خبر ⁄سياسي

التعافي الوطني شروطه وضرورته 1

التعافي الوطني شروطه وضرورته 1

التعافِي الوطني شروطه وضرُورته «1»

ورقة مُساهمة مُقدمة من:

نضال عبد الوهاب

لكل الشعب السُوداني وقواه السياسِية وفصائله الفاعِلة…

فتحت هذه الحرب الحالية، أو ما أُصطلح على تسميتها بحرب الخامس عشر من أبريل باباً للعديد من الأسئلة الهامة، والتي دون شك تحتاج إجابات، وبرُغم أنها ليست الحرب الأولى أو الوحيدة في السُودان، وقد سبقتها عدد من الحروب، والتي لم تتوقف في السُودان ومُنذ استقلاله إلا في فترات محدودة جداً، شهدت استقراراً وسلاماً، ولكنه لم يكُن سلاماً دائماً، وبعد كل توقيع لاتفاق سلام، تعود بعده الحرب أشدّ وأشرس، وقد حدث هذا في حرب الجنوب التي امتدت على فترات وكانت الحرب الأطول، ثم حرب دارفور المُستمرة مُنذ أكثر من 20 عاماً إلى الآن، وحروبات أقاليم النيل الأزرق وجنوب كُردفان وجبال النوبة، إضافة إلى الشرق، بينما تميّزت عنهم الحرب الحالية بأنها حرب شاملة، امتدت وبدأت بالمركز في الخرطوم ثم إنتقلت إلى أجزاء واسعة أخرى في دارفور والجزيرة وجنوب وغرب وشمال كردفان والنيل الأبيض وإقليم النيل الأزرق، ولاتزال مُستمرة حتى اللحظة.

أهمّ الأسئلة التي أوجدتها هذه الحرب هي هل سيستمر السُودان بذات القوام السياسِي وذات الطريق للحُكم؟، حتى وإن قُدر لأحد الطرفين المُتقاتلين تحقيق انتصار عسكري على الآخر؟، وهل سيستمر السُودان بذات التركيبة السُكانية خاصة بعد هجرة ونزوح الملايين؟، وهل سيحل آخرون من مناطق أخرى مكانهم (تغيير ديمُغرافي)؟، وهل سيستمر السُودان بذات أجزائه وحدوده الحالية؟، أم سيفرض واقع الحرب تقسّيماً جديداً لأقاليم ظلت في حالة من عدم الاستقرار والصراعات المُسلحة حتى قبل الحرب الحالية؟، وهل سيتم التقسيّم على أساس السيطرة على الأرض للأطراف المُتحاربة وشرّعية الأمر الواقع لكليهما؟، وخلق واقع يعترف ويتعامل معه المجتمع الدولي؟، أم سيتم هذا بالاتفاق والتفاوض بين الأطراف المُتحاربة؟، هل سيتعامل السُودانيون مع واقع جديد يُفرض عليهم ويقبلوا بذلك؟، سواء بالتقسيّم، أو حتى الاحتلال، أو بالقبول بالهجرة عنه والنزوح والبحث عن أوطان بديلة؟، هل سيستسلموا أو من تبقى منهم لعودة الإسلاميين والكيزان لسُلطة الامر الواقع العسكرية المُستبدة مرة أخرى؟، أم هل سيقبل السُودانيون بمليشيا الجنجويد والدعم السريع كسُلطة أمر واقع إن هي وجدت دعماً دولياً أو قبول خارجي؟، أم هل سيقبل السُودانيون بطرفي الحرب معاً حتى وإن شاركوا المدنيين في السُلطة والحُكم مرة أخرى؟، هل سيتخلى السُودانيون عن الثورة وحُلمهم في التغيير على أن تتم مُقايضة ذلك بالأمن كما يحاول العسكر وبعض الإسلاميين والكيزان فرض ذلك عليهم من خلال مُعطيات الحرب الحالية ومآلاتها ونتائجها التي يسعون إليها والقضاء على الثورة؟، هل سيتعامل الشعب السُوداني مع قوى سياسِية يعتقد البعض أنها شريكة في الحرب الحالية وتدعم أطرافها؟؟، والسؤال الكبير والجامع هو إذاً هل سيكون السُودان وبعد هذه الحرب الحالية كما كان قبلها؟؟؟.

سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة، والمحاولة للوصول لنتائج تفيّد وتخدم قضايا وقف الحرب واستدامة السلام والاستقرار والتغيير للأفضل في بلادنا.

