كيف توظف الشركات الصغيرة الذكاء الاصطناعي التوليدي لصالحها

مع تقبّل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في بعض الشركات الكبرى، لا تزال الآراء متباينة بخصوص توظيفها في الشركات الصغيرة، كما كتبت سارة دوليزال(*).
حماس وتشكّك... وتردد
وتشمل ردود الفعل على التكنولوجيا الجديدة: الحماس، والتشكك الغاضب، والتردد، وكلها تظهر في التقارير الإخبارية، ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، والتعليقات الإلكترونية. وتتمحور ردود الفعل السلبية حول مخاوف العمال من أن يستحوذ الذكاء الاصطناعي على وظائفهم، أو يولد معلومات غير دقيقة، أو يُنتج منتجات عمل رديئة مثل كتابة محتوى باهت أو صور مسروقة.
حل المشكلات الكبيرة للشركات الصغيرة
بعيداً عن الأضواء، يُحلّ الذكاء الاصطناعي مشكلات كبيرة للعديد من الشركات الصغيرة. إذ تُظهر الأبحاث والاستطلاعات الحديثة حول حالات استخدام الذكاء الاصطناعي أن 40 في المائة من الشركات الصغيرة في الولايات المتحدة تستخدم بالفعل الذكاء الاصطناعي التوليدي في مهام مثل جمع رؤى العملاء، وإدارة العلاقات، وتوظيف المواهب، وفقاً لتقرير غرفة التجارة الأميركية لعام 2024 حول تمكين الشركات الصغيرة. وتُخطط 49 في المائة أخرى من الشركات الأميركية لاعتماد أدوات الذكاء الاصطناعي خلال العامين المقبلين، ما قد يُعيد تشكيل مستقبل ريادة الأعمال.
تطوير أدوات ذكية خصوصية
في حين لا توجد بيانات موثوقة حول عدد رواد الأعمال الذين طوّروا أدوات الذكاء الاصطناعي لحل مشكلات أعمالهم، فإن هناك روايات تُشير إلى أن الشركات الصغيرة في جميع أنحاء الولايات المتحدة تكتشف وتُطور أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة لمواجهة تحدياتها التشغيلية.
بالإضافة إلى ذلك، «يُجادل بعض الباحثين بأن الذكاء الاصطناعي التوليدي يُمكن، من الناحية النظرية، أن يُساعد في سد الفجوة في التكنولوجيا والأداء بين الشركات الصغيرة والكبيرة»، وفقاً لمكتب الإحصاء الأميركي.
رواد الأعمال المنفردون يواكبون تطورات الذكاء الاصطناعي
* ذكاء اصطناعي لصفقات العقارات. في مارس (آذار)، أسست أنيتا أورتيز، وهي مستثمرة ووكيلة عقارات في سان أنطونيو بولاية تكساس، منصة «Shift Smart AI»، وهي منصة تسويق تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مصممة لمعالجة التحديات الشائعة في قطاعها، مثل تدفق العملاء المحتملين، وإتمام الصفقات، وتحقيق حرية العمل.
وأمضت أنيتا أورتيز أكثر من 8 أشهر في بناء «Shift Smart AI»؛ حيث استخدمت منصة برمجية مفتوحة المصدر، وخصصتها لشركتها من خلال الأتمتة ووكلاء الذكاء الاصطناعي، وغيرهما.
وصرحت أنيتا أورتيز بأنها أسست الشركة لتواكب تطورات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وقالت في رسالة بريد إلكتروني: «أسست (Shift Smart AI) ليشاركني زملائي الوكلاء والمستثمرون رحلتي في هذا المجال... هناك طلب كبير على المعرفة بأدوات الذكاء الاصطناعي في مجال العقارات، وأعتقد بصدق أن الذكاء الاصطناعي سيُغير طريقة عملنا جميعاً».
وتُساعد المنصة المحترفين على تنظيم أعمالهم، وتبسيط العمليات، وتوليد عملاء محتملين باستمرار دون إرهاق. يجمع هذا النظام بين وظائف أساسية أو حالات استخدام، مثل إدارة علاقات العملاء، وتتبع المبيعات، والتسويق عبر البريد الإلكتروني، والتوقيعات الرقمية، وجدولة منصات التواصل الاجتماعي، وإنشاء مواقع الويب، وسير العمل الآلية، ومساعدي الذكاء الاصطناعي، وقنوات الاتصال المتكاملة.
حلول ذكية دون الحاجة إلى مهارات تقنية عميقة
وصرحت أنيتا أورتيز بأنها متفائلة بشأن قيام رواد الأعمال المنفردين الآخرين بتطوير أدوات ذكاء اصطناعي تُعالج نقاط ضعفهم. وأضافت أنه يُمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء أدوات بأسعار معقولة تُحسّن الإنتاجية التجارية والشخصية، مستخدمةً شركتها مثالاً على كيفية بناء حلول ذكاء اصطناعي متطورة دون الحاجة إلى مهارات تقنية عميقة، وذلك باستخدام الأدوات الحالية التي تُمكّن رواد الأعمال من حل مشكلات مُحددة.
وقالت أنيتا أورتيز: «الحقيقة أن الذكاء الاصطناعي لم يعد حكراً على شركات التكنولوجيا العملاقة، بل أصبح للجميع». وأضافت: «سواء كنت تُدير مخبزاً محلياً، أو تُدير عقارات مُؤجرة، أو حتى تُخطط لجدولك اليومي، فإن هذه الأدوات يُمكنها أن تُبسط الحياة وتُسهّل العمل».
