خبر ⁄سياسي

معارك طاحنة لكنها بلا ضجيج.. هكذا يخوض العالم حروبه السيبرانية

معارك طاحنة لكنها بلا ضجيج.. هكذا يخوض العالم حروبه السيبرانية

لم تعد الحروب تعتمد بشكل أساسي على الجيوش الاعتيادية بما لديها من طائرات وصواريخ وقنابل كما كانت سابقا بعد أن أصبحت التكنولوجيا توفر حروبا أكثر ضراوة وأقل كلفة، والأهم من ذلك أنها طاحنة لكنها تدور دون ضجيج.

فقد أصبحت الحرب السيبرانية المتعددة الساحات تسيطر على العقلية العسكرية للعديد من الدول التي أسست جيوشا جرارة تجلس خلف الحواسيب بحثا عن ثغرة قد تتيح لها فرصة إلحاق هزيمة ساحقة بخصم مدجج بالسلاح بكبسة زر.

ووفقا لفيلم "حروب المستقبل" الذي أعدته منصة الجزيرة 360 وتمكن مشاهدته على هذا الرابط، لم تكن الحرب السيبرانية حاضرة في العقلية السياسية والعسكرية قبل أن يشاهد الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان -قبل 40 عاما- فيلم "ألعاب الحرب" (WAR GAMES) الذي يتناول قصة شاب تمكن من اختراق حاسوب عسكري حساس بحثا عن لعبة إلكترونية كان مهووسا بها.

لكن الشاب -ودون أن يعرف- قام بتفعيل الترسانة النووية الأميركية ضد السوفييت، ليضع الكوكب على حافة حرب عالمية ثالثة.

وفور مشاهدته الفيلم، سأل ريغان مستشاريه عما إذا كان بإمكان أحد اختراق الأجهزة الأميركية الحساسة ليأتيه الرد الصادم بأن الأمور "أسوأ مما تتصور".

الخيال يتحول إلى واقع

بعد 5 سنوات فقط من هذه الواقعة، تلقى ريغان ردا عمليا على سؤاله هذه المرة بعد أن طوّر طالب جامعي يدعى روبرت موريس -دون قصد- دودة خبيثة تنسخ نفسها من جهاز كمبيوتر لآخر مما تسبب في تعطل 6 آلاف جهاز عن العمل في يوم واحد.

كانت "دودة موريس" هي اللحظة التي نشأت فيها جبهة قتال جديدة غير معتادة في الحروب التقليدية، وقد اكتسبت هذه الساحة اسمها على يد كل من جون أركويلا وديفيد رونفيلدت الباحثين في مؤسسة "راند" القريبة من البنتاغون، واللذين حذرا عام 1993 من أن "الحرب السيبرانية" قادمة.

يقول أركويلا -الذي يعمل حاليا بروفيسورا فخريا لتحليل الدفاع في كلية الدراسات العليا البحرية الأميركية- إنهما كانا قلقين بالفعل مما يجب على الجيوش فعله حتى تتمكن من التكيف مع هذا التطور في تكنولوجيا المعلومات.

ويضيف أنه وزميله كانا يعرفان أن الجيوش ستكون قادرة على إلحاق أضرار أكبر بالعدو مع اشتباك أقل.

انتصارات بلا معارك

يقول سان تزو في كتابه "فن الحرب" إن أعظم انتصار هو الذي لا يحتاج إلى معركة"، وهذا بالضبط ما يحدث في الحرب الإلكترنية التي يتمثل أكبر مخاطرها في أنها ليست حربا صاخبة تدور رحاها على الأرض، وإنما هي حرب صامتة تندلع دون ضجيج في الفضاء السيبراني وقد تدور رحاها لسنوات يسقط خلال ملايين الضحايا -بشكل أو بآخر- دون أن يشعر بها أحد.

ففي هذا النوع من الحروب، يكون كافة الأشخاص -بمن فيهم أنت- عرضة لمختلف أنواع الهجمات وأكثرها فتكا، رغم أن كل ما يتحرك في الفضاء من دود ليس مضرا بالضرورة.

ورغم أن هوليود ساعدت ريغان على التنبؤ مبكرا بما يمكن أن تكون عليه الحرب المستقبلية ودفعته لتسليم ملف أمن المعلومات لوزارة الدفاع وسنّ قوانين للتعامل مع هذا التهديد المحتمل فإن صورة المخترق التي تعرضها حتى اليوم لا تزال بعيدة جدا عن صورته الحقيقية.

