سلسلة قراءة في كتاب محمود محمد طه وقضايا التهميش في السودان (1-5)
(1-5)
المؤلف: دكتور عبد الله الفكي البشير
- عدد فصول الكتاب: سبعة فصول
- عدد الصفحات: (664)،
- الناشر ط1: دار باركود للنشر والتوزيع، الخرطوم، 2021،
- ويجري العمل حالياً لنشر ط2، عن دار الموسوعة الصغيرة للطباعة والنشر والتوزيع، جوبا، 2024
بقلم: سمية أمين صديق
المحـــاور:
عن مؤلف الكتاب
مدخل
الحوار حول أطروحة المركز والهامش
مفهوم التهميش عند الأستاذ محمود محمد طه
التوجه العربي للسودان وتعميق التهميش وتعزيز الإقصاء
الأمة الأفريقية والدعوة لانسحاب السودان من جامعة الدول العربية
الحزب الجمهوري والعلاقات بين السودان ومصر
جنوب السودان والتاريخ الطويل من التهميش
محمود محمد طه هو السجين الأول والوحيد من أجل جنوب السودان
التنقيب عما بعد التاريخ المعلن: ملاحظات حول كتاب الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان
قضايا التعدد الثقافي ونظام الحكم والمعرفة الاستعمارية واستمرار التهميش
الموقف من مؤتمر البجة/ البجا، أكتوبر 1958
تجليات ضعف الانفتاح على الأرشيف القومي عند المثقفين: الدكتور مجدي الجزولي نموذجاً
الدستور وقضايا التهميش
المرأة أكبر من هُمش في الأرض
عن مؤلف الكتاب
الدكتور عبد الله الفكي البشير كاتب وباحث وأكاديمي سوداني تجئ كتاباته ضمن مشروع بحثي ينطلق من رؤية نقدَّية للإرِثِ السِّياسي والفِكْري في السُّودان – بشكلٍ خاص – وفي الفضاء الإسْلامي والإنساني بشكل عام. كما له بحوث في التاريخ والسياسة والفكر، مع اهتمامات بالشؤون السودانية وقضايا القرن الأفريقي بالإضافة لانشغاله بسرديات القرون الوسطى العربية والإسلامية.
لقد خصص عبد الله جل وقته ونشاطه لمشروع بحثي مفتوح ومستمر موضوعه ومحوره هو الفهم الجديد للإسلام لصاحبه الأستاذ محمود محمد طه، الذي طرح مشروعه في الخرطوم مساء 30 نوفمبر 1951، وأخذ يفصل فيه، ويدعو له حتى صبيحة 18 يناير 1985. وللدكتور عبد الله العديد من الكتب والتي كان أولها سفره الذي حمل عنوان: صاحب الفهم الجديد في الإسلام محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، (2013)، وقد أتبعه بعدد من المؤلفات، منها: كتاب بعنوان: المؤسسات الدينية: تغذية التكفير والهوس الديني (20 22). كما حُظيت بعض مؤلفاته: كتب وأوراق علمية، بالترجمة إلى اللغة الإنجليزية، منها على سبيل المثال لا الحصر، كتاب بعنوان: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حرية محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن (مقاربة)، 2022. وله عمل مستمر في تقديم المحاضرات، والمشاركة في المؤتمرات والندوات وغيرها من الأعمال التي تصب في ذات المجال.
