خبر ⁄صحة

كيف ينقذ الذكاء الاصطناعي لغات وثقافات مهددة بالاندثار

كيف ينقذ الذكاء الاصطناعي لغات وثقافات مهددة بالاندثار

طُرحت فكرة «الذكاء الاصطناعي الثقافي»، لأول مرة على الساحة الدولية خلال «القمة العالمية للذكاء الاصطناعي من أجل الخير»، التي استضافتها مدينة جنيف السويسرية عام 2019، حيث اجتمع التقنيون ورواة القصص لتخيل مستقبل تتعلم فيه الآلات من الحكمة المتوارثة عن الأجداد. يركز هذا النهج على دمج القيم الثقافية والمعرفة المتوارثة في تصميم وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، بحيث لا تعتمد الآلات على البيانات الرقمية فقط، بل تتعلم أيضاً من التراث الإنساني، واللغوي، والفكري المتنوع للمجتمعات حول العالم. في هذا السياق، استعرض فريق من خبراء الذكاء الاصطناعي كيف يمكن لهذه التقنيات أن تساهم في الحفاظ على التراث الثقافي وتعميق الفهم المجتمعي، وذلك في كتاب جديد بعنوان «الذكاء الاصطناعي من أجل المجتمع» (AI for Community)، أُعلن عنه في 12 مايو (أيار) 2025. يضم الكتاب، الصادر عن دار «تايلور آند فرانسيس»، تجارب نخبة من التقنيين والباحثين الدوليين والمدافعين عن الثقافة، الذين يشاركون تجاربهم حول كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لحفظ الإرث الثقافي المعرض لخطر النسيان. تجارب حقيقية استعرض الفريق مشاريع إنسانية قائمة على تجارب حقيقية، منها تعاون بين جامعة «هوارد» الأميركية وشركة «غوغل»، قاد لتطوير قواعد بيانات صوتية تضم أكثر من 600 ساعة تسجيل للغة الإنجليزية العامية الأميركية الأفريقية (AAVE)، وهي لهجة يتحدث بها الأميركيون السود من الطبقتين الدنيا والمتوسطة بشكل رئيسي. كما طوّرت منظمة «Te Hiku Media» الإعلامية في نيوزيلندا نموذج ذكاء اصطناعي لحماية اللغة الماورية، لغة سكان نيوزيلندا الأصليين، التي تُعد من اللغات المهددة بالاندثار وفق منظمة «اليونيسكو»، التي تشير إلى أن نحو 3000 لغة معرضة للاختفاء خلال القرن المقبل، أي لغة كل أسبوعين تقريباً. في مجال التراث، سلط الكتاب الضوء على مشروع «Rekrei» الذي استخدم الذكاء الاصطناعي لحماية التراث الثقافي في مدينة الموصل العراقية. وبعد التدمير المأساوي للقطع الأثرية في متحف الموصل على يد تنظيم «داعش» عام 2015، استعان المشروع بتقنيات الذكاء الاصطناعي وصور التقطها الجمهور لإنشاء نماذج رقمية ثلاثية الأبعاد لتلك القطع، بهدف إحياء ذكرى كنوز ثقافية محيت عمداً. تقول الكاتبة الأميركية المشاركة بالكتاب، والخبيرة في الذكاء الاصطناعي، إيران دافر أردلان، إن الذكاء الاصطناعي يمتلك قدرة مذهلة على «الاستماع والتعلم» حرفياً، إذ يمكنه استيعاب طريقة حديثنا، وإيقاع حكاياتنا، وحتى نبرة الصوت. وعندما يُدرَّب على محتوى ثقافي غني مثل اللهجات المحلية، والقصص الشعبية، والتاريخ الشفوي، يمكن أن يتحول إلى أداة قوية للحفاظ على المعرفة ومشاركتها، ليصبح شريكاً في صون الهوية الثقافية وإحياء الذاكرة الجمعية للمجتمعات. قدرة مذهلة تضيف لـ«الشرق الأوسط» أن الأمر يتجاوز مجرد النسخ أو الترجمة؛ فالذكاء الاصطناعي الواعي ثقافياً يمكنه التذكر والاحتفاظ بالتعابير التي كانت تستخدمها جدتك، أو طريقة إلقاء المثل الشعبي حين يُقال بإحساس. تخيل روبوت دردشة لا يرد فقط، بل يتحدث وكأنه أحد أفراد مجتمعك. هذه هي الإمكانية التي نطمح إليها. وقال المؤلف المشارك بالكتاب، رضا مورادي نجاد، الأستاذ المساعد في كلية الحوسبة والمعلوماتية بجامعة دريكسل الأميركية، إنه من المهم أن نتذكر أنه عند الحديث عن الذكاء الاصطناعي في سياقات مختلفة، فإن المقصود ليس استبدال الحكمة البشرية به، فالهدف، كما نوضح في الكتاب، هو التمكين والشراكة؛ إذ يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي مساعداً مذهلاً، وأمين أرشيف لا يكل، ومعلّماً تفاعلياً للغات المهددة بالاندثار. ومع ذلك، فإن جوهر التراث الثقافي، من القصص والتفاصيل الدقيقة إلى التجارب الحية، يظل إنسانياً ولا يمكن استنساخه. وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن قوة الذكاء الاصطناعي الحقيقية في حفظ التراث الثقافي تكمن في قدرته على معالجة وتنظيم كميات هائلة من المعلومات، ما يتيح تحويل التراث غير الملموس، مثل التاريخ الشفوي، والقصص المجتمعية، إلى سجلات رقمية قابلة للأرشفة والنسخ على نطاق غير مسبوق، ما يمكّن من توثيق الثقافات واللغات المهددة بالاندثار. وأشار إلى أن دور الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على الأرشفة فحسب، بل يمكنه إحياء التراث وجعله تفاعلياً ومتاحة للجميع؛ فعبر أدوات تعليمية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، كما في مشروع توثيق اللغة الماورية، يمكن تعزيز استخدام اللغات الأصلية.

aawsat.com