بري البراري......... السم الهاري وقلب الثورة النابض
الاعتصام وصور الشهداء في البالونات من ابتكارات مناضلي بري..
عداوة كبيرة بين حكومة الانقاذ وسكان بري بتهمة التهميش ومسح النضال فيها..
ميدان الدرايسة وفيديو الاجهزة الامنية اكسب المنطقة شرف مدينة النضال ..
كنداكة بري واشاوس شبابها وقوة قلب اطفالها وحنكه شوخها جعلها صامدة ..
بري اصبحت البعبع المخيف لبقايا نظام الحكم السابق ..
شهيدان ومئات الجري والف المعتقلين لم تثنيهم عن مواصلة المشوار..
تقرير : نصرالدين عثمان
# سودان اندبندنت
منذ التاسع عشر من شهر ديسمبر في العام الماضي انطلقت الاحتجاجات في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل بسبب ارتفاع اسعار الخبز وانعدامه في المخابز فضلا عن الظروف الاقتصادية الصعبة التي كان يعيشها انسان السودان الا ان الكبت السياسي والامني منع المواطنين من الخروج الي الشارع خوفا من ان يلقوا مصير ماحدث في سبتمر من العام 2013 من قتل واعتقال وتعزيب ولكن كانت مدينة عطبرة صاحبت الشرارة الاولي في الاحتجاجات التي عصفت بحكومة المؤتمر الوطني الي الهاوية الا ان تلك الاحتجاجات التي جابت جميع ولايات السودان طيلة الشهور الماضية اصابها شي من الخمول والتراخي بأستثناء مدينة بري الواقعه شرق الخرطوم حيث ظلت في مناكفات مستمرة مع اجهزة النظام وشكلت تحدي كبير عجزت القوات النظامية من اخمادها علي الرغم من الاعتقالات والقتل واطلاق مئات من الرصاص المطاطي والغاز المسيل للمدوع
ماهي مدينة بري:
عندما هاجر «حامد قرجاج» من «قراجيج الجموعية» إلى منطقة بري الحالية ومن أولاده إبراهيم ود المقدّم الكبير، لتكون سلالة العمدة حسين الذي ينحدر من عائلة «محمد اللام» الذي سميّت بري باسمه وأصبح عمدة لمنطقة بري في العام 1898 واللاماب بحر أبيض ومن ثم رئيساً للمحكمة الريفية الخرطوم ليكون في آخر أعوامه ناظر عموم للخرطوم وبعض أريافها من جبل أولياء وجزء من الريف الشمالي لبحري كما كانت تستعين به الحكومة في عدة مصالحات قبلية وتعتبر مدينة بري الواقعه شرق الخرطوم والتي يحدها النيل شرقا وشمالا وبعض الاحياء جنوبا والخرطوم غربا واحدة من اعرق واقدم الاحياء في السودان حيث تضم عدد من الاحياء حتي اطلق عليها البراري وتشمل بري اللاماب التي تحد من جهة الجنوب بالمنشية ومقابر بري اللاماب ومن جهة الشمال الشرقي النيل الأزرق ومن الغرب بري «أبو حشيش» التي يفصلها عن اللاماب شارع الستين وتكاد تكون بري أبو حشيش ملتحمة مع بري الدرايسة وتقع جنوب حي بري كوريا ويفصل بري الدرايسة عن بري المحس شارع المدارس ونادي بري المحس التي يفصلها غرباً شارع عبد الله الطيب عن مساكن ومنشآت الشرطة ومن الشمال يفصلها شارع المعرض عن قاردن سيتي ومستشفى الشرطة وملحقاته، كانت منطقة بري «أبوحشيش» توجد في منطقة معرض الخرطوم الدولي الحالي وكانت غير مخططة وتعلوها الكثبان الرملية ثم انتقلت إلى موقعها الحالي في أواخر الستينيات وسميت بهذا الاسم نسبة للشيخ أبو حشيش الذي يعتبر جداً لمعظم سكانها. أما منطقة بري الدرايسة فمعظم سكانها من الجموعية والمحس وسميِّت نسبة لشيخ الحي المرحوم الطيب شيخ إدريس اما بري المحس فمنذ إنشائها في العام 1908م غالبية سكانها من قبيلة المحس لذا جاء هذا الاسم، لم تكن بموقعها الحالي لكنها بدأت في التكوين بالمنطقة التي يوجد بها منتزة الإسكلا السياحي بشارع النيل الآن وتوجد ببري المحس أعرق مدرسة بالسودان حيث تأسست في العام 1911م وهي أول مدرسة نظامية حكومية بالسودان كما كانت توجد ببري المحس فرقة الكشافة وقد قاموا بزيارات خارجية عديدة. وأعرق فريق بالسودان تأسس منذ عهد الأنجليز في العام 1918م وهو من أقوى فرق السودان حيث كان يلعب ضد الفرق الإنجليزية.
