال (the Journal of Experimental Child Psychology)، عن احتمالية أن تكون بداية إدراك صورة الجسد وتكوين انطباع عنه تتشكل في مرحلة عمرية مبكرة جداً من عمر الإنسان، قبل أن يبلغ فترة المراهقة، وتحديداً في السابعة من العمر.
تصورات الطفولة
أوضحت الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة درهام (Durham University) بالمملكة المتحدة، أن صورة الجسد تتأثر بشكل أساسي بالتعرض البصري للأوزان المختلفة لأجسام المحيطين بالطفل، سواء الأقران أو البالغين، حسب التصورات المسبقة لمجتمعه عن النموذج الذي يمكن اعتباره (صورة مثالية) للجسد. والأمر نفسه ينطبق على بقية تصنيفات كل الأوزان والأحجام، بداية من التصور عن الشكل الجيد، ومروراً بالشكل المقبول، ونهاية بالشكل غير المقبول تماماً.
وقال الباحثون إن صورة الجسد مرنة للغاية، وتخضع إلى حد بعيد للفكر الجمعي للبيئة المحيطة بالطفل، بمعنى أن صورة الجسد غير المقبولة في مجتمع معين قد تكون صورة جيدة أو حتى مثالية في مجتمع آخر.
وتأتي أهمية الدراسة التي تُعد الأولى من نوعها في كونها اختبرت مرونة تصورات وزن الجسم في الأطفال؛ لأن معظم الدراسات السابقة كانت تركز بشكل أساسي على البالغين فقط.
وأجريت الدراسة على أكثر من مائتي فرد مختلفين من إنجلترا، معظمهم من ذوي البشرة البيضاء (80 في المائة) والبقية من ذوي البشرة السمراء واللاتينيين والآسيويين والأعراق الأخرى، تتراوح سنهم بين 7 سنوات وسن البلوغ. وأشارت إلى الدور الكبير الذي تلعبه وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في التأثير على الأطفال بالدرجة نفسها التي تؤثر بها على البالغين، بدءاً من الطفولة المبكرة واستمراراً في فترة المراهقة بشكل خاص، وصولاً إلى سن الرشد. ولهذه الوسائل القدرة على تغيير نظرة الأطفال والمراهقين للوزن نفسه وحجم الجسد نفسه من النقيض للنقيض.
عرض الباحثون مجموعة رسوم لصور ملونة لأجسام أنثوية ذات مؤشر كتلة جسم معروف (BMI) تم تصويرها في وضع موحد وملابس رمادية اللون، مع وجوه مغطاة بشكل بيضاوي أسود. وتتكون كل مجموعة من 10 أجسام تتدرج في متوسط مؤشر كتلة الجسم من الأقل إلى الأكبر حجماً، وبعد ذلك طلبوا من جميع المشاركين تقييم كل جسم بدرجة معينة من 1 إلى 7؛ حيث يشير الرقم واحد إلى نقص الوزن الشديد، ويشير رقم 7 إلى زيادة الوزن الشديدة.
وعُرضت على نصف المشاركين 20 صورة مختلفة الحجم (بحيث تكون هناك صور كبيرة الحجم وأخرى صغيرة بغض النظر عن المرسوم داخلها) لأجساد تتميز بمؤشر كتلة جسم يتراوح بين النحافة والوزن المتوسط، ثم تم عرض صور أخرى لأجساد من فئة الوزن الأقل مكررة 4 مرات بينما عُرض على نصف المشاركين الباقين 20 صورة لأجساد تتميز بمؤشر كتلة جسم يتراوح بين الوزن المتوسط والبدانة. وكانت الصور المكررة لأجسام من فئة الوزن الأكبر.
انطباعات وتقييمات
لاحظ الباحثون وجود عدة عوامل تتحكم في تقييم صورة الجسد، مثل الوقت الذي تم عرض الصور فيه، بمعنى أن إطالة عرض صورة معينة يغير الانطباع البصري عنها مع الوقت، وأيضاً سن الطفل (كان متوسط السن بالنسبة للأطفال 12 عاماً).
ولكن الأطفال في سن السابعة كانوا قادرين على تقييم الصور، وأيضاً وجدوا أن حجم الصورة نفسه يلعب دوراً في تقييم صورة الجسد؛ حيث تم تقييم الصور الكبيرة على أنها الأثقل وزناً.
وتبين أيضاً أن العامل الأكثر أهمية في التقييم كان المقارنة، بمعنى أن تتابع عدة صور لوزن معين مع صورة واحدة فقط لوزن آخر، قادر على تغيير التقييم. وكان هذا الغرض الأساسي من تكرار بعض الصور؛ لأن بعض الأطفال الذين وصفوا شخصاً معيناً بالنحافة قاموا بتغيير وصفهم عند عرض نفس الصورة، بعد مشاهدة تتابع صور أخرى لأشخاص أقل حجماً.
أكد الباحثون أن وسائل التواصل تركز عمداً على طيف ضيق فقط من الأوزان، وتعدها مثالية من خلال تكرارها بصورة مبالغ فيها، مما يرسِّب في الأذهان التصور المراد ترسيخه. وخلافاً للاعتقاد السائد أن تأثير هذا التكرار يبدأ في المراهقة والبلوغ، أوضحت الدراسة أنه يبدأ في وقت مبكر جداً من الحياة، من خلال الإلحاح البصري. وبهذه الطريقة يمكن تعديل أفكار الأطفال تماماً حول ما هو بدين أو نحيف إذا تعرضوا باستمرار لنوعية أجساد محددة يتم وصفها بالنموذجية.
ومن المعروف أن أفكار البالغين حول التصور المثالي لوزن الجسم أو الكتلة العضلية تتأثر بحاسة النظر. وعلى سبيل المثال تبعاً للدراسات السابقة: المجتمعات التي يتوفر فيها التلفاز بسهولة في المنازل تختلف صورة الجسد فيها بشكل واضح عن المجتمعات النائية التي لا يتوفر فيها التلفاز في كل الأسر. والأمر نفسه ينطبق على بقية الوسائل المرئية. ووُجد أن النساء ذوات البشرة البيضاء في المجتمعات الغربية اللاتي لديهن تقدير أقل لصورة الجسد، يواجهن ضغوطاً نفسية عنيفة مقارنة بالنساء ذوات البشرة السمراء أو النساء الآسيويات في جميع الفئات العمرية، بداية من الفتيات الصغيرات وصولاً للبالغات.
في النهاية، أوصت الدراسة الآباء بضرورة مراقبة المواد الإعلامية التي يتعرض لها الأطفال، وترسِّخ في أذهانهم تصورات خاطئة عن الجسد، تؤثر بالسلب على صحتهم العضوية والنفسية.
* استشاري طب الأطفال.
aawsat.com