خبر ⁄سياسي

بعد خطاب حميدتي.. هل تنعي تقدم إعلان أديس

بعد خطاب حميدتي.. هل تنعي تقدم إعلان أديس

أثار خطاب قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان “حميدتي”، تساؤلات حول مصير إعلان أديس أبابا الذي وقعته “تقدم” مع الدعم السريع لإيقاف الحرب. الإعلان الذي مضى عليه 10 أشهر لم يشهد تنفيذ أي من بنوده، فيما تتزايد الانتقادات لعدم التزام قوات الدعم السريع به. يُعزى فشل الإعلان إلى تدخل عناصر النظام السابق ورفض الجيش السوداني له، بينما يطالب محللون “تقدم” بمراجعة موقفها بعد تصاعد الخطاب الجهوي لقوات الدعم السريع.

الخرطوم: كمبالا: التغيير

أطلق قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان “حميدتي”، رصاصة الرحمة على “إعلان أديس أبابا” الموقع مع القوى الديمقراطية والمدنية “تقدم”، وذلك قبل أن يتم تنفيذ أي بند من بنوده، رغم مرور 10 أشهر منذ التوقيع عليه.

في خطابه يوم الأربعاء الماضي، أوصد حميدتي الباب أمام أي حلول تفاوضية قد تنهي معاناة الشعب السوداني، التي تفاقمت بسبب الحرب المستمرة منذ 15 أبريل 2023، والتي نص إعلان أديس أبابا الموقع بين تنسيقية تقدم والدعم السريع على إيقافها فوراً، وهو الأمر الذي لم يتحقق.

إنهاء الحرب

وقعت القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” مع قوات الدعم السريع في يناير الماضي “إعلان أديس أبابا”.

وفقاً للإعلان، أعربت “قوات الدعم السريع” عن استعدادها لوقف الأعمال العدائية بشكل فوري وغير مشروط عبر التفاوض المباشر مع الجيش السوداني.

وأكد الإعلان أن مشروع خريطة الطريق وإعلان المبادئ “يشكلان أساساً جيداً لعملية سياسية تنهي الحرب في السودان”، مضيفاً أن “تقدم” ستطرح التفاهمات المتفق عليها مع “قوات الدعم السريع” على الجيش السوداني كأساس للوصول إلى حل سلمي.

عدم الالتزام

ومع ذلك، لم تلتزم قوات الدعم السريع خلال فترة التوقيع على الإعلان بتطبيق أي من البنود المتفق عليها مع “تقدم”، واستمرت في رتكاب الانتهاكات في معظم المناطق التي تسيطر عليها. وقد أدى ذلك إلى مطالبات بأن تتنصل “تقدم” من “إعلان أديس”، خاصة بعد مجزرة ود النورة في ولاية الجزيرة وسط البلاد.

ودافع القيادي بـ”تقدم” وعضو مجلس السيادة السابق، محمد الفكي سليمان، عن الإعلان الموقع مع الدعم السريع، حيث صرح خلال استضافته في “قناة الجزيرة مباشر” بأن الاتفاق بين “تقدم” والدعم السريع إذا حافظ على روحه، فإنهم سيظلون متمسكين به.

بعد التوقيع عليه مباشرة، قوبل التوقيع على “إعلان أديس” بانتقادات من قبل القوات المسلحة وحكومة الأمر الواقع في بورتسودان، التي اعتبرت أن الإعلان يعد تجاوزاً صريحاً لمؤسسات الدولة القائمة. وبعد ساعات من التوقيع، جاء أول رد فعل رسمي من نائب رئيس مجلس السيادة، مالك عقار، الذي قال إن «إعلان أديس أبابا» الموقع بين قوات الدعم السريع وتنسيقية القوى المدنية “تقدم” هو اتفاق بين شركاء.