لاشك أن تاريخ الصرّاع السياسِي طويل في السُودان ومُعقد ومُتشعب، وأن جوهر هذا الصرّاع ظلّ يتخذ طابع الصرّاع على السُلطة والثروة والموارد في السُودان، ولكنه ليس محصوراً فيها فقط، فقد اتخذ أوجه أخرى من الصرّاع، صرّاع ثقافي وإجتماعي وديني، نتيجة للتنوع الكبير والتعدد الإثني والقبلي، ورغم التاريخ المُشترك والتعايش الكبير بين كافة المكونات السُودانية، ولكن لوجود بعض التمييز والتفريق وكنتيجة رئيسية للسيطرة على السُلطة واحتكار الوظائف والهيمنة الاقتصادية، وإفرازات الأنظمة المُتعاقبة الحاكمة سياساتها، وغياب الديمُقراطية والدستور الوطني الديمُقراطي والاحتكارية السياسِية والخلل في السياسات واختلالات التنمية وغياب العدالة وعدم توفر مشروع وطني تفلح معه الإدارة الصحيحة للتعدد والتنوع في السُودان، ظهرت الفوارق والاختلالات والتمييز، وغياب العدالة الإجتماعية، مما أنتج الفقر والتهميش والبطالة، وفي ذات الوقت لعب الصرّاع حول السُلطة حصرها في فئات سياسِية وإجتماعية مُحددة، ولعب الموروث الإجتماعي والثقافي أدوار سالبة في تكريس الطائفية والتمييز على الأساس الأُسري والإجتماعي والقبلي، ثم على أساس الهوية والمناطقية والثقافة والدين، وكُل هذا ولّد صراعات سياسِية ثم أدى لرفع السلاح وتحول الصرّاع إلى صراعات مُسلحة وحروب مُشتعلة ومُستمرة، وبالتالي ضحايا وضعف عام للدولة في وجود كافة إفرازات الحروب السالبة، ففشلنا بالمجموع وطوال الحقب السابقة في وضع الطريق لسُودان مُستقر سياسِياً، فكان الناتج سُودان غير ديمُقراطي، غياب الدستور الوطني الديمُقراطي، فُتح الباب مُشرّعاً وبسبب عدم الصبر على الديمُقراطية وعدم القبول بالآخر أمام الاستبداد السياسِي والحُكم العسكري الديكتاتوري الشمولي، وحُكم القِلة والفرد، فظهر القمّع والبطش والقهر وكبت الحريات التي صاحبت كُل الأنظمة العسكرية التي حكمت بلا استثناء إبتداءً بحكم الفريق عبود مروراً بمايو وانتهاءً بنظام الإسلاميين في 1989 بانقلابهم ثم حتى إلى عهد ما بعد الثورة المُتمثل في البرهان وحميدتي والمكون العسكري الميلشياوي.

وحتى الفترات القليلة التي كانت فيها أنظمة ديمُقراطية عانت من عدم الاستمرارية، والتطوير والصبر عليها، وعانت كذلك من الفهم الخاطئ للديمُقراطية نفسها وسلوكها الصحيح في الأفراد والدولة، وكانت بها هي نفسها العديد من التشوهات، نتيجة لوجود أحزاب تقليدية وموروثة وذات أساس طائفي وبيوتات، لم تمارس العدالة في الحُكم ولا في وضع دستور ديمُقراطي به كافة حقوق المواطنة المتساوية الحقيقية، بل مالت في خلق التقسيّم والتمييز، وأدخلت الدين والهوية واللغة في الصرّاع السياسِي، في بلد لا يصلح أن يتم حكمه بدستور ديني، ولا بهوية أُحادية تُفرض على الجميع المتنوع المُختلف، فكان الدين نفسه أحد أدوات الصرّاع السياسِي والذي تم به إجهاض الديمُقراطيات والتأسيس والتكريس للإقصاء والعزّل السياسِي وعدم القبول بالآخر المُختلف، ونسف مبادئ الحريات في العقيدة والتفكير والتنظيّم السياسِي، كُل هذه الأخطاء صاحبت التجارب القليلة الديمُقراطية، وميّزت الأحزاب السياسِية خاصة التقليدية الدينية والطائفية، فشهدنا ديمُقراطيات كسيحة ومنقوصة ومُختلة وهشة، وسلوك بعيد عن الديمُقراطية وعدم مؤسسية، حتى داخل الأحزاب السياسِية، فتحت الباب نحو الفساد والمحسوبية، وانعكس ذلك في السياسات المُتبعة، وآثارها على الاقتصاد والمجتمع، وتم تحزيب وتسييس المؤسسة العسكرية نفسها، ولأن الانقلابات العسكرية والأنظمة المُستبدّة الحاكمة بها كانت ليست حكراً على السُودان ولكنها كانت موجودة في كُل دول العالم الثالث وتلعب استخبارات الدول الكُبرى أيضاً أدواراً في تصديرها لتلك الدول وتحويلها لدول تابعة لها في مرحلة ما بعد الاستعمار وبعد الحرب العالمية وفترات التحرر الوطني ووجود المُعسكرين والقطبين الشرقي الاشتراكي الشيّوعي والغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المُتحدة والاتحاد السوفيتي، وإفرازات الحرب الباردة وحالة الاستقطاب العالمي، كُلها ساهمت أيضاً في خلق الأنظمة التابعة وعلى رأسها الأنظمة الانقلابية العسكرية، فتكامل إذاً في عدم الاستقرار السياسِي والصرّاع العاملين الداخلي والخارجي، وتأرجحت السياسات حتى للأنظمة العسكرية الانقلابية التي حكمت ما بين المُعسكرين الاشتراكي الشيّوعي والرأسمالي الغربي ومحاورهما، ولم نكن بعيدين كذلك ومُنذ زمن مُبكر لدخول النفوذ الإقليمي الاستخباراتي وسياسات الاحتواء، خاصة من مصر، وليبيا ثم تلتها لاحقاً دول الخليج العراق والسعودية والإمارات، قبل أن تدخل إيران وقطر وتركيا في الصورة خاصة في عهد الكيزان والإسلاميين، ثم دخول دول أخرى إقليمية في هذا الصرّاع وأسهمت في عدم الاستقرار السياسِي أو أوجدت بذور لتغذيته ولصالح دول كبرى أخرى، مثل يوغندا وكينيا وإثيوبيا وإريتريا وتشاد، أي معظم جيران السُودان والتي حول حدوده ما قبل الإنفصال للجنوب وبعده، ولا ننسى وجود إسرائيل كذلك القوى ومُعظم الصرّاع الذي نشأ في منطقتي الشرق الأوسط والبحر الأحمر إضافة للقرن الأفريقي.