بري والاحتجاجات:
قدم المواطنون وخاصة الشباب في مدينة بري درسا بليغا في كيفية مقاومة بطش الأجهزة الأمنية اثناء الاحتجاجات الاخيرة وظلت المدينة ومعها مدينة شمبات بمحلية بحري التي تم وصفهما بأيقونة المقاومة تشهد كرا وفرا بين عناصر الشرطة والأمن داخل الشوارع والأزقة واضطرت قوات الشرطة الى استخدام الغاز المسيل للدموع بكثافة شديدة وعشوائية لتفريق المحتجين ما أدى الى إصابات بليغة واغماءلت وسط العائلات داخل المنازل واستخدم شباب المدينة عدد من الاساليب في كيف التصدى للعشرات من أفراد الامن وهم يحاولون عنوة الدخول إلى المنازل لاعتقال الناشطين من الشباب كما عمدت بعض المساجد الى فتح أبوابها للمحتجين للدخول إليها وحمايتهم من الاعتقال، في وقت استخدم بعض الأئمة مكبرات الصوت لحث المحتجين على الصمود وعدم الانكسار والطلب من أفراد الامن بالمغادرة وألقت السلطات الأمنية القبض على عدد كبير من شباب ونساء ورجال الحي بعد أن أوسعتهم ضربا. وظلت تمشط بسياراتها داخل ازقة الحي حتى اصاب الإنهاك عددا كبيرا منهم فعادوا أدراجهم
الحكومة تقابل تعنت بري بالنظافة:
عندما استعصت مدينة بري علي الاجهزة الامنية سارعت محلية الخرطوم في انفاذ حملة كبري للنظافة وإصحاح البيئة وفتح الطرق والإنارة وإزالة آثار المظاهرات التي شهدتها احياء بري حيث أكد معتمد محلية الخرطوم السابق الفريق شرطة/ محمد أحمد علي إبراهيم خلال وقوفه علي العمل بمنطقة بري الدرايسة بأن الحملة تجئ انفاذاً لقانون وأوامر الطوارئ الأخيرة والتي تشهدها البلاد في إطار تصحيح أوضاع النظافة وإصحاح البيئة وفتح الطرق التي أغلقت خلال الأحداث الأخيرة مؤكداً بأن منطقة البراري ستجد كل الاهتمام والرعاية خلال المرحلة المقبلة في جانب تجويد وتطوير خدمات النظافة والإنارة والأسواق ومصارف الأمطار بجانب مشروعات الخضرة والتجميل، مناشداً جميع أهالي البراري بالاضطلاع بدور اكبر للخروج من الفترة السابقة برؤية أفضل تسهم مع المحلية في التطوير عبر تكامل الجهود الرامية لترقية جميع أحياء المحلية ومنطقة البراري بشكل اخص وفقاً للمشاركة الفاعلة من قطاعات الشباب والطلاب والمرأة الذين يعتبرون احدي ركائز العمل العام المهمة.
سر العدواة بين الحكومة وسكان بري:
لا احد ينكر ان هنالك عداوة كبيرة بين سكان مدينة بري وحكومة الانقاذ منذ استلامها للسلطة في عام 1989 وذلك لان الحكومة منذ تلك الفترة بسياساتها ومحسوبيتها وفرت أسبابا لتفاقم الأوضاع، الأمر الذي يوتر المشهد بشكل عام، مما جعل مواطني المناطق التاريخية بالخرطوم تعتقدون أن توجهات السلطة واهتماماتها تركزت على إضعاف وصرف النظر عن الأحياء التاريخية والقديمة باعتبارها تمثل ذاكرة المدن ونضالات حقب الاستقلال وما بعده، لصالح أحياء جديدة يقطنها أناس محسوبون على السلطة أو ما يعرف بالأثرياء الجدد وبالتالي كثيرون من بينهم سكان احياء بري المختلفة يرون أن مناطقهم محرومة بل يتم تجاهلها عن عمد ولديهم إحساس بأن السلطة تستهدفهم، ويعتبرون أن الحد الأدنى من الخدمات بمناطقهم قُدِّمَ منذ زمن بعيد عكس الأماكن التي يسكنها المشاركين في الحكومة اما الاسباب الاخري التي جعل الحكومة تقلل من الخدمات تجاة المنظقة هي ان مدينة بري بأحيائها المختلفة ظلت محسوبة على آل الشريف الهندي أو ما يعرف اختصارا بالدوائر الاتحادية التي اصبح معظمها خارج فك السلطة وضمن خندق المعارضة الأمر الذي ربما ألقى بظلاله على بري وبالتالي كل تلك الاسباب جعلت الاحتجاجات التي شهدتها منطقة بري تعبير حقيقي عن وعي مواطني المنطقة بالأزمة، وأن بري بها وعي سياسي متقدم وتضم حركات سياسية متنوعة و أصبحت الاحتجاجات فيها جزءا من تقاليد الناس اليومية حتى الأطفال أصبحوا يرددون أغانيها وشعاراتها ويري كثير من المحللين السياسيين والعسكريين ان اسباب تصدر مدينة بري للمشهد في الاحتجاجات الأخيرة لأنها تضم حركة وعي عام وليس حزبيا وان الحراك يحمل الطبيعة القومية متوقع فيه الوعي والحركة والتيارات السياسية المختلفة كانت موجودة أيضا في العام 2013م مع منطقة شمبات بمحلية بحري.