تكاد السينما العالمية تحصر المخترق في ذلك الشخص المعارض للحكومة الذي يرتدي قناعًا وزيًا أسود ويرتكب أفعالا بحسن نية لكنها قد تؤدي لعواقب وخيمة. لكن الحال ليست هذه في الحقيقة حيث يتميز من يقومون بهذه الأمور بذكاء استثنائي وهم يرتدون زيًا رسميًا ويحصلون على رواتب وامتيازات وحماية من حكومة البلد الذي يشغّلهم.

في الواقع، يجلس هؤلاء الجنود -الذين لا ينزلون إلى أرض المعركة- خلف حواسيبهم مرتدين قبعات بـ3 ألوان مختلفة هي السوداء للهجوم، البيضاء للدفاع، والرماية التي تعني الوقوف على الحياد. وفي كثير من الأحيان ينزع المدافع قبعته البيضاء ويضع السوداء بدلا منها لينغرس كغيره في وحل المعركة.

كيف تدار الحرب السيبرانية؟

الصين: التجسس والحصول على المعلومات. الولايات المتحدة: بشن هجمات فعلية على الأرض دون تدخل عسكري. روسيا: شل البنية التحتية والسيطرة على وسائل التواصل لإطلاق الشائعات. إيران: استهداف الشركات الكبيرة ورجال الأعمال. كوريا الشمالية: السطو المالي.

ومهما تعددت الإستراتيجيات والتكتيكات فهناك نموذج لهذه الحرب يتبعه الجميع: سلسلة القتل السيبراني وهي سلسلة مكونة من 6 حلقات متصلة: الاستطلاع، التسليح، التسليم، الاستغلال، التثبيت الإلكتروني، ثم القيادة والسيطرة.

ومهما كان لون قبعتك فيجب عليك أن تفكر انطلاقا من هذا النموذج، فإما أن تحاول إكمال السلسلة إن كنت تضع القبعة السوداء وإما أن تكسرها إن كنت من واضعي القبعات البيضاء، أو أن تتابع الفريقين لاختيار موقعك النهائي إن كنت ممن يضعون القبعة الرمادية.

ثمة مقولة شهيرة لبطل الملاكمة العالمي مايك تايسون وهي أن "الكل لديه خطة حتى يتلقى لكمة في أنفه". هذا ما يحدث في الحرب السيبرانية أيضا لكن اللكمة في الحرب السيبرانية لن تنتهي بسقوط لاعب مضرّج بدمه بزاوية الحلقة، وإنما ستظل متخفية في الظلام وسيظل من تلقّاها ينزف ربما لسنوات دون أن يشعر.

التشبيه السابق هو ما حدث بالضبط مع عملاق الإنترنت الأميركي مايكروسوفت عندما بقيت 5 سنوات غافلة عن ثغرة في نظام مشاركة الملفات بنظام ويندوز قبل أن تكتشفها وكالة الأمن القومي الأميركية لتستخدمها في الهجوم على دول أخرى.

لاحقا، تم اختراق وكالة الأمن القومي الأميركي ذاتها وتسربت الثغرة وبيعت للروس الذين أطلقوا من خلالها هجوم "نوت بيتيا" الشرس على أوكرانيا عام 2016.

يقول أركويلا إن غالبية الأشخاص معرضون لهذه الحرب طيلة الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي حيث يتم تحريضهم ضد حكوماتهم كجزء من الحروب السياسية، فضلا عن أن معلوماتهم الرئيسية خاضعة للمراقبة على نحو ينتهك خصوصيتهم التي تتحول إلى سلعة بمنتهى البساطة.

في الأخير، يظل الإنسان هو الحلقة الأضعف في هذه الحرب التي يتورط فيها دون أن يشعر وهو ممسك بهاتفه أو جالس خلف شاشة حاسوبه الخاص كرقم بين ملايين الأرقام المتناثرة في ساحة المعركة. وحتى لو لم يكن راغبا في نزول هذه الساحة، فإنه قد يجد نفسه في القلب منها بسبب فضوله لمعرفة بقية قصة ما أو بحثه عن صورة أو مشهد ما، وربما بسبب الطمع البشري في تحصيل مكاسب كبيرة بكبسة زر، وقبل هذا كله بسبب عدم اهتمامه باختيار كلمة سر تجعله محصّنا نوعا ما ضد هذه الأسلحة غير المرئية.

aljazeera.net

join channel



لمشاركة الخبر عبر شبكات التواصل