خبر ⁄سياسي

اليونيسف: مقتل ما لا يقل عن 150 طفلا في دارفور منذ أبريل

اليونيسف: مقتل ما لا يقل عن 150 طفلا في دارفور منذ أبريل

قال ممثل اليونيسف في السودان شيلدون يات، إن الأطفال السودانيين ليسوا مسؤولين عن الحرب القائمة في البلاد منذ أكثر من سنة ونصف، ولكنهم هم ضحاياها بشكل أساسي، حيث يتعرضون للقتل والإصابة وقائمة طويلة من الانتهاكات الحقوقية، بالإضافة إلى سوء التغذية وانتشار الأمراض المعدية.

وفي حوار مع (أخبار الأمم المتحدة) من مدينة بورتسودان، تحدث السيد يات عن الصعوبات التي تواجه العاملين الإنسانيين في الوصول إلى المحتاجين، بما في ذلك سوء البنية التحتية والمسافات الشاسعة والمفاوضات مع الأطراف المتحاربة التي “تستغرق أسابيع”.

وقال إن السودان يواجه “أكبر حالة طوارئ تعليمية الآن”، على حد علمه، وسيكون لها تأثير عبر المجتمع السوداني “لأجيال قادمة”.

إلا أن مسؤول اليونيسف أكد أن هناك “نقاطا مضيئة” تُبشر بالأمل، مؤكدا أن المجتمعات المضيفة للنازحين داخليا تعمل انطلاقا “من طيبة قلبهم بأقل القليل” للوقوف إلى جانب أبناء وطنهم، وأن الآباء والأمهات يبذلون قصارى جهدهم لمنح أطفالهم فرصة للذهاب إلى المدرسة.

أجرى الحوار: عزت الفري

فيما يلي نص الحوار مع ممثل اليونيسف في السودان، الذي سألناه في البداية عن آخر المستجدات في شمال دارفور وتأثير تصاعد القتال هناك على الأطفال؟

القتال في دارفور شرس ومكثف ويؤثر على الأطفال في كل ركن من أركان دارفور، وفي الواقع في كل ركن من أركان البلاد. منذ أبريل، قُتل ما لا يقل عن 150 طفلا هناك، وأصيب العديد والعديد والعديد. إنه قتال وحشي للغاية. نسمع تقارير عن العنف القائم على النوع الاجتماعي والاغتصاب. نرى المدارس والمراكز الصحية تتعرض للقصف. لا يوجد في دارفور أي ركن أمان بالنسبة للأطفال.

في نهاية هذا الأسبوع فقط، تلقيت تقارير عن مقتل نحو 16 طفلا، ونحو 50 شخصا عندما تعرض سوق في شمال دارفور للقصف. وهذا أمر شائع إلى حد ما، للأسف.

الأطفال لم يبدأوا هذه الحرب. إنهم ليسوا من يخوضون هذه الحرب حقا. إنهم ليسوا مسؤولين عن هذه الحرب، لكنهم هم الضحايا.

* أردت أن أتحدث أيضا عن الأمراض المعدية التي تشكل مصدر قلق كبير في هذه الحرب. هل يمكنك أن تخبرنا بما تفعله اليونيسف للاستجابة لذلك؟

تعمل اليونيسف على ضمان سلامة الأطفال قدر الإمكان من المرض في السياق الحالي. لدينا تفش هائل للكوليرا يتوسع يوما بعد يوم. لدينا الآلاف والآلاف من الأشخاص الذين تأثروا بالمرض، ولدينا المئات الذين لقوا حتفهم. وبالطبع، نعمل على ضمان معرفة المجتمعات والأطفال لكيفية الوقاية.

نتأكد من إمكانية تطعيم أكبر عدد ممكن من الناس ضد الكوليرا. استأجرنا طائرة وأحضرنا حوالي 1.8 مليون جرعة من لقاح الكوليرا عن طريق الفم، وهو لقاح فعال للغاية. نعمل مع الشركاء ووزارة الصحة للتأكد من تطعيم أكبر عدد ممكن من الناس في أسرع وقت ممكن. ولكن الأهم من ذلك، علينا التأكد من حصول الناس على مياه شرب آمنة ونظيفة وصرف صحي جيد.

* كما تفضلت، الوصول الإنساني في السودان صعب بسبب الصراع. فكيف توزعون هذه اللقاحات في المناطق الساخنة؟

من الصعب للغاية الوصول إلى الأماكن التي نرغب في الوصول إليها في السودان لأسباب عديدة. فحجم البلاد هائل للغاية، حيث إنها أكبر من جزء كبير من أوروبا الغربية. وحتى قبل الحرب، كانت البنية التحتية ضعيفة.