كُل هذا العوامل والأسباب داخلياً وخارجياً أسهمت وساعدت في خلق عدم الاستقرار السياسِي للسُودان مُنذ استقلاله وإلى اليوم، وبفعل السياسات الداخلية للأنظمة المُختلفة المُتعاقبة في السُودان أعطت الفرصة للتدخلات الخارجية والإقليمية وحركة المصالح الدولية، والتي كان يتم تقديمها على مصالح بلادنا وسيادتها، ودخل الفساد السياسِي والاقتصادي المُرتبط بتلك الدوائر الخارجية، كُل ذلك أثر على بلادنا سلباً، ثم التحولات العالمية التي حدثت منذ حرب الخليج والحرب في العراق والغزو العراقي للكويت ودخول التحالف الدولي العسكري للمنطقة وتزامن ذلك مع السقوط المدوي للمُعسكر الاشتراكي ومرحلة العولمة وانتصار المُعسكر الغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المُتحدة وهيمنة القطب الواحد وظهور الليبرالية الجديدة ونمط الاقتصاد المُرتبط بها وهيمنة الشركات العابرة للدول والقارات، ثم محاولة فك هذا الاحتكار ودخول روسيا والصين في هذا الإتجاه كمنافس قوي للولايات المُتحدة وحلفائها، وللسيطرة على ثروات الشعوب خاصة الأفريقية ودول العالم الثالث، إضافة لإنجلترا وفرنسا وألمانيا أقوى الدول الأوروبية وأصحاب النفوذ فيها، ومحاولات التقسيّم على أساس النفوذ واحتكار الثراوت، وظهور المحاور الدولية والإقليمية، وبروز الدول النفطية الخليجية اقتصادياً ولكن مُتحكم في سياساتها وترتبط بذات الصرّاع الدولي الموجود، ومحاولات إسرائيل لتمديد نفوذها في منطقة الشرق الأوسط وشعار إسرائيل من النيل للفرات، فكانت اتفاقيات السلام الإبراهيمية وخلق التحالفات الإسرائلية والتي ظاهرها اقتصادي وثقافي ولكن أساسها عسكري لتمديد النفوذ والسيطرة، فظهرت سياسة الحرب بالوكالة، والقضاء على الثورات وإجهاضها، وجُندت أموال ضخمة للاستقطاب والاختراق الأمني والسياسِي، وشراء من يسهُل شراؤه، كل ذلك يدخل ضمن منطق الصرّاع الدولي والإقليمي من أجل المصالح والثروات والنفوذ والهيمنة عليها واحتكارها، والسُودان بهذا المنطق هو داخل للأسف وبقوة في هذا الصرّاع، وكنتيجة مُباشرة لسوء وضعف الأنظمة السابقة والحالية ومن هم كانوا ولايزالون يديرون المشهد، فتم جرّ السُودان للتبعية، ليتم فرض ما يريده الخارج الدولي والإقليمي بناءً على مصالحهم وليس لصالح بلادنا بالقطع وشعبنا وحاضرنا ومُستقبل الأجيال القادمة، فسناريهوات الاحتلال أو التقسيّم وفرض الوصاية وتكريس التبعية وإضعاف أو انعدام سيادتنا كدولة أساسها هو هذا التكالب الدولي الإقليمي ومخالبها هم للأسف من أبناء البلد مدنيين وعسكريين سواء بوعيّ منهم وقصد ومصالح ذاتية أو دونه.

ونواصل…

altaghyeer.info