خبر ⁄سياسي

الحرب بين الرغائب والوقائع

الحرب بين الرغائب والوقائع

 

الحرب بين الرغائب والوقائع

خالد فضل

هتاف (جيش واحد شعب واحد)، ينطوي على رغبة وسط من يرددونه  ولا يعبر عن وقائع ما يحدث على الأرض، الرغبة في رؤية جيش سوداني واحد يؤدي مهامه الدستورية بمهنية وانضباط واحترافية ؛ رغبة عزيزة وأمنية عميقة في نفوس كثير من السودانيين، وهي رغبة وردت بإستمرار في أدبيات معظم القوى السياسية وتحالفاتها ومطالب الحركات المسلحة، وأكثر من ذلك تم التوقيع عليها بإمضاء (البرهان وحميدتي) في الإتفاق الإطاري (المنبوذ) الآن من البرهان وحميدتي أنفسهما ؛ كأنما كانا في حالة سكر أفاقا منها فجأة .

الأسوأ من ذلك أن ترديد هذا الهتاف الآن في مناطق سيطرة جيش البرهان ولو مؤقتا مدعاة لنيل العقوبة والإنتقام من جانب جيش حميدتي، كما حدث ويحدث في كثير من المناطق ضد المدنيين المحتفلين المبتهجين بالكاكي الأخدر بلغة أنصار الحرب . أما من لم يهتفوا بشعب واحد جيش واحد فينالون العقاب كذلك براميلا مفخخة ضحاياها في الغالب ذات المدنيين غير المحتفلين !! وقد تضمنتها_ أي تلك الرغبة _ بعض إتفاقات السلام والترتيبات الأمنية،  بل شرعت إتفاقية نيفاشا 2005م في تكوين ما عرف بالوحدات المشتركة ؛ وكان مقر قيادتها في معسكر سوبا جنوب الخرطوم،  وهي بحسب توصيفها الوارد في الإتفاقية (نواة) لتوحيد الجيش الحكومي والجيش الشعبي مستقبلا في حال جاء خيار الإستفتاء لصالح (الوحدة ). بالطبع لم ينبت من تلك النواة ما كان مأمولا من سموق جيش سوداني واحد … إاخ الصفات المار ذكرها، عوضا عن تلك الرغبة عادت وحدات كل جيش إلى جيشها الأم ،  في وطنين مختلفين، خاضا حربا دولية على خلفية نزاع حول الحدود في مناطق انناج البترول،  وسنّ برلمان السودان (الشمالي) حينها قانونا سمي بقانون حرب الجنوب كسابقة لم تحدث من قبل منذ استقلال السودان الكبير في 1956م ،  وقال علي عثمان محمد طه القيادي في حزب المؤتمر الوطني الإسلامي مقولته المشهورة باللغة الإنجليزية وترجمتها العربية (أضرب لتقتل) ؛ في توجيه (من منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية ) للقوات العسكرية على الحدود المكلفة بمراقبة عمليات تهريب المواد الغذائية والوقود من بلده إلى بلد الأعداء ! كما أنّ الجيش الشعبي في دولة جنوب السودان انقسم لجيوش شعبية تقاتلت فيما بينها عدة مرات ، وأبرمت اتفاقات سلام متعددة ، وما تزال الأوضاع هشّة لم تبلغ مرحلة النضج والإستواء . بينما تفرّع عن الجيش السوداني ؛ فرعا آخر ضخما للغاية ، تغذى معه من ساق واحدة هو جيش الدعم السريع ، الذي أطلق عليه منذ 15أبريل 2023م صفات كثيرة ( مليشيا متمردة ، مرتزقة أجانب، مليشيا آل دقلو الإرهابية ..إلخ) وهي صفات تدخل كلها في حيز الرغائب ولا تعكس الوقائع . كما أنّ هناك جيش الحركة الشعبية شمال/قيادة الحلو ، وجيش حركة تحرير السودان/قيادة عبدالواحد، وجيوش الطاهرحجر والهادي إدريس ، بل حتى جيشي مناوي وجبريل في الفاشر ؛ اللذان لم تشملهما عمليات الدمج في جيش ياسر العطا حتى الآن _حسب إفادات الأخير في حوار سمر إبراهيم ، جريدة الشروق المصرية 18أكتوبر 2024م .فهل مع كل هذه الجيوش على الأرض نهتف (جيش واحد) !

في عنفوان فترة الثورة، وهتافات الثوار السلمية (جيش واحد شعب واحد) كانت الرغبة هي المحرّك ؛ الواقع لم يؤكد ذلك الهتاف، فلا الجيش كان واحدا، ولا الشعب كان كذلك . أما تعدد الجيوش فهو أمر لا ينتطح فيه عنزان، ولكن الشعب نفسه لم يك واحدا وإن تساوى في حمل الوثائق الثبوتية، الحلم أو الرغبة في رؤية شعب واحد في الحقوق والواجبات، في الوثيقة الدستورية التي تكفل وتضمن و تعزز حقوق الإنسان، في المبادئ فوق الدستورية التي تجعل من بعض القيم الديمقراطية مسلمات غير قابلة للنقض والتعديل، هذا لم يتحقق على أرض الواقع، إذ ظل وما يزال قسم لا يستهان به من الشعب، يرفض ويقاتل من أجل هيمنة وسيادة قيم مناهضة ومناقضة للديمقراطية والحرية والسلام وحقوق الإنسان، قسم كبير من الشعب يعتبر أنّ عدوه الأول هم القسم الآخر من الشعب الذي ينادي بقيم الحرية والسلام والعدالة، يقود هذا الجزء من الشعب ضباط كبار في جيش سوداني، ونائب عام في سلطة عسكرية يسيطر عليها أؤلئك الضباط،  بالنتيجة نحصل على واقع لا الجيش فيه واحد و لا الشعب فيه واحد، الرغبة والتمني مباح ومطلوب ومرغوب، ولكن تحقيق ذاك المنى يحتاج إلى تحريك للجهود في إتجاه تحقيق تلك الرغبات، يحتاج إلى أداء واجبات، وأولها على الإطلاق ؛ إعمال العقول وتحريرها من أغلال العواطف التي تغلفها،  وهو واجب فردي لكل إنسان عاقل راشد، العقل هو الذي يصنع الفارق بين سلوك الإنسان وغرائز الحيوانات الأخرى، ولعل يوما ما ولو بعد أجيال يتحقق الحلم والرغبات ويصبح الهتاف واقعا (شعب واحد جيش واحد) . دعونا نحلم بحلمنا في المستقبل، أن نرفض جمال الكون ونناضل من أجل الأجمل ؛ كما حلم توفيق زياد الشاعر الفلسطيني .

 

altaghyeer.info