مخلفات الحرب.. حياة السودانيين تحت التهديد
عاين- 18 نوفمبر 2024
بينما كان الطفل السوداني، مهند خالد 8 أعوام -اسم مستعار- يلعب أمام منزل عائلته في مدينة رفاعة شرق عاصمة ولاية الجزيرة ودمدني أواسط البلاد، عثر على جسم حديدي لم يعرف ماهيته، لكن تملَّكه فضول الأطفال، فالتقطه وأخذ يلعب به، ولسوء الحظ كان الجسم الحديدي عبارة عن قذيفة غير منفجرة، انفجرت القذيفة في يد مهند؛ مما تسبب في بترها، وتأثر باقي جسده بشظايا القذيفة المتفجرة قبل أن تنقله عائلته إلى دولة مصر لتلقي الرعاية الصحية.
ومع استمرار الحرب في السودان منذ 15 أبريل 2023 وتمددها داخل الأحياء السكنية في المدن وعديد القرى، تزداد خطورة مخلفات الأسلحة المستخدمة في معارك الجيش والدعم السريع، وتستمر هذه المتفجرات في تهديد حياة المدنيين حتى بعد انتهاء المعارك، وتشمل هذه المواد الألغام الأرضية والقذائف غير المنفجرة، بالإضافة إلى الذخائر.
لم نستطع تجميع أطرافهم
الطبيبة العاملة بالمستشفى التركي الواقع بمنطقة الكلاكلة جنوب الخرطوم، فاطمة محمد تقول في مقابلة مع (عاين): “في أحد الأيام وصل إلينا ثلاثة قتلى من بينهم طفل جراء انفجار قذيفة مدفعية داخل الحي الذي يسكنون به، مما تسبب في تحول أجسادهم إلى أشلاء”. وتضيف: “لم نستطع تجميع أطراف أجسادهم، التي تقطعت بالكامل”.
وفي مدينة أم درمان التي تنقسم إلