اختراق علمي: مواد نانوية قد تحدث ثورة في تطوير تقنيات الرؤية الليلية

قد تُحدث طريقة جديدة لتصنيع مستشعرات أشعة تحت حمراء كبيرة الحجم فائقة الرقة، لا تحتاج إلى تبريد شديد، تغييراً جذرياً في مجال الرؤية الليلية وتقنياتها المصممة للمركبات العسكرية، أو حتى ذاتية القيادة.
تقنيات الرؤية الليلية
تُعد الرؤية الليلية (الحرارية) معقدة، وتستهلك طاقة كبيرة، وتتطلب مكونات تبريد قد يصعب الحصول عليها، خاصةً في حالة نشوب صراع مع الصين. وتتزايد احتياجات القوات الجوية الأمريكية والجيش وقوات العمليات الخاصة للرؤية الليلية، وكذلك الحال بالنسبة لمُصنّعي الجيل القادم من المركبات ذاتية القيادة.
وفي دراسة نُشرت اليوم في مجلة Nature، كشف الباحث جيهوان كيم من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بالتعاون مع زملائه من جامعة ويسكونسن-ماديسون، ومعهد رينسيلار للفنون التطبيقية، وجامعة سول الوطنية، عن عملية تُسمى «الانطلاق الذري atomic lift-off ALO»، تُنتج طبقات رقيقة للغاية من مادة بلورية خاصة قادرة على التماسك دون الالتصاق بشبكة من الغرافين، مثلاً. ويمكن الحصول على الطبقة الناتجة بسمك رقيق يقل عن 10 نانومترات.
حل مشكلة التبريد
تعاني معظم أجهزة استشعار الأشعة تحت الحمراء اليوم، مثل كاشفات تيلورايد الزئبق والكادميوم الشائعة الاستخدام، من عيب كبير: إذ يجب الحفاظ عليها باردة للغاية - نحو 321 درجة فهرنهايت تحت الصفر (196 درجة مئوية تحت الصفر) - مما يعني أنظمة تبريد ثقيلة تستهلك طاقة كبيرة. وهذا يجعل استخدامها صعباً في المعدات العسكرية المدمجة، أو الطائرات من دون طيار، أو الأقمار الاصطناعية، حيث تكون المساحة والطاقة محدودتين.
ووجد الباحثون حلاً لهذه المشكلة، إذ ابتكروا غشاءً فائق الرقة، أقل من جزء من مائة من عرض شعرة الإنسان، مصنوعاً من مادة خاصة تُسمى PMN-PT التي تتميز بقدرتها على استشعار التغيرات الطفيفة في الحرارة بحساسية قياسية، أفضل بنحو 100 مرة من العديد من المواد القديمة مثل تانتالات الليثيوم. والأهم من ذلك، أن مستشعرات PMN-PT تعمل في درجة حرارة الغرفة. وهذا يعني أنها تستطيع اكتشاف نطاق واسع من الإشارات الحرارية في طيف الأشعة تحت الحمراء البعيدة دون الحاجة إلى تبريدها، مما قد يُحدث نقلة نوعية في كيفية بناء أجهزة الرؤية الليلية واستشعار الحرارة.
اختبارات ناجحة
أثبت الباحثون إمكانية استخدام تقنيتهم الجديدة لصنع أغشية استشعار بالأشعة تحت الحمراء أكبر وأرق دون فقدان الجودة. فقد ابتكروا أغشية بسمك 10 نانومترات فقط وعرض 10 مليمترات - بحجم ظفر الإصبع تقريباً - مع الحفاظ على سلاسة وتناسق البنية البلورية. كما بنوا مصفوفات أجهزة استشعار بالأشعة تحت الحمراء عاملة من أغشية أكثر سمكاً بقليل (80 نانومتراً)، ووجدوا أن كل جهاز في دفعة الأجهزة التي صنعوها، المكونة من 108 أجهزة، يعمل بكفاءة عالية. كانت الإصدارات الأرقّ بسمك 10 نانومترات أصعب في التعامل معها أثناء التصنيع، لذا لم ينجُ منها سوى عدد قليل، ولكن تلك التي نجت لا تزال تعمل بكفاءة.
تستجيب هذه المادة لأطوال موجية عبر طيف الأشعة تحت الحمراء بأكمله، مما يسمح لمرتديها برؤية أوضح مما تسمح به أنظمة الرؤية الليلية الحالية، أو ربما يُمكّن المركبات ذاتية القيادة من اكتشاف العوائق أو التهديدات أو المشاة بشكل أفضل، حتى في الظروف الضبابية أو الصعبة التي قد تعيق عمل الكاميرات أو أجهزة الاستشعار الشائعة الأخرى.
حتى بعد نقلها إلى سطح جديد، حافظت أجهزة الاستشعار على أدائها الكهربائي. في الاختبارات، ظلت مستقرة بمرور الوقت وكشفت عن الحرارة بفعالية تضاهي أفضل أجهزة الكشف عن الأشعة تحت الحمراء المبردة اليوم - دون الحاجة إلى معدات تبريد ثقيلة.
الاستغناء عن المكوّنات الصينية
هذا وتم دعم المشروع بمنح من مكتب البحوث العلمية التابع للقوات الجوية ووزارة الطاقة الأميركية.
لا يبحث الجيش الأميركي فقط عن رؤية ليلية أصغر حجماً وأكثر فعالية، بل يبحث أيضاً عن حلول جديدة لا تعتمد على المعادن أو المواد أو المكونات الصينية. تُعد الصين مورداً عالمياً رئيسياً لمعدات التصوير الحراري، بالإضافة إلى الجرمانيوم والكالكوجينيد، وهما معدنان أساسيان في العدسات اللازمة للتصوير الحراري.
يشير هذا البحث إلى نوع جديد من الرؤية: ليس مجرد رؤية ليلية دون تبريد، بل طريقة إنتاج لتطوير معدات رؤية ليلية أسرع وأقل تكلفة باستخدام مكونات أميركية أكثر.
* مجلة «ديفينس وان»، خدمات «تريبيون ميديا».
aawsat.com