ووصف عقار موقعي إعلان أديس أبابا مع الدعم السريع بأنهم ” الحاضنة السياسية المعروفة للدعم السريع، وداعمون لتمردها” وأضاف “أما إجراء لقاء بين “تقدم” والحكومة السودانية، فليس لنا علم به،

تعدد الجيوش

ومن أبرز النقاط التي شدد عليها طرفا الإعلان، ضرورة أن يستند السلام المستدام في السودان إلى إنهاء تعدد الجيوش وتشكيل جيش مهني يعبر عن الجميع وفقاً لمعيار التعداد السكاني.

كما اتفقت “قوات الدعم السريع” مع “تقدم” على تشكيل إدارات مدنية بتوافق أهالي المناطق المتأثرة بالحرب، بهدف إعادة الحياة إلى طبيعتها، وتشكيل لجنة مشتركة لوقف وإنهاء الحرب وبناء السلام.

وتعهدت “الدعم السريع” أيضاً بفتح ممرات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرتها، وإطلاق سراح 451 من أسرى الحرب والمحتجزين في بادرة حسن نية.

الطرفان يمثلان عائقا

لكن الطرفين في الصراع في السودان ظلا يشكلان عائقاً أمام وصول المساعدات الإنسانية إلى الولايات المختلفة، رغم تفشي الجوع والمرض.

وقد دقّت الأمم المتحدة ناقوس الخطر، معتبرة الأزمة في السودان أكبر أزمة إنسانية في العالم، متهمة طرفي الصراع باستغلال المساعدات الإنسانية لأغراض سياسية وعسكرية.

نازحون يجتمعون لتناول وجبة أعدتها غرف الطوارئ بمعسكر زمزم للنازحين

نتيجة لضغط المجتمع الدولي، وافقت الحكومة السودانية في منتصف أغسطس، بعد ممانعة، على استخدام معبر أدري الحدودي مع تشاد لإدخال المساعدات الإنسانية إلى إقليم دارفور لمدة 3 أشهر، لكن المساعدات لم تصل إلى مستحقيها، حيث تسربت إلى الأسواق، حسب شهود عيان.

وذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوشا) أنه تم نقل 1,253 طن متري من المساعدات الإنسانية في 38 شاحنة عبر معبر أدري حتى 26 أغسطس، مما سيساعد حوالي 119 ألف شخص في مواقع مختلفة.

لم يكن غاية

ولم تصدر القوى المدنية والديمقراطية “تقدم” رد فعل رسمي حول مصير “إعلان أديس أبابا” بعد الخطاب التصعيدي لقائد قوات الدعم السريع، الذي أعلن خلاله إيقاف التفاوض مع الجيش واستمرار العمليات العسكرية في جميع الجبهات.

ترى تنسيقية تقدم أن إعلان أديس أبابا الموقع بينها وقوات الدعم السريع لم يكن غاية في حد ذاته. وعلق الناطق الرسمي باسم التنسيقية، بكري الجاك، على ذلك، مشيراً إلى أن إعلان أديس أبابا تزامن مع قمة الإيغاد التي انهارت عندما رفضت الحكومة السودانية نتائجها، إضافة إلى رفضها بيان جدة.

وأوضح الجاك في حديثه لـ”التغيير” أنه عقب ذلك دخلت قوات الدعم السريع ولاية الجزيرة، وتحركوا بدورهم للقيام بشيء يوقف الحرب.

وأضاف: “تواصلنا مع الجيش والدعم السريع، وفي البداية وافق الطرفان. بناءً على ذلك، التقينا بقوات الدعم السريع، واتفقنا على إعلان من ستة مبادئ رئيسية، على رأسها وحدة السودان والمواطنة المتساوية، والجيش المهني الواحد، وجزء يتعلق بحماية المدنيين”.

وتابع الجاك قائلاً: “ما قمنا بطرحه على قوات الدعم السريع أردنا أيضاً طرحه على القوات المسلحة السودانية، مشيراً إلى أن الأخيرة وافقت كتابياً في 15 يناير الماضي على مقابلة تقدم، لكن هذا لم يحدث”.