مدخل
السودان قطر قديم عميق الحضارة، شاسع مترامي الأطراف، متعدد الشعوب والثقافات والديانات واللغات، عانى ولا زال يعاني من النكبات والنزاعات والصراعات، والتي تحولت في العديد من أطرافه إلى نزاعات مسلحة، وإن بدت هذه الصراعات والثورات لدي الوهلة الأولى، ظاهرة سلبية؛ إلا أنها علامة صحة وصرخة مدوية علت وتتعإلى كل حين من أصحاب المظالم والمُهملين تعبيراً عن معاناتهم، في محاولة لإسماع أصواتهم، والمطالبة بحقوقهم، وهي أصوات ومطالب مستحقة ومشروعة لشعوب مناطق عانت ولازالت تعاني من الإهمال. لم تجد هذه الأصوات المتعالية الاستجابة لها والتفاعل معها، بل وجدت الإهمال من جُل حكومات ما بعد الاستقلال، على اختلاف نُظمها، ديمقراطية كانت أم عسكرية على حد سواء. وعلى الرغم من بعض فترات السلام وبوارق الأمل والإنارات البسيطة هنا وهناك والتي سرعان ما انطفأت ليحل مكانها ظلام اليأس الذي دفع أصحاب المظالم لرفع السلاح من جديد في مواصلة لمحاولاتهم لنيل ح قوقهم وفرض واقع يضمن لهم العيش بكرامة. تلك الإنارات تمثلت في اتفاقية أديس أبابا عام 1972 والتي كانت بين حكومة انقلاب 25 مايو برئاسة جعفر محمد نميري، وحركة أنانيا الأولى بقيادة الفريق جوزيف لاقو، والتي انهارت بعد إصدار حكومة المركز لقوانين سبتمبر 1983 (فيما سُمي بالشريعة الإسلامية)، والتي جعلت من غير المسلم مواطن من الدرجة الثانية. والبارقة أو الإنارة الثانية كانت اتفاقية السلام الشامل في العام 2005 بين حكومة السودان (حكومة المؤتمر الوطني) والحركة الشعبية لتحرير السودان، والتي أعقبها استفتاء وجاءت نتيجته بخيار انفصال الجنوب الذي تم في 15 يناير 2011. لم تقتصر هذه المظالم وهذا الإهمال على جنوب السودان وحده بل عانى غرب السودان بصورة كبيرة من كل أشكال الإهمال والحرمان، والمعاناة التي حرمت إنسانه من أبسط الحقوق التي تكفل له الأمن وبسيط عيش. طال الإهمال إقليم دارفور وجبال النوبة وكذا الحال في الإنقسنا والنيل الأزرق ومناطق شرق السودان وغيرها، كل ذلك كان سبباً في استمرار الصراعات والحروب. وما الحرب الأخيرة التي اندلعت في 15 أبريل 2023 إلا نتيجة طبيعية لسوء إدارة وفشل الدولة والحكومات في إقامة دولة الحرية والعدالة والمساواة.
باتت حالة عدم الاستقرار في السودان والحروب مهدداً لوحدة البلاد ومؤشراً لانتشار الانقسام لدويلات. هناك العديد من الأوراق والأطروحات والمقالات والكتب التي تناولت حالة الظلم والتهميش لبعض أقاليم وشعوب السودان، في محاولات للإسهام في تعريف الحالة وتشخيصها وخلق حوار حولها نستصحب اليوم كتاب دكتور عبدالله الفكي البشير: محمود محمد طه وقضايا التهميش في السودان، والذي يتناول موضوع التهميش وقضاياه ويقدم الحلول لها من رؤية الأستاذ محمود محمد طه. جاء الكتاب في سبعة فصول. وقف الفصل الأول عند: “صورة السودان في المخيلة العربية – الإسلامية (قراءة في سرديات القرون الوسطى العربية– الإسلامية)”. وركز الفصل الثاني على: “مفهوم التهميش: النشأة والتطور”. تناول المؤلف مفهوم التهميش، وبين الفترة التي برز فيها والاهتمام بفكرة الهامش Margin والتهميش Marginalization والتي برزت خلال الربع الأخير من القرن الماضي، وأصبحت تُناقش اليوم في حقول معرفية متنوعة، من بينها الاقتصاد والتنمية وعلوم الاجتماع، والاقتصاد السياسي، والتحليل النفسي، وتحليل الصراعات، ومشكل الهوية، وبشكل أخص دراسات التنمية، وغيرها. وأوضح المؤلف بأن موضوع الهامش والهامشي احتل مكانة مركزية في علم التاريخ الجديد، الذي ظهر في فرنسا عام 1978. وبيَّن أول ظهور لمصطلح التهميش في العالم، أما عن دخول مصطلح الهامش لأول مرة في السودان، يري عبد الله أن جميع الدراسات السودانية المعنية بقضايا الهامش والتهميش، وكذلك المهتمون بتحليل الصراع الثقافي والسياسي في السودان تلتقي في أن دخول مصطلح الهامش في السودان يعود للمفكر الأفريقي على مزروعي (1968-2014)، عندما تناول مكانة السودان في أفريقيا، وذلك في مؤتمر عقد في الخرطوم عام 1968.
