خبر ⁄صحة

دراسة بريطانية رائدة تكشف العلاقة بين صحتي الفم والدماغ

دراسة بريطانية رائدة تكشف العلاقة بين صحتي الفم والدماغ

في تطور علمي واعد قد يُحدث تحولاً جذرياً في فهمنا للصحة العصبية، وسبل الوقاية من الخرف، تقود البروفسورة نيكولا ويست، أستاذة طب الأسنان الترميمي، والمتخصصة في أمراض اللثة، دراسة طويلة الأمد في كلية طب الأسنان بجامعة ليفربول في المملكة المتحدة، تحت عنوان «ماي سمايل MySmile» (ابتسامتي).

محاور الدراسة الجديدة

تهدف هذه الدراسة إلى استكشاف العلاقة المحتملة بين أمراض اللثة والتدهور المعرفي، والتحقق مما إذا كان علاج التهاب اللثة بشكل منتظم يمكن أن يُسهم في الوقاية أو تأخير تطور مرض ألزهايمر، الذي يُعد من أكثر الاضطرابات العصبية تعقيداً وانتشاراً لدى كبار السن.

وتُعد البروفسورة نيكولا ويست إحدى الشخصيات البارزة في المجتمع العلمي، إذ تشغل عدداً من المناصب القيادية المرموقة، من بينها الباحثة الرئيسة في هذه الدراسة، واستشارية فخرية في أمراض اللثة، إلى جانب كونها الأمين العام للاتحاد الأوروبي لأمراض اللثة (EFP)، ورئيسة الجمعية البريطانية لأمراض اللثة وزراعة الأسنان. وكانت قد ظهرت في مقابلة مصورة نُشرت عبر منصة «YouTube» بتاريخ 4 مايو (أيار) 2025، استعرضت خلالها أبرز محاور البحث، والتطورات التي أحرزت خلال أكثر من عشر سنوات من العمل البحثي المستمر.

رابط بيولوجي مثير للاهتمام

صرّحت ويست في حديثها: «لقد لاحظنا من خلال دراستنا وجود ارتباط بيولوجي واضح بين أمراض اللثة والتدهور العصبي في الدماغ. فالبكتيريا المسببة لالتهاب اللثة قد تدخل مجرى الدم، وتصل إلى الدماغ، ما يُحفّز استجابة التهابية مزمنة قد تكون مرتبطة بتسارع تقدم ألزهايمر».

هذا الربط بين الفم والدماغ لم يكن مفهوماً بشكل كافٍ في الأوساط الطبية سابقاً، غير أن تراكم الأدلة البحثية خلال السنوات الأخيرة بدأ يُسلّط الضوء على أهمية الفم كونها نقطة دخول محورية يمكن أن تؤثر في الجهاز العصبي المركزي.

عقد من الأبحاث يختتم قريباً

بدأت دراسة «ماي سمايل» منذ أكثر من عشر سنوات، وشملت آلاف المشاركين من مختلف الفئات العمرية، خصوصاً أولئك الذين يعانون من أمراض اللثة المزمنة، أو الخرف المبكر. وجمعت الدراسة بيانات شاملة تغطي النواحي السلوكية، والسريرية، والجينية، والبيوكيميائية.

ومن المقرر أن تنتهي الدراسة رسمياً بحلول نهاية عام 2025، حيث ستبدأ بعدها مرحلة تحليل معمّق للبيانات، تمهيداً لنشر نتائجها النهائية، واعتماد توصيات علاجية مبنية على الأدلة.

نتائج أولية واعدة

تشير البيانات الأولية إلى أن التدخلات العلاجية المستمرة لتحسين صحة اللثة قد تُسهم في تحسين المؤشرات الحيوية، والوظائف المعرفية لدى عدد من المشاركين. هذا يعزز فرضية أن الحفاظ على صحة الفم لا يقتصر فقط على الوقاية من تسوس الأسنان، أو فقدانها، بل يمتد ليشمل دوراً محورياً في الوقاية العصبية.

وتوضح البروفسورة ويست: «هذه النتائج تضعنا أمام مسؤولية علمية وصحية واضحة، تتمثل في ضرورة تعزيز الوعي العام بأهمية العناية بصحة الفم، ليس فقط لأسباب تجميلية، أو وظيفية، بل لأنها قد تمثل أداة وقائية فعالة ضد أمراض مثل ألزهايمر».

تعاون دولي متعدد التخصصات

تتميز الدراسة بتعاونها مع مؤسسات أكاديمية وبحثية من مختلف دول أوروبا، وتشمل فرقاً متخصصة في طب الأعصاب، والشيخوخة، والوبائيات، وعلوم الجينات، ما يعكس أهمية المقاربة التكاملية بين مختلف التخصصات الطبية لفهم الترابط بين أنظمة الجسم. ويأمل الباحثون أن تسفر نتائج هذه الدراسة عن نموذج علاجي جديد يدمج بين طب الأسنان والعلوم العصبية، ويمهد الطريق نحو استراتيجيات وقائية مبتكرة على مستوى الصحة العامة.

أين نحن في العالم العربي؟

يشير انتشار مرض ألزهايمر في المنطقة إلى أرقام مقلقة، حيث تتصدر لبنان، وتونس، والجزائر معدلات الإصابة بين كبار السن. يتجاوز عدد المصابين 1.3 مليون شخص، مع أعباء مالية ضخمة تتراوح بين 10.43 و13.90 مليار دولار سنوياً. عوامل الخطر تشمل ارتفاع ضغط الدم، والسكري، وأمراض القلب.

أمراض اللثة بين كبار السن

أما أمراض اللثة، فتعد مشكلة واسعة الانتشار، حيث تتراوح معدلاتها بين 13 و57 في المائة، خصوصاً بين كبار السن. كما ترتبط هذه الأمراض بمخاطر صحية أخرى، مثل أمراض القلب، والسكري. رغم ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى دراسات أعمق لفهم التحديات الصحية في العالم العربي بشكل أدق. وهنا يأتي دور وزارات الصحة، والجمعيات العلمية، للتأكيد على أطباء الأسنان لتشخيص ومعالجة مرض اللثة، ووسائل الإعلام لتوعية المجتمع حول أهمية الزيارة الدورية لأطباء الأسنان.

وفي ضوء التقدم المحرز، قد تمثل دراسة «ابتسامتي» (MySmile) نقطة تحول مهمة في الفهم الطبي الحديث للعلاقة بين صحة الفم ووظائف الدماغ. وإذا ما أثبتت النتائج النهائية فعالية علاج أمراض اللثة في إبطاء تدهور القدرات المعرفية، فقد تفتح آفاقاً جديدة في مجال الوقاية من ألزهايمر، وتُعيد التأكيد على أهمية صحة الفم، وأنها أولوية ضمن استراتيجيات رعاية كبار السن.

aawsat.com