وأردف: “لم يجلس الجيش مع تقدم بسبب أن هناك من روج للقوات المسلحة بأن تقدم تعتبر حليفاً لقوات الدعم السريع عبر إعلان أديس”.

إعلان مبادئ

وأوضح الناطق الرسمي لتنسيقية تقدم أن إعلان أديس لم يكن له قيمة في التنفيذ ما لم توافق عليه القوات المسلحة، لأنه ليس اتفاقاً، وإنما إعلان مبادئ.

وأضاف: “ليس مهماً إذا أعلن الدعم السريع تنصله عن الإعلان، أو لم يعلن. إن إعلان أديس أبابا ليس له قيمة على الأرض لأنه بين طرف مدني وطرف عسكري هو الدعم السريع”. وأوضح قائلاً: “قيمة إعلان أديس أبابا مطروحة للأطراف المتقاتلة”.

ولفت الناطق باسم “تقدم” إلى أن الإعلان كان يمكن أن يحدث اختراقاً في وقته، إلا أن حيل فلول النظام السابق والقوات المسلحة حالت دون المضي به إلى الأمام.

تدخل عناصر النظام السابق

واتفق الخبير الاستراتيجي طارق عمر مع الجاك، مشيراً إلى أن أحد الأسباب الرئيسية لعدم نجاح “إعلان أديس أبابا” هو رفض الجيش السوداني التوقيع على الإعلان رغم موافقته المبدئية.

واتهم عمر عناصر النظام السابق بأنهم اختطفوا قرار الجيش بعدم التوقيع على الإعلان مع تقدم.

وقال طارق لـ”التغيير”: “إذا وقع الجيش السوداني على هذا الإعلان، كان يمكن أن يساعد في تخفيف معاناة الشعب السوداني من التصعيد العسكري بين الطرفين في ذلك الحين، وخاصة فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية التي ظل طرفا الصراع يستغلاها كغطاء سياسي وعسكري، مما أضر بالمواطن السوداني الذي لا تهمه صراعات الطرفين”.

وأشار الخبير الاستراتيجي إلى أن خطاب حميدتي أطلق رصاصة الرحمة على آمال الشعب السوداني، الذي كان يتطلع إلى تفاوض قريب يعيدهم إلى وطنهم وديارهم التي شردوا منها بسبب الحرب. وشدد على أن استمرار التصعيد العسكري سيزيد معاناة الشعب السوداني ويدمر البنية التحتية، مما يقتل حلم الأطفال الذين حرموا من التعليم لعامين، دون أن يحقق نصراً لأي من الطرفين.

غطاء سياسي

بدوره، يرى المحلل السياسي عبد الباسط الحاج أن “إعلان أديس أبابا” يحتوي على خطأ سياسي كبير، حيث منح الدعم السريع غطاءً سياسياً كان يفتقده، باعتباره “مليشيا” شبه عسكرية تمردت على الجيش السوداني وتفتقر لرؤية وأهداف واضحة.

وقال عبد الباسط لـ”التغيير”: “التوقيع على الإعلان خسر الكثير من القوى المدنية الديمقراطية “تقدم”، لأنه غير ذي فائدة، وصنف “تقدم” بأنها ظهير سياسي للدعم السريع”. وأشار إلى أن الإعلان أعطى قائد الدعم السريع مشروعية لعقد تحالفات عززت من تحركاته في المشهد الإقليمي.

وأضاف الحاج: “التصعيد الأخير في خطاب حميدتي يحتوي على منحى جهوي خطير يساهم في تفكيك النسيج الاجتماعي، ويعزز من فرضية أن الدعم السريع يرتكب جرائم على أساس جهوي وقبلي”. وأكد أن ذلك يتطلب تحركاً عاجلاً من القوى المدنية والديمقراطية لإعادة التصالح مع جماهير الشعب السوداني لتصحيح المسار.

altaghyeer.info