تناول عبد الله أطروحة المزروعي ببعض التفصيل، ويري بأن الأطروحة قد ألقت بظلالها على حوار الهامشية والتهميش ودفعت بالحوار إلى آفاق جديدة. ويذكر عبدالله بأن أطروحة مزروعي مقروءة مع تطور الحوار في العالم عن التهميش والهامش، وتوسع تأثير علم التاريخ الجديد، ساهمت في دخول مفهوم التهميش للتداول في القاموس السياسي والثقافي، وفي تحليل الصراعات في السودان.
بيَّن دكتور عبّد الله بأن استخدام مصطلح الهامشية والتهميش قد ظهر في منفستو الحركة الشعبية لتحرير السودان في بيانها الصادر بتاريخ 31 يوليو 1983، والذي مثل رؤية الحركة لقضايا السودان الجديد، وتضمن تشخيص الحركة لقضايا السودان وكيفية حلها والخروج منها، حيث ظهرت مصطلحات “المناطق المهمشة” و “المجموعات المهمشة” و “المناطق الرعوية الهامشية”. كما وردت الإشارة للمركز “المركز المهيمن سياسياً واقتصادياً وثقافياً”.. وأشار بيان الحركة الشعبية كذلك للظلم الذي وقع على المرأة، وأنها كانت أكثر تهميشاً.
الحوار حول أطروحة المركز والهامش
تناول دكتور عبد الله أطروحة المركز والهامش في إطار دراسته لمواقف الأستاذ محمود محمد طه من قضايا التهميش، وهي قضايا التنمية والدستور والشريعة الإسلامية / التشريع الإسلامي ونظام الحكم والفشل في إدارة التعدد الثقافي، ودور المعرفة الاستعمارية، وعروبة السودان، والثقافة العربية الإسلامية، والمرتكز الحضاري للسودان، وأزمة الهُويَّة والذاتية السودانية. وفي هذا تطرق الدكتور عبد الله الفكي البشير لطرح كل من دكتور محمد جلال هاشم، ودكتور أبكر إسماعيل، ومدى تفاعل النقاد والمحللين والباحثين مع طرحهما وعن ذلك كتب: “حظي طرح كل من محمد جلال هاشم، منهج التحليل الثقافي: صراع الهامش والمركز، وطرح أبكر إسماعيل: جدلية المركز والهامش: قراءة جديدة في دفاتر الصراع في السودان، ببعض النقاش والنقد إلا أن الطرح لم يجد ما يستحقه من الحوار والنقد”.
مفهوم التهميش عند الأستاذ محمود محمد طه
خلص المؤلف من خلال دراسته لمشروع الأستاذ محمود محمد طه، من خلال كتبه ومحاضراته وأحاديثه. إلى أن الأستاذ محمود محمد طه لم يستخدم مصطلحات الهامش والتهميش والمهمشين ومشتقاتها، وإنما وردت عنده مصطلحات: “المستضعفون “، و “الذين استضعفوا ” و “المظلومين “، “و المغلوبون”، و”المهضومين “، و و “المساكين “، و “الفقراء “، و “المسترقون”، و”المستعبدون”، و “المُستذلون”. كما أن جميع هذه المصطلحات جاءت بتكرار متفاوت، منذ إعلان مشروعه الفهم الجديد للإسلام، في 30 نوفمبر عام 1951، في كتبه، ومقالاته، ومحاضراته، ورسائله، واللقاءات الصحفية معه. كما أشار إلى شرائح المستضعفين/ المهمشين، ومنهم العمال والفلاحون والأطفال والنساء والرجال. وأما المرأة، فهي عند الأستاذ محمود، أكبر من أُستضعف في الأرض . وأكد دكتور عبد الله أن جُل هذه المصطلحات واردة إما في القرآن الكريم أو السنة النبوية.
