خبر ⁄صحة

العلاج النفسي المعرفي يخفف آلام البطن

العلاج النفسي المعرفي يخفف آلام البطن

كشفت أحدث دراسة نُشرت في النصف الأول من شهر أبريل (نيسان) الحالي في مجلة «لانست لصحة الأطفال والمراهقين»، (The Lancet Child & Adolescent Health) عن احتمال أن يكون العلاج النفسي عن طريق التنويم المغناطيسي (Hypnotherapy) والعلاج السلوكي المعرفي من أكثر الطرق فاعلية في علاج آلام البطن التي لا يوجد لها أي سبب في الأطفال والمراهقين.

آلام القولون العصبي

من المعروف أن آلام البطن تُعد من أكثر شكاوى الألم المتكرر شيوعاً في مرحلة الطفولة، ونظراً لعدم وجود سبب عضوي واضح (وذلك بعد إجراء الفحوصات المختلفة لاستبعاد الأسباب العضوية بطبيعة الحال) فإنه في الأغلب تُشخَّص هذه الآلام على أنها اضطرابات وظيفية أو ما يمكن تسميتها بمتلازمة القولون العصبي. وعلى وجه التقريب فإن معدل انتشار هذه الأعراض بين الأطفال يتجاوز 40 في المائة تقريباً.

وتنعكس مشكلة القولون العصبي بالسلب على الطفل عضوياً ونفسياً لأنه بالإضافة إلى الألم العضوي الذي يمكن أن يكون شديد الحدة في بعض الأحيان نتيجة للتقلصات في الأغلب، يعاني الأطفال والمراهقون من مشكلات اجتماعية نتيجة للأعراض المزعجة المصاحبة لاضطرابات الجهاز الهضمي مثل الإسهال والانتفاخ والغازات وعدم القدرة على تناول بعض الأطعمة.

وجدت الدراسة التي قام بها باحثون في جامعة «سنترال لانكشاير» بالمملكة المتحدة، ومستشفى «إيما» للأطفال، والمراكز الطبية الجامعية في أمستردام بهولندا، ومستشفى «نيمورس» للأطفال في أورلاندو بالولايات المتحدة، أن العلاج بالتنويم المغناطيسي أكثر نجاحاً بنسبة 68 في المائة، والعلاج السلوكي المعرفي أكثر نجاحاً بنسبة 35 في المائة، عند مقارنتهما بعدم اتخاذ أي إجراء على الإطلاق.

وفي المقابل وجدت الدراسة أن الأدوية التي تُستخدم عادةً في علاج هذه الاضطرابات سواء التي تساعد على تخفيف حدة التقلصات أو المضادة للقلق، ذات تأثير محدود للغاية.

وقال الباحثون إن استخدام العلاج بالتنويم المغناطيسي في الأطفال يمكن أن يكون ناجحاً في علاج الآلام النفس-جسدية، بعكس البالغين الذين يجدون صعوبة في تصديق فاعلية مثل هذه الطرق، لأن التنويم المغناطيسي يعتمد بشكل أساسي على قوة الإيحاء التي يستخدمها المعالج ويتم من خلالها إدخال الشخص في حالة استرخاء عميقة تُمكِّنه من السيطرة على الآلام نفسية المنشأ.

وتبعاً لنتائج التجارب البحثية، كانت الطرق النفسية مثل التنويم المغناطيسي فعَّالة جداً خصوصاً في حالة فشل العلاج العضوي. والجدير بالذكر أن الطفل لا يفقد السيطرة على نفسه مطلقاً في أثناء عملية التنويم (خلافاً للصورة الذهنية عن التنويم المغناطيسي) إذ يمكن للمريض أن يتخلص من حالة الاسترخاء في أي وقت يريده.

حتى الآن لا توجد إرشادات دولية موحدة لطريقة علاج هذه الآلام، وتختلف من طبيب لآخر؛ مثل اتباع نظام غذائي معين، أو استخدام الأدوية العادية للمغص والمضادة للتقلصات، أو البروبيوتيك لتحسين وظائف الأمعاء. وفي بعض الأحيان تستخدم الأدوية المهدئة للسيطرة على القلق المسبب لهذا النوع من الآلام ولكن في الأغلب لا تكون النتائج جيدة.

فاعلية الطرق النفسية

قام الباحثون بتحليل بيانات جُمعت من خلال مراجعة 91 تجربة بحثية سابقة شملت ما يزيد على 7 آلاف طفل تتراوح أعمارهم بين 4 و18 عاماً في كثير من دول العالم على مدى أربعين عاماً كاملة، حتى يمكن تحييد العوامل المختلفة المؤثرة على النتائج، مثل العرق ونوعية الغذاء والبيئة المحيطة والعادات الغذائية لكل منطقة سكانية لأن هذه المشكلة عالمية.

وتناولت هذه التجارب البحثية كل ما يتعلق بألم البطن ومدى تكراره، وإلى أي درجة تبلغ حدته، والأعراض المختلفة المصاحبة له، والعوامل التي تساعد على حدوثه؛ سواء عوامل نفسية أو عضوية. وقارن الباحثون أيضاً بين الطرق العلاجية المختلفة من حيث قدرتها على تخفيف حدة الألم وتقليل وتيرة تكراره سواء كانت هذه الطرق دوائية أو نفسية أو غذائية.

وجرت مراجعة أكثر الأعراض المزعجة للأطفال وذويهم مثل (الغثيان والإمساك والإسهال وآلام المعدة والقيء والشعور بالانتفاخ أو الغازات) من حيث شدتها، وتم سؤال كل طفل: «ما مدى انزعاجك من كل عرض؟»، وكانت خيارات الإجابة: «لا أنزعج على الإطلاق»، و«قليلاً» و«بعض الشيء» و«كثيراً» و«كثيراً جداً». وكذلك تم سؤال الأطفال عن نوعية الأطعمة المُسببة لهذه الأعراض، وهل تتعلق هذه الأعراض بحالتهم النفسية؟ وأيضاً جرى سؤالهم عن أفضل الطرق التي تُحسن الألم.

ووجد الباحثون أن العلاج بالتنويم المغناطيسي والعلاج السلوكي المعرفي يُظهران أفضل النتائج في السيطرة على حدة الألم وتقليل الفترة التي يستمر فيها في حالة حدوثه، فضلاً عن زيادة الفترات التي تكون من دون نوبات على الرغم من تناول الأطفال والمراهقين نفس النوعية من الغذاء، مما يؤكد نجاح العلاج النفسي. واستمر التحسن لفترة طويلة بعد انتهاء جلسات العلاج الإدراكي.

وقال الباحثون إن نتائج هذه الدراسة سوف تُستخدم لوضع أول الإرشادات الرسمية على الإطلاق للتعامل مع ألم البطن في الأطفال والمراهقين، والمقرر إصدارها لاحقاً هذا العام، وهو ما يُعد إنجازاً مهماً نظراً إلى عدم وجود توصيات موحدة للتعامل مع الألم حتى الآن.

ويُعد العلاج السلوكي المعرفي من أفضل الطرق العلاجية في متلازمة القولون العصبي لأنه يعالج السبب بدلاً من علاج الأعراض الناتجة عنه. ومن المعروف أن الجهاز الهضمي من أكثر أجهزة الجسم تأثراً بحالة المخ (التفاعل بين المخ والجهاز الهضمي gut–brain interaction)، ولذلك يتفوق العلاج النفسي على العلاج العضوي بشكل واضح في علاج الألم؛ فضلاً عن كونه أقل تكلفة ومن دون أعراض جانبية.

* استشاري طب الأطفال

aawsat.com