بكتيريا مهندسة جينيا... تنتج بلاستيكا حيويا يشابه النايلون

في خطوة رائدة في مجال تطوير المواد المستدامة، نجح فريق من العلماء في كوريا الجنوبية بتعديل بكتيريا الإشريكية القولونية وراثياً؛ لإنتاج بلاستيك حيوي قوي ومرن يُشبه النايلون. ويُعدّ هذا الابتكار أول نوع من البوليمرات الحيوية يحتوي على روابط «أميد» شبيهة بالنايلون، ما يفتح آفاقاً جديدة في مواجهة أزمة التلوث البلاستيكي العالمية.
آفاق جديدة في البلاستيك الحيوي
قاد مهندس الجزيئات الحيوية سانغ يوب لي فريق البحث في المعهد الكوري المتقدم للعلوم والتكنولوجيا. وقال في دراسة نُشرت في مجلة «Nature Chemical Biology»، في 17 مارس (آذار) 2025، إن فريقه قام بتعديل بكتيريا الإشريكية القولونية لإنتاج بوليمر هجيني يُدعى «بوليمرات أميدية متعددة الإستر (PEA)» Poly(ester amide) وهو نوع من البوليمرات الاصطناعية القابلة للتحلل الحيوي.
ويتميز هذا البوليمر بقدرته على الجمع بين خاصية البوليستر القابل للتحلل الحيوي وبعض خصائص النايلون، من خلال الروابط الأميدية، في حين أن النايلون التقليدي يعتمد بالكامل على الوقود الأحفوري وروابط «أميد» غير قابلة للتحلل.
اختراق أدوات الطبيعة
وقد واجه الباحثون تحدياً رئيسياً يتمثل في عدم وجود إنزيمات طبيعية لتجميع بوليمرات تشبه النايلون. وللتغلب على هذه العقبة دمجوا جينات مُعدّلة من بكتيريا مختلفة في البلازميدات (وهي خيوط دائرية من الحمض النووي دي إن إيه DNA) أُدخلت إلى بكتيريا الإشريكية القولونية. وقادت هذه الجينات المعدلة الميكروبات لإنتاج إنزيمات جديدة قادرة على ربط السلاسل الجزيئية في البوليمرات. وقد أدت هذه العملية إلى إنتاج مادة ذات خصائص تضاهي البولي إيثيلين، أحد أكثر أنواع البلاستيك انتشاراً، رغم استمرار التساؤلات حول متانتها مقارنة بالنايلون التقليدي.
توسع الإنتاج والتحديات الاقتصادية
ونجح الفريق في استخدام مفاعلات حيوية على نطاق صناعي لإنتاج نحو 54 غراماً من البوليمرات لكل لتر، ما يُظهر إمكانية التوسع في الإنتاج. ومع ذلك لا تزال عملية حصاد البوليمر تتطلب تفتيت البكتيريا وتنقية المنتج، مما يزيد من تعقيد العملية وتكاليفها. وأقرّ سانغ يوب لي بأن تكلفة الإنتاج الحالية لا تستطيع منافسة تكلفة البلاستيك المُصنّع من الوقود الأحفوري التي تبلغ نحو دولار واحد للكيلوغرام. إلا أن الباحثين متفائلون بأن تحسين تقنيات الإنزيمات والتخمير وطرق الاسترداد قد يُخفض من التكاليف في المستقبل.
أمل لحل أزمة البلاستيك العالمية
وتأتي هذه الدراسة في وقت يواجه فيه العالم أزمة حادة بسبب النفايات البلاستيكية؛ حيث يتم إنتاج أكثر من 400 مليون طن من البلاستيك سنوياً وتبقى نسبة كبيرة منها في النظم البيئية على شكل جسيمات دقيقة. وتُعتبر النايلونات التقليدية المستخدمة في الملابس وقطع غيار السيارات من المساهمات الرئيسيات في هذه المشكلة. وعلى الرغم من أن البوليمرات الأميدية المتعددة الإستر ليست قابلة للتحلل الحيوي تماماً، فإن تركيبها الحيوي يمثل نموذجاً أكثر مراعاةً للبيئة مقارنة بالمواد التقليدية.
ويُعبر خبراء في هذا المجال عن تفاؤلهم بهذا الابتكار. فقد أشار كولين سكوت، مهندس الإنزيمات وعالم الأحياء التركيبية في بيرث بجامعة غرب أستراليا، إلى أن الدراسة تُظهر كيف يمكن لعلم الأحياء التركيبي إعادة تصور المواد بما يتناسب مع الاقتصاد التدويري. وأوضح سييتشي تاجوتشي، خبير الإنتاج الحيوي بجامعة كوبي في اليابان، أن دمج الأحماض الأمينية في البوليمرات غالباً ما يعوق نموها، لكنه أشار إلى أن الاختبارات الأولية أظهرت أن البلاستيك الحيوي المستخرج مستقر حرارياً وقابل للتشكيل ومناسب للتطبيقات المتعددة مثل المنسوجات والتغليف والطلاء.
تحديات التسويق
ورغم الإشارات الإيجابية للابتكار يواجه البوليمر الجديد بعض العقبات التقنية والاقتصادية، فعملية استخلاص وتنقية البوليمر تتطلب طاقة كبيرة، وقد يحدّ التركيب الهجين للبوليمر من قابليته لإعادة التدوير مقارنةً بالنايلون التقليدي. ومع ذلك يستمر البحث والتطوير لتحسين متانة البوليمر وجعله منافساً حقيقياً للمواد البلاستيكية القائمة على الوقود الأحفوري.
خطوة نحو مستقبل مستدام
وبينما يظل التسويق التجاري لهذا النوع من البلاستيك في مراحل مبكرة، يُظهر هذا الابتكار الإمكانيات الكبيرة لعلم الأحياء التركيبية في إعادة هندسة المواد بما يتوافق مع التحديات البيئية الراهنة. وفي وقت يُكافح فيه العالم التلوث البلاستيكي، يُعَدّ هذا العمل بمثابة خطوة واعدة نحو تطوير حلول صديقة للبيئة قادرة على المساهمة في الاقتصاد التدويري وإنقاذ الكوكب. ومع مزيد من التحسينات والبحوث قد يصبح إنتاج البلاستيك الحيوي بهذه التقنية خياراً مستقبلياً يوفر بديلاً مستداماً للبلاستيك التقليدي.
aawsat.com