ميدان الدرايسة وفيديو الامن:
كانت الاتحجاجات تبدأ في مدينة بري من خلال التجمع في ميدان بري الدراسة والذي يتوسط المدينة ومنه كانت تنطلق الاحتجاجات الي بقية الشوارع والازقة المتوجة لبقية الاحياء حيث كانت جميع فئات المجتمع بأحياء بري تتوافد كالسيل المنهمر الي ميدان الدرايسة وتبدأ الهتافات بأسقاط النظام ولكن سرعان مع اسبع المتحجون طرق اخري لحمايتهم عند التجمع في الميدان بعد ان اصبحت القوات الامنية تستخدم السلاح الحي والقناصة يتفنون في الاصابات وسط المحتجون مما دفعهم الي وضع المتاريس في الشوارع التي تؤدي الي ميدان الدرايسة وما اكسب الميدان الشهرة الكبيرة الفيديو التي تناقلته وسائل التواصل المختلفة والتي تتباهي فيه القوات النظامية بتحرير الميدان من سكان بري الاشاوس علي حسب تعبير مصور الفيديو الذي تمت مواجهه بموجة من الانتقادات والتعليقات المضحكة منها ( معقولة ياناس تحرير ميدان داخل الخرطوم وحلايب وشلاتين ليها سنوات في ايدي المحتلين ) الشي الذي دفع بعض الاجهزة الامنية المشاركة في انكار ان يكون مصور الفيديو منسوب لها
اسلوب الاعتصام وصور الشهداء:
يعتبر مواطنوا بري هم اول من استخدم اسلوب الاعتصام منذ بداية الاحتجاجات في التاسع عشر من ديسمبر من العام الماضي وكانت مستشفي رويال كير الشهيرة هي مسرح الاعتصام وذلك بعد مقتل احد المحتجين بعد اسعافة في المستشفي وكان سكان بري يبتكرون البدع للحد من انتشار ودخول القوات النظامية داخل الاحياء والبيوت وقد ساعدهم علي ذلك ان جميع سكان المنطقة يتعارفون مع بعضهم البعض فضلا عن معرفتهم بالطرق والشوارع التي لم تشهد التخطيط حتي الان حيث كان وضع المتاريس سببا في تعطل حركة القوات النظامية بالاضافة الي ذلك استفز المشاركون في الاحتجاجت في مدينة بري الحكومة من خلال وضع صور شهداء الاحتجاجات التي وصل عددهم الي العشرات تم وضعهم في بالونات واطلاقها في الهواء لتجد تلك الفكرة تجاوب كبير من الشعب السوداني علي الرغم من ذلك شهدت المدينة شهيدان تقريبا ومئات الجري من الاطفال والشباب والنساء فضلا عن الاعتقالات
التوثيق والتصوير والفيس بوك:
اتبع المشاركين في الاحتجاجات اسلوب التصوير المباشر لجميع الاحتجاجات في مدينة بري حيث كانت الحركات والاعتقالات والاقتحامات للبيوت والمنازل يتم التوثيق لها عبر الفيس بوك ( مباشرة ) وكانت الصحفية اسيا غبوش تستنجد بالشعب السوداني عبر صفحتها في الفيس بوك وهي تؤكد ان الاجهزة الامنية تتبع ابشع الاساليب لفض المحتجين وانهم لا يرحمون صغيرا او كيبرا او شيخا او امرأة بجانب حملات التفتيش وغيرها من الاساليب التي ابتعتها الاجهزة الامنية
كنداكات بري وصراع الغاز المسيل للدموع:
ظلت امهات وبنات واخوات وزوجات وارامل ومطلقات مدينة بري في حراك ومشاركة مستمرة طوال فترة الاحتجاج حيث وثقت كاميرات الموبايل للعديد من المشاهد التي تؤكد مدي قوة وصلابة المراة في بري مها تلك الشابة التي تلاحق الغاز المسيل للدموع لتقوم بامساكه بيدها وارساله الي المكان الذي جاء منه وغيرها من المشاهد التي لو اردنا حصرها لظللنا نكتب حتي الصباح فشكرا لكل نساء بري دون فرز