تطبيقات الواقع الافتراضي تعزز علاج الأمراض النفسية

لا يزال التشخيص الدقيق أحد أكبر التحديات في مجال الطب النفسي، حيث يتغير تشخيص أكثر من نصف المرضى النفسيين خلال 10 سنوات. وتعتمد معظم التشخيصات النفسية على إفادات المرضى حول أعراضهم، لكن العديد من الاضطرابات النفسية تتشارك في خصائص متداخلة. وعلى سبيل المثال، يمكن أن تظهر أعراض مثل انعدام المشاعر، والهلوسة، والمشاكل الإدراكية في كل من الفصام والاضطراب ثنائي القطب، ما يجعل التمييز بينهما أمراً صعباً.
الواقع الافتراضي للتشخيص
ويمكن أن يؤدي التشخيص الخاطئ إلى خطط علاج غير مناسبة ونتائج صحية ضعيفة؛ لذا تبرز الحاجة إلى مؤشرات بيولوجية واضحة تساعد في تحسين دقة التشخيص وتوجيه التدخلات العلاجية بشكل أكثر فاعلية.
في السياق، طور باحثون في جامعة كوبنهاغن الدنماركية نظاماً يعتمد على تقنيات «الواقع الافتراضي»، أظهر إمكانات واعدة في تحسين التمييز بين الاضطرابات النفسية الشائعة، ما قد يمهد الطريق لعلاجات مبكرة وأكثر تخصيصاً.
وأوضح الباحثون أن النظام يدمج تطبيقات الواقع الافتراضي مع قياسات فسيولوجية، لاستكشاف طريقة أكثر موضوعية في تحديد الاضطرابات النفسية المختلفة، ونُشرت النتائج في عدد 1 أبريل (نيسان) 2025 من دورية «European Neuropsychopharmacology». وعادة ما تُستخدم تقنيات الواقع الافتراضي لإنشاء بيئات ثلاثية الأبعاد تفاعلية تحاكي الواقع، حيث يتمكن المستخدم من التفاعل مع هذه البيئة باستخدام أدوات مثل النظارات أو الخوذ الخاصة. ويوفر الواقع الافتراضي تجربة غامرة تسمح للمستخدم بالاندماج في مواقف مختلفة، ما يتيح له التفاعل معها كما لو كانت واقعية. ويُستخدم في مجالات متعددة مثل التعليم والترفيه والعلاج النفسي. وخلال الدراسة، استُخدم الواقع الافتراضي لخلق سيناريوهات اجتماعية غامرة تهدف إلى محاكاة مواقف عاطفية حقيقية. وشملت الدراسة 100 مشارك، من بينهم أشخاص مصابون باضطراب ثنائي القطب، واضطراب الشخصية الحدّية، والفصام، بالإضافة إلى مجموعة من الأصحاء. تم تعريض المشاركين لعدة سيناريوهات افتراضية غامرة، مصممة لاستثارة استجابات عاطفية وفسيولوجية، مثل مشاهدة فيديو لطفل يبكي، أو خوض نقاش في مقهى، أو تجربة الركوب في مصعد ضيق. ويعتمد النظام الذي طوره الباحثون على دمج تطبيقات الواقع الافتراضي مع القياسات الفسيولوجية، مثل النشاط الجلدي الكهربي، الذي يشير إلى أن مقاومة الجلد تتغير بناءً على نشاط الغدد العرقية التي يتحكم فيها الجهاز العصبي. عندما يكون الجهاز العصبي مفرط الإثارة، يزيد إفراز العرق مما يزيد الموصلية الكهربائية للجلد، وهو مؤشر على الإثارة العاطفية والفسيولوجية. وتُستخدم هذه القياسات في الأبحاث والطب النفسي لتقييم التفاعلات النفسية والعاطفية بشكل موضوعي، حيث تساعد في دعم التشخيص السريري، مثل التفريق بين اضطراب ثنائي القطب والفصام بناءً على استجابة الجسم لمواقف معينة.
وقام الباحثون بقياس الاستجابات العاطفية والنشاط الجلدي الكهربي أثناء هذه السيناريوهات لتحديد الاختلافات بين الأشخاص المصابين باضطرابات نفسية مختلفة. وأظهرت النتائج أن استجابات المشاركين اختلفت بشكل منهجي بين المجموعات التشخيصية، ما يشير إلى أن هذا النهج قد يعزز دقة تشخيص للاضطرابات النفسية المختلفة، التي غالباً ما تكون تشخيصاتها صعبة بسبب التشابه في الأعراض بين العديد من الحالات. وعلى سبيل المثال، يمكن أن تظهر أعراض مثل التبلد العاطفي أو الهلوسة أو مشاكل الإدراك في كل من الفصام والاضطراب ثنائي القطب، ما يجعل من الصعب التمييز بينهما.
قياس الاستجابات مباشرة
تقول الدكتورة كاميلا ميسكوفياك، الباحثة بمركز كوبنهاغن للطب النفسي في مستشفى فريدريكسبيرغ في الدنمارك، والباحثة المشاركة في الدراسة، إن التقييم القائم على الواقع الافتراضي يوفر نهجاً أكثر دقة وموضوعية لتشخيص الاضطرابات النفسية.
وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن التشخيصات النفسية التقليدية تعتمد إلى حد كبير على إفادة المرضى الذاتية عن أعراضهم، وهو ما قد يتأثر بالتفسير الشخصي، أو صعوبات استرجاع الذاكرة، أو التردد في الإفصاح عن بعض التجارب. ومن خلال استخدام سيناريوهات الواقع الافتراضي جنباً إلى جنب مع القياسات الفسيولوجية، يمكن للباحثين استثارة وقياس الاستجابات العاطفية والفسيولوجية في الوقت الفعلي، مما يقلل من الاعتماد على الإبلاغ الذاتي ويعزز دقة التشخيص. كما أن الجمع بين سيناريوهات الواقع الافتراضي والقياسات الفسيولوجية قد يساعد في التفريق بين الاضطرابات النفسية المتشابهة، وهي منطقة كان الطب النفسي يواجه فيها صعوبات منذ زمن طويل.
aawsat.com