نحن في موسم الأمطار الآن، وغالبا ما تكون الطرق عبارة عن مستنقعات مليئة بالطين. قد يستغرق الأمر أسابيع حتى تصل الشاحنات إلى أماكن توجهها. كما يتم قصف الجسور. نحتاج إلى إذن لنقل الإمدادات من جميع الأطراف المتحاربة. يجب علينا إدخال الإمدادات عبر الحدود من تشاد أو جنوب السودان، وعبر الخطوط الأمامية، للوصول إلى المجتمعات المحتاجة. وقد يستغرق ذلك أيضا أسابيع. يتعين علينا التفاوض في كل خطوة، والعمل مع أطراف متحاربة متعددة. وهي ليست مهمة سهلة.

* رأيت على موقع اليونيسيف أنكم جلبتم أول لقاحات للملاريا إلى البلاد. هل يمكنك أن تخبرنا لماذا كانت هذه أول شحنة على الإطلاق؟

بالطبع، لقاح الملاريا جديد نسبيا، والآن لدينا خطر كبير من الملاريا في هذا البلد. إن اللقاحات مهمة، ولكن الأنشطة الوقائية، بما في ذلك الناموسيات وجميع الطرق الأخرى للحفاظ على سلامة الأطفال، مهمة أيضا.

نعلم أن الملاريا هي واحدة من أكبر مسببات الموت للأطفال في أفريقيا، وخاصة في السودان. ونعلم أن الأنظمة المناعية لدى الأطفال في السودان ضعيفة، وهم يعانون من أمراض أخرى، وسوء التغذية منتشر في جميع أنحاء البلاد. لذا، فإن كل هذه الأشياء مجتمعة تجعل الأطفال معرضين للخطر بشكل خاص. وبالتالي، من الأهمية بمكان أن نواصل هذه الحملة.

* هذا يقودني في الواقع إلى سؤال آخر، لأنه تم إعلان المجاعة في مخيم زمزم شمال دارفور في أول أغسطس. كيف هو وضع الأمن الغذائي هناك الآن؟ وما هي التوقعات بشكل عام للبلاد.

في الأمد القريب، الوضع ليس جيدا. ما زلنا نواجه صعوبات هائلة في إدخال الموظفين والإمدادات والشاحنات والأغذية والمكملات الغذائية والمياه وإمدادات الصرف الصحي والإمدادات الصحية وكل الأشياء الأخرى التي تصاحب ذلك، أي الحزمة الشاملة للأطفال.

المسافات شاسعة والوصول صعب. وبصراحة، يجب علينا الحصول على كل تصريح يمكن تخيله، ويستغرق الأمر أسابيع من المفاوضات، وغالبا ما تتم المتابعة على جميع المستويات لتوصيل الإمدادات إلى حيث يجب أن تذهب. من الصعب للغاية القيام بذلك. هناك عوائق بيروقراطية. هناك قوات مقاتلة، ونحن بحاجة إلى إذن من السلطات لتوصيل إمداداتنا وموظفينا إلى حيث يجب أن يذهبوا. هذا أمر بالغ الأهمية إذا كنا سنقدم الدعم المطلوب للتصدي لهذه المجاعة.

* وكيف تبدو اتصالاتكم مع الأطراف؟

بالطبع، نحن على اتصال بالأطراف التي تتحكم في مصير الأطفال، والتي تتحكم في الوصول. نتحدث إلى الأطراف على كافة المستويات لضمان وصول الإمدادات. ولكن كما تعلمون، فإن الأمر يختلف عندما يقول شخص ما شيئا على مستوى عالٍ جدا، وعندما نرى أن هذه التعهدات تُنفذ على أرض الواقع، في ساحة المعركة. ما يهم حقا هو الرجل الذي يحمل سلاحا على الطريق ويسمح للشاحنة بالمضي قدما. وهذا ما نحتاجه.

* هل تعرضتم لأي حوادث حيث تم استهداف موظفي اليونيسف؟ هل كانوا في خطر مباشر؟

نعمل مع الشركاء، وبعض شركائنا تعرضوا لذلك. حتى الآن، لم يتعرض موظفو اليونيسف أنفسهم لذلك. ولكن هناك دائما خطر في السودان. نحن بحاجة إلى ضمان احترام جميع أطراف الصراع للقانون الدولي الإنساني، وحماية العاملين في المجال الإنساني وقدرتهم على تقديم الدعم اللازم للسكان المحتاجين. لا يمكن أن يحدث هذا إلا إذا احترمت جميع أطراف الصراع القانون الدولي الإنساني باستمرار. وهذا ما لا يحدث الآن.