أدوات ذكية لشركات الإقراض المالي
* ذكاء اصطناعي لصفقات القروض. مثال آخر هو شركة «نكتار» (Nectar) ومقرها أتلانتا، التي شارك في تأسيسها ويديرها ديريك باركر. فهي تستفيد من التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لتميز نفسها شركةً للقروض لمشروعات العقارات التجارية الصغيرة، مثل المجمعات السكنية. وعلى عكس شركات الإقراض التقليدية، تُبسّط «نكتار» عملية الإقراض؛ حيث تستهدف في الغالب معاملات بقيمة مليون دولار أميركي بدلاً من قروض بملايين الدولارات، ما يُسهّل إتمام الصفقات.
وأضاف باركر: «لقد طوّرت (نكتار) عمليةً قياسية. نستخدم أدوات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي التي تُمكّننا من تجميع كميات كبيرة من البيانات والوثائق بسرعة فائقة».
وتستخدم «نكتار» أدوات الذكاء الاصطناعي الفريدة، التي طوّرها باركر، لتبسيط عملية التعامل مع الوثائق التي قد تستغرق وقتاً طويلاً، بل مملةً في الواقع. ويقوم الذكاء الاصطناعي تلقائياً بمراجعة البيانات والموافقة عليها واستخراجها أثناء قيام العملاء بتحميل الملفات إلى بوابتها الإلكترونية. وتُخزّن هذه المعلومات في قواعد بيانات «نكتار» لكلٍّ من المقترضين والمقرضين. وأوضح باركر أن أدوات الذكاء الاصطناعي تُقلّل الوقت اللازم لإتمام مذكرة الاكتتاب من 3 إلى 5 أيام إلى ساعتين فقط.
أدوات فريدة تدعم عمليات الأعمال المتنوعة
* تطوير أدوات مفتوحة المصدر. قامت شركة «Team-GPT» في سان فرنسيسكو -التي لا ينبغي الخلط بينها وبين «ChatGPT»- بتطوير أداة ذكاء اصطناعي للمؤسسات باستخدام أدوات ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر وحقوق الملكية الفكرية الخاصة بها، ما يُسهّل التعاون بين فرق العمل في الشركات الصغيرة والمتوسطة والمؤسسات الكبيرة، بما في ذلك الكليات والجامعات الأميركية الراقية. ويرى الفريق في هذه الأداة وسيلةً لتعزيز الإنتاجية والتواصل بين الفرق، من خلال دمج قدرات الذكاء الاصطناعي للمساعدة في إنجاز المهام المختلفة، وتحسين سير العمل بشكل عام.
يقول إيليا فالتشانوف، الرئيس التنفيذي للشركة، إن الأداة تُتيح لفرق التسويق منصةً مركزيةً تُبسّط إنشاء المحتوى التعاوني. ويوفر هذا النهج الوقت والموارد مع ضمان اتساق هوية الشركة ونبرتها. ويضيف فالتشانوف: «يوفر المسوقون نحو 12.5 ساعة أسبوعياً مع (Team-GPT)، وبالنسبة لفريق تسويق نموذجي، يُوفر هذا ما يصل إلى 9750 ساعة سنوياً؛ أي ما يُقارب 585000 دولار أميركي من حيث التكلفة».
على سبيل المثال، قال إن وكالة الإعلانات «ذا كرو» زادت كفاءة إنتاج محتواها بنسبة 60 في المائة بعد اعتماد منصة «Team-GPT»، وضاعفت شركة «هاوس أوف غروث»، وهي وكالة متخصصة في تحسين محركات البحث، إنتاجها الشهري من 80 إلى 160 مقالة دون الحاجة إلى موظفين إضافيين.
وأضاف: «أطلقت (Team-GPT) للتو 4 تكاملات رئيسية كان المسوقون يطالبون بها: (غوغل درايف-Google Drive)، و(نوشن-Notion)، و(شيربوينت-SharePoint)، و(وان درايف-OneDrive). وتتيح هذه التكاملات للفرق تحسين مخرجات الذكاء الاصطناعي».
وأشار فالتشانوف إلى أن الشركة أنفقت 300 ألف دولار أميركي لبناء «Team-GPT»، واستثمرت نحو مليوني دولار أميركي حتى الآن. وتوفر مكتبة الأوامر الفورية من هذه الأداة الذكية للمستخدمين سيناريوهات مختلفة حول كيفية استخدام منصتها.
نهج حذر: جرّب الأدوات قبل الانضمام إلى ركب الذكاء الاصطناعي
تقول ماكنزي رودولف، مسؤولة توظيف «عباقرة الذكاء الاصطناعي» في شركتها «ذا لينك»، وهي شركة توظيف في مينوت، داكوتا الشمالية، إنه ينبغي على الشركات الصغيرة توخي الحذر قبل أن يبني رواد الأعمال أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة ويستخدموها.
ورغم قدرة الذكاء الاصطناعي على حل العديد من مشكلات الشركات الصغيرة، فإنها نصحت باتباع نهج أولي حذر نظراً لارتفاع مخاطر إنفاق مبالغ طائلة على منتج جديد قد يفشل.
كما حذّرت رودولف الراغبين في التحول إلى الذكاء الاصطناعي من مراعاة المخاطر الأمنية قبل الانغماس الكامل في التكنولوجيا الجديدة، وبدلاً من ذلك، توصي الشركات الصغيرة باستكشاف حلول الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، وتجري تجربة عند اعتماد أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة. وقارنت استخدام أداة ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر بتطبيق قالب موقع ويب تجاري، بدلاً من بناء أو تخصيص قالب.
* مجلة «إنك»، خدمات «تريبيون ميديا».
aawsat.com