ويري دكتور عبّد الله أن معنى الاستضعاف والذي يعني القهر والذل، والمستضعفين، التي وردت في القرآن الكريم، والتي استخدمها الأستاذ محمود محمد طه، والتي وردت كثيراً عنده، هي كمصطلح، أشمل وأدق في التعبير عن حالة الدونية (التي يعمل الجميع على وصفها ومن ثم معالجتها) من مصطلح المهمشين .والذي يعطي معني الإهمال والعزل وعدم إعطاء الأهمية أو الاهتمام المباشر. اختار دكتور عبد الله الأخذ بمصطلح المهمشين، وسبب ذلك بقوله : “وبما أن الأمر في مصطلحي (المستضعفين) و(المهمشين) يتصل بالوصف لوضعية والتشخيص لواقع، والتعبير عن حالة الدونية والقهر والذل والعزل والإهمال ، فإننا؛ ولغرض الدراسة والتحليل في هذا الكتاب ، سنأخذ بمبدأ التطابق في المعنى بين مصطلحي (المستضعفين) و(المهمشين) وما يشتق منهما ، وتطابق كذلك مصطلح (المظلومين)”.
محمود محمد طه: “العمل في نصرة المظلومين عبادة”
يقول دكتور عبد الله: “أوضح محمود محمد طه أن مشروعه: الفهم الجديد للإسلام، جاء (لنصرة المظلومين)، وكذلك جاءت في رواية أخري (لنصرة المهضوم والمظلوم)”. وذكر المؤلف مع بعض التفصيل بأن العمل في نصرة المظلومين والمستضعفين والمهمشين، عند الأستاذ محمود محمد طه، هو عبادة، ذلك لأنها استجابة لداعي الله، وذلك استناداً لقول الله تبارك وتعإلى :( وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا). ويرى عبد الله بأن: “نصرتهم تجد الاهتمام الشديد، عنده، تتويجاً للمجهود البشري الذي ظل عبر تاريخه الطويل، يسعى إلى إنصاف المستضعفين، والمهمشين والمظلومين على الأرض، بالقضاء على أسباب التفرقة، والتناحر، وإقامة العدل، والمحبة”. ظل الأستاذ محمود محمد طه يعمل على نصرة المستضعفين والمظلومين/ والمهمشين، منذ بداية إلزامه لنفسه الدفاع عنهم، منذ قيام حزبه، الحزب الجمهوري، في العام 1945، ثم مروراً بإعلانه عن مشروعه، الفهم الجديد للإسلام/ الرسالة الثانية من الإسلام، وظل يعمل في سبيل ذلك حتى يوم تجسيده لمعارفه على منصة الإعدام صبيحة 18 يناير 1985.
هامشية السودان وتهميش المجموعات والثقافات والمناطق
وصف الدكتور عبد الله التهميش في السودان أنه مُركب، تعيش فيه بعض الثقافات والجماعات والمجموعات الإقصاء والتهميش، كما أن السودان نفسه قد خيم عليه التهميش من قبل محيطه العربي الإسلامي. وقد سمى بعض الباحثين هذا الوضع بهامشية السودان. فعلى الرغم من أن السودان كان مركزاً للحضارات منذ عهد كوش (350م-750 ق.م) إلا أنه قد أصبح مهمشاً من قبل محيطه العربي والإسلامي. ويُرجِع عبد الله جذور ومنبع ذلك التهميش إلى نحو ثلاثة عشر قرناً، عندما قدم الرحالة والجغرافيون العرب المسلمون، صورة سلبية في وصفهم للسودان وأهله في كتاباتهم، التي كانت أول نصوص تكتب باللغة العربية. ثم تسربت تلك الصورة السلبية إلى المخيلة العربية/الإسلامية، ولا تزال تلك الصورة السلبية حية وفاعلة وتظهر بصور مختلفة. وقد فصَّل عبدالله في ذلك، ضمن الفصل الأول: “صورة السودان في المخيلة العربية- الإسلامية (قراءة في سرديات القرون الوسطى العربية– الإسلامية)”، من كتابه.
أما عن الطرف المُشرق والأمل المستبشر للسودان ومستقبله، يحدثنا المؤلف عن رؤية الأستاذ محمود محمد طه تجاه السودان والأمل المرتقب، من خلال محور في الكتاب، جاء موسوماً بـ: “السودان: من الهامشية إلى مركز دائرة الوجود”.