* الاحتياجات كبيرة في السودان، ومن السهل للغاية تجاهل التأثيرات طويلة الأجل على الأطفال. ما هي بعض هذه التأثيرات التي تتوقعونها كيونيسيف، وما الذي تفعلونه للحد منها؟

دعونا نعود إلى الأساسيات. يركز الناس على المجاعة وسوء التغذية، وهم محقون في ذلك، ولكن هناك العديد من المكونات الأخرى لهذه الأزمة. حوالي 80 في المائة من الأطفال في هذا البلد لا يذهبون إلى المدرسة.

هذه حالة طوارئ هائلة. بحسب علمي، هذه أكبر حالة طوارئ تعليمية الآن، وسيكون لها تأثير عبر المجتمع السوداني لأجيال قادمة. الأطفال الذين لا يذهبون إلى المدرسة، بطبيعة الحال، هم أكثر عرضة لقضايا أخرى تؤثر على رفاههم. فهم أقل احتمالا للحصول على الدعم الصحي والحماية التي يحتاجون إليها.

نعلم أن هذه في نهاية المطاف أزمة حماية. نعلم أن التعليم، بطبيعة الحال، لا يوفر فقط التعليم الأكاديمي الذي يتوقعه الطلاب في الفصل الدراسي، بل يوفر أيضا بيئة واقية. علينا إيجاد السبل لإعادة الأطفال إلى المدارس. فالعديد من المدارس تعمل كمراكز للنازحين داخليا.

يتعين علينا إيجاد منازل أخرى لهؤلاء الأشخاص، حتى يتمكن الأطفال من استخدام الفصول الدراسية مجددا. ونحن بحاجة إلى ضمان عودة المعلمين إلى الفصول الدراسية، وحصول الأطفال على الإمدادات، وحصولهم على الدعم النفسي والاجتماعي. وكل هذه القضايا بالغة الأهمية.

يجب علينا أيضا تطعيم الأطفال. نرى أن الأطفال والأسر يتنقلون في البلاد من مكان إلى آخر، في كثير من الأحيان عدة مرات. وعندما ينتقل السكان، فإن الأمراض تنتقل بالطبع. لذا، فمن الأهمية بمكان أن نحصن الناس.

نحن بحاجة إلى إيجاد السبل للعمل من خلال وزارة الصحة، ومن خلال القائمة الطويلة من الشركاء، للتأكد من تحصين كل طفل. ولدينا الكثير من العمل الذي يتعين علينا القيام به في هذا المجال.

* أردت أن أتطرق مرة أخرى إلى التعليم. وكما قلت، هذه واحدة من أكبر الأزمات التعليمية في العالم، إن لم تكن الأكبر. ما الذي يتم القيام به الآن للتخفيف من حدتها بحلول الوقت الذي تنتهي فيه الحرب؟

هناك نقاط مضيئة. تمتلك بعض الولايات في البلاد مواردها الخاصة، وتفعل ما في وسعها لإعادة الأطفال إلى المدارس. هنا في بورتسودان، كنت سعيدا جدا بالذهاب مع المحافظ وفتح المدارس هنا. تستخدم الولاية مواردها الخاصة للقيام بذلك، وتحاول حقا تلبية الاحتياجات. لذا، هناك نقاط مضيئة. يمكنك رؤية الأطفال يذهبون إلى المدرسة وهذا رائع.

لكننا نوفر التعليم أيضا خارج الفصول الدراسية الرسمية. نقدم التعليم والمناهج الدراسية على الأجهزة اللوحية للأطفال، حتى يتمكنوا من الاستمرار في التعلم، حتى لو لم يكونوا في فصل دراسي رسمي. ولكن مرة أخرى، نحن بحاجة إلى إعادة الأطفال إلى المدارس. نحن نفعل أشياء جانبية، لكن هذا ليس بديلا عن التعليم الرسمي.

