خبر ⁄سياسي

روكيرو .. بلدة تحضن آلاف النازحين المنسيين 

روكيرو .. بلدة تحضن آلاف النازحين المنسيين 

مع تصاعد القتال في مدينة الفاشر منذ مايو المنصرم، لجأ حوالي مليوني نازح إلى المناطق الخاضعة لسيطرة حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور. كاميرا (عاين) تجولت في منطقة روكيرو بولاية وسط دارفور، تحدثت إلى نازحين ومسؤولين محليين حول الأوضاع الإنسانية.

عاين- 14 أكتوبر 2024

عائشة سراج واحدة من آلاف النازحين الذين فروا من القتال في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور إلى منطقة روكيرو  بولاية وسط دارفور، تقول إنها ومنذ وصولها للمنطقة “لم تتلق أي مساعدات، ولا يوجد سوى مضخة ماء في المدرسة التي تسكن فيها”. وتؤكد في مقابلة مع (عاين) من البلدة: “العديد من النازحين يعانون الجوع الشديد“.

فقدت عائشة كل شيء، منزلها، وظيفتها، وأمنها. نزحت من الفاشر مع عائلتها، هربًا من القصف والعنف. تعيش الآن في ظروف صعبة للغاية، مع آلاف النازحين الآخرين، في مأوى مؤقت يفتقر لأبسط الخدمات. وتشكو عائشة من نقص الغذاء والدواء، وتخشى على حياة أبنائها وبناتها.

تشير عائشة سراج، إلى أنها من مدينة الفاشر في شمال دارفور، ونزحت منذ بداية الحرب في المدنية مايو من هذا العام حيث كان الهجوم من الجزء الشمالي للفاشر؛ مما جعلهم يتعرضون للهجوم في حي الشرفة بالأسلحة الثقيلة، مما أجبرها على الفرار.

في بداية الحرب، انتقلت عائشة وعائلتها من الجزء الشمالي إلى الجزء الجنوبي من الفاشر، ثم نزحت إلى معسكر زمزم. بعد فترة قصيرة، تعرض المعسكر للهجوم، واضطرت للنزوح مرة أخرى إلى شقرة. وهناك وصلتها القذائف -على حد قولها- مما أجبرها على الفرار إلى محلية طويلة ومنها إلى روكيرو. وتتابع “كانت رحلة شاقة للغاية، خاصة وأنني أرملة ولدي أطفال”.

ويقول مسؤول إدارة المنظمات والمتابعة في الهيئة العامة للعمل الإنساني بالسلطة المدنية بالأراضي المحررة التابعة لحركة جيش تحرير السودان، حمزة الطاهر عبد الصمد في مقابلة مع (عاين): “شهدت المنطقة موجة نزوح جديدة  بعد معارك مدينة الفاشر، وتحولت مناطق سيطرة الحركة إلى ملاذ آمن للنازحين الفارين من الحرب”.

وبحسب آخر الإحصائيات في شهر سبتمبر، بلغ عدد الأسر النازحة إلى مناطق السيطرة  57 ألف أسرة، ولا تزال أعداد النازحين في تزايد. ويواجه النازحون أزمة إنسانية خانقة؛ بسبب النقص الحاد في المواد الغذائية والملابس والمأوى والخدمات الأساسية الأخرى- حسب المسؤول المحلي.

الوضع الإنساني:

تصف النازحة عائشة سراج الوضع الصحي بالكارثي. وتقول “لا يوجد سوى مستشفى واحد لأطباء بلا حدود، ولا يتوفر فيه كل الأدوية اللازمة. لا يوجد أي وسيلة لشراء الأدوية من الخارج”.

تعيش عائشة مع أطفالها وعائلات أخرى في فصل مدرسي ضيق، حيث ينامون على فرشة واحدة. ولا يوجد لديهم أغطية كافية لحمايتهم من البرد، ولا يوجد طعام كافٍ للأطفال، تدعو عائشة المنظمات الإنسانية إلى تقديم المساعدات العاجلة للنازحين في جبل مرة.”

يؤكد علي حديث عائشة فضل الله عبدالكريم أبكر الذي نزح من حي الجيل بمدينة الفاشر في شمال دارفور. ويقول فضل لـ(عاين): “نزحت بسبب الحرب والقصف الشديد. كان الوضع في حي الجيل سيئًا للغاية، كانت يسقط يوميًا ما بين ثلاثة وخمسة أشخاص قتلى بسبب القذائف. دمرت المستشفيات وتوقفت الحياة، مما أجبرنا على الفرار”

يصف فضل رحلة النزوح بأنها كانت مروعة. استمرت يومين حتى وصلوا إلى محلية طويلة. في أثناء خروجهم، تعرضوا لقصف عنيف، مما اضطرهم إلى الفرار بسرعة وترك بعض أفراد أسرتهم. وفي الطريق، شاهدوا العديد من الجرحى والمصابين والجثث.

يشير فضل إلى أنهم لم يتلقوا سوى مساعدات قليلة من منظمة واحدة. يحتاجون بشدة إلى الغذاء والدواء. المستشفى الوحيد في المنطقة تابع لأطباء بلا حدود، ولكنه لا يكفي لخدمة هذا العدد الكبير من النازحين. بجانب معاناتهم نقص في الملابس والأغطية، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء.

يشدد فضل على معاناة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى، الذين لا يتلقون أي نوع من الرعاية. كما يعاني الأطفال من انقطاع عن التعليم، حيث لا توجد مدارس للنازحين.

رحلة نزح شاقة

تروي النازحة إقبال صديق عبدالله، رحلة نزوح استغرقت أربعة أيام ، وتقول في مقابلة مع (عاين): “نزحت من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور بسبب الحرب وكان القصف شديدًا من كل الاتجاهات”.

وتشير إقبال إلى رحلة نزوحهم الشاقة من الفاشر إلى شقرة سير على الأقدام، ثم إلى طويلة. استغرقت الرحلة أربعة أيام متعبة، وتسببت في إصابة العديد من النازحين بأمراض مثل الالتهابات وآلام المفاصل.

عند وصولهم إلى مكان الإيواء، لم يكن لديهم أي مأوى مناسب، ولا أغطية، ولا أواني. الأطفال يعانون البرد الشديد. الظروف الصحية سيئة للغاية، وهناك نقص حاد في المرافق الصحية والمياه النظيفة. وتصف إقبال مركز الإيواء وتقول أنه سيئ والعائلات تعيش في فصول مكتظة، مما زاد خطر انتشار الأمراض.

تعاني إقبال من صعوبة الحصول على المياه والطعام. كثير من النازحين يحصلون على وجبة واحدة فقط في اليوم، تتكون عادة من بليلة عدس. أدى نقص الغذاء إلى انتشار سوء التغذية بين الأطفال. رغم البحث المستمر عن عمل، لم تتمكن إقبال من العثور على أي فرصة. تؤكد أن الوضع الإنساني للنازحين كارثي، وأنهم بحاجة ماسة للمساعدات.”

قصة عائشة وفضل وإقبال تحكي قصة 57 الف أسرة فروا من مدنية الفاشر ومناطق مختلفة، ووصلوا إلى المناطق سيطرت حركة وجيش تحرير السودان عبد الواحد محمد نور.

وضع معقد

الناطق الرسمي باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين، آدم رجال، إن الأوضاع الإنسانية في منطقة جبل مرة بالغة التعقيد. فبعد اندلاع الحرب في الفاشر في مايو الماضي، لجأ آلاف النازحين إلى مناطق سيطرة حركة عبد الواحد محمد نور، ولا يزال عددهم يتزايد أسبوعياً.

“رغم أن هؤلاء النازحين وجدوا أمانًا نسبيًا، إلا أنهم يعانون نقصاً حاداً في المساعدات الإنسانية. فالحركة لا تستطيع سوى توفير الأمن، بينما يحتاج النازحون إلى الغذاء والدواء والمأوى. كما أن المنظمات الإنسانية تواجه صعوبات في إيصال المساعدات؛ بسبب الظروف الأمنية المعقدة”. يقول رجال لـ(عاين).

وبحسب آدم، يعيش الكثير من النازحين في ظروف إنسانية مأساوية، حيث يضطرون لتناول أوراق الأشجار وأطعمة غير صالحة للاستهلاك الآدمي بسبب نقص الغذاء. يعاني الأطفال من سوء التغذية الحاد، والنساء من حالات إجهاض، وكبار السن من أمراض مختلفة.

يقول رجال: “تقديرات المنظمات الإنسانية تشير إلى أن أكثر من مليوني نازح لجأوا إلى مناطق سيطرة الحركة في جبل مرة والمناطق المحيطة بها. يعيش هؤلاء النازحون، بالإضافة إلى المجتمعات المضيفة التي كانت تعاني التهميش منذ زمن طويل، في ظروف مأساوية للغاية”.

عراقيل إيصال المساعدات

يؤكد رجال أن المنسقية تعمل جاهدة لتسليط الضوء على معاناة النازحين، ولكن حجم المساعدات المقدمة لا يغطي سوى نسبة ضئيلة من الاحتياجات. ويعود ذلك إلى العراقيل التي تضعها أطراف الصراع، بما في ذلك حكومة الجيش، والتي تحول دون وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين.

ويشير  إلى أن النازحين يعانون نقصاً حاداً في الغذاء والمياه النظيفة والمأوى والدواء. كما يعاني الأطفال من انقطاع عن التعليم. ويؤكد أن الوضع الإنساني في المنطقة يتطلب تدخلاً عاجلاً من المجتمع الدولي.

استجابة المنظمات

رغم حجم الكارثة، يؤكد آدم رجال إن الاستجابة الإنسانية كانت بطيئة وغير كافية. فيما يقول المسؤول بالإدارة المدنية في طويلة حمزة الطاهر: “واجهت المنظمات الإنسانية تحديات كبيرة في الوصول إلى النازحين وتقديم المساعدات اللازمة لهم، وتعزي المنظمات تأخرها بسبب فصل الخريف الذي انقضى الآن، ولكن ما زالت الاستجابة بطيئة”.

3ayin.com