السودان: من الهامشية إلى مركز دائرة الوجود محمود محمد طه: “عند مُنقلب الرِعاء، تسبق الشاة العرجاء”
أوضح دكتور عبد الله بأن تعريف السودان عند الأستاذ محمود محمد طه، يختلف عما درج الناس عليه، فكتب عبدالله، قائلاً:
“إن تعريف السودان عند محمود محمد طه، لا يُلتمس من طبيعة علاقته بمحيطه العربي الإسلامي أو الأفريقي، ولا يُشخص من خلال ارتكازه على مُرتكز حضاري أو ثقافي خارجي، كالمرتكز العربي والإسلامي أو غيره، وإنما يتم تعريف السودان انطلاقاً من ذاتيته. فالسودان، عند محمود محمد طه، باعتبار دوره المُرتجى، هو مركز دائرة الوجود على الكوكب، فهو يقول: أنا زعيم بأنّ الإسلام هو قِبلةُ العالم منذُ اليوم وأن القُرآنَ هو قانُونُه وأنَّ السّودان إذ يُقدّم ذلك القانون في صورِتِه العمليّة المُحقِّقة للتّوفيق بين حاجة الجّماعةِ إلى الأمنِ وحاجةِ الفردِ إلى الحّريّة الفرديّة المُطلقة هو مركز دائرة الوجود على هذا الكوكب”.
وفي توضيحه للإسلام الذي هو قبلة العالم والذي يُرتجى منه تقديم تلك الصورة العادلة والمُشرقة للسودان وللعالم يواصل دكتور عبد الله مبيناً، فكتب، قائلاً: “فالإسلام الذي هو قبلة العالم، والمنتظر من السودان تقديم قانونه في صورته العملية، ليس هو الإسلام كما يفهمه الناس اليوم، وإنما هو الإسلام بفهم جديد. فقد طرح محمود محمد طه الفهم الجديد للإسلام منذ عام 1951. وبين معالمه، وفصله، وحدد غاياته، وأهداه إلى الإنسانية”.
وهذه الدعوة هي دعوة لمدنية جديدة إنسانية دستورها (القرآن) في مستوي آيات الأصول وهي (الآيات المكية) ، وهو المستوى الذي يصلح لمواجهة تحديات العصر وحاجة الإنسان، حيث التوفيق بين حاجة الجماعة إلى الأمن وحاجة الفرد للحرية الفردية المُطلقة، حيث الإسماح والسلام والخطاب الكوكبي، وهي آيات تخاطب الناس كافة (يا أيها الناس)، وهو مستوى أرفع من القرآن في مستوى (الآيات المدنيّة ) آيات الفروع ، حيث الإكراه وتشريع القرن السابع الهجري، فهي قد كانت تناسب طاقة ذلك الوقت. ويوضح عبد الله بأن هذه المدنيّة الجديدة الإنسانية عند الأستاذ محمود، تري “أن الأسرة البشرية وحدة وأن الطبيعة البشرية حيث وجدت فهي بشرية وأن الحرية و الرفاهية حق مُقدس طبيعي للأسود والأبيض والأحمر والأصفر”، كما يوضح أن الإسلام عند الأستاذ محمود محمد طه، فكر متطور ولا يجمد على صورة واحدة، لا في التشريع ولا في الأخلاق، إلا حين تعجز العقول عن الانطلاق معه. ولهذا كان تطوير التشريع أحد مرتكزات الفهم الجديد للإسلام.
ويؤكد دكتور عبد الله، بإن الإيمان بالسودان عند الأستاذ محمود محمد طه، لا حد له، فالسودان إذ يقدم الفهم الجديد للإسلام للإنسانية، لن يعاني من الهامشية، فبالإضافة إلى كونه مركز دائرة الوجود، فإنه سيصبح من الروافد التي تضيف إلى ذخر الإنسانية ألواناً شهية من غذاء الروح وغذاء الفكر إذا آمن به أبناؤه.
نلتقي في الحلقة القادمة.
قراءة في كتاب محمود محمد طه وقضايا التهميش في السودان (1-5)
altaghyeer.info