* لقد تم وصف هذه الأزمة بأنها واحدة من أسوأ الأزمات في العالم، ولم يرق حجم التمويل الذي تتلقاه المنظمات الإنسانية إلى مستوى الحدث. ما مدى ثقتك في قدرتكم على تقديم المساعدة لأطفال السودان؟

الحقيقة هي أننا قادرون على توصيل بعض الإمدادات إلى حيث يجب أن تذهب. ليس بالقدر الكافي، لكننا نبذل قصارى جهدنا، والإمدادات تصل إلى من هم في أمس الحاجة إليها. ويمكننا أن نرى التأثير الذي تحدثه هذه الإمدادات.

نحافظ على سلامة الأطفال من خلال لقاح الكوليرا الذي أخبرتك عنه، ونتأكد من حصول الأطفال على الإمدادات الغذائية التي يحتاجون إليها. لكنك على حق تماما. من الصعب حقا اختراق ضباب الأزمات الأخرى التي تحدث في العالم. العديد من الناس لا يركزون على السودان، وهي مأساة هائلة في حد ذاتها نظرا لحجم هذه الأزمة. لقد نزح هنا ما يوازي سكان العديد من البلدان- 5 ملايين طفل و11 مليون شخص.

ومن الصعب حقا على الناس أن يفهموا، بالنظر إلى حجم هذه الأزمة، لماذا لا ينتبه الناس إلى ما يحدث هنا؟ وإذا لم نفعل ذلك، فأنا قلق من أن تستمر هذه الأزمة في التفاقم بشكل يخرج عن السيطرة، وأن تمتد إلى خارج حدود السودان. لا أحد يريد أن يحدث هذا.

* دائما ما نتحدث عن ضخامة الأزمات والأعداد الهائلة. ولكن أعتقد أنه من الصعب على الناس أن يفهموا فعليا ما يعنيه ذلك. من خلال اجتماعاتك مع الناس على الأرض، هل يمكنك أن تخبرنا قليلا عن تجاربك؟

باختصار، يعني ذلك موت الأطفال الذين لا ينبغي لهم أن يموتوا. أطفال يموتون ويمكن إنقاذهم بسهولة من خلال التطعيم والإمدادات الغذائية ومياه الصرف الصحي الأساسية. لقد زرت عددا من مخيمات النازحين داخليا، وتحدثت مع الأمهات.

سمعت قصصا حول كيف اضطروا إلى الفرار، وكيف وصلوا إلى المجتمعات التي ترحب بهم. تتقاسم المجتمعات الموارد، ولكنها موارد نادرة للغاية. السودان ليس دولة غنية. لذا، فإن ما توفره المجتمعات يأتي على حساب أفراد المجتمع المضيف. يعمل الناس انطلاقا من طيبة قلبهم هنا بأقل القليل.

إن قصص العنف القائم على النوع الاجتماعي، وقصص ما اضطرت الأسر إلى تحمله، مروعة للغاية. لا ينبغي لأحد أن يمر بهذا. ومن السهل إيقاف ذلك، ومعالجته. إذا تمكنا من الوصول، وإذا تمكنا من الحصول على الموارد، والأهم من ذلك، إذا أوقفت أطراف الصراع القتال وركزت على احتياجات الأطفال، فسنكون قادرين على المضي قدما.

* أعلم أن جميع القصص التي سمعتها قد أثرت فيك بشكل واضح. هل هناك قصة واحدة ربما ظلت عالقة في ذهنك؟

كان من الرائع رؤية الأطفال يذهبون إلى المدرسة، ورؤية الطلب على التعليم. فتيات يحملن حقائب تحمل شعار اليونيسيف، يتوجهن إلى الفصول الدراسية، يتطلعن إلى مقابلة المعلمين، متعطشات للشعور بالحياة الطبيعية التي كن يتمتعن بها قبل الحرب، لأن يكنّ مع أصدقائهن، ولأن يتمكن من التحدث مع شخص ما في الفصل الدراسي، وأن يجدن معلما يمكنه – نعم، مساعدتهن على القراءة والكتابة- ولكن الأهم من ذلك، أن يكون شخصا يمكنهن من مشاركة تجاربهن معه، وأن يشعرن بالمجتمع والأمل، الذي يبرزه الترابط في الفصل الدراسي.

ما يثير اهتمامي حقا هو الشعور بالأمل والتفاؤل الذي يشعر به الناس في مثل هذه الظروف. ترى أشخاصا يعيشون في أشد الظروف سوءا، لكنهم يبذلون قصارى جهدهم لمشاركة مواردهم المحدودة مع أطفالهم للتأكد من قدرتهم على الذهاب إلى المدرسة. وهذا يمنحني الأمل.

* مركز أخبار الأمم المتحدة

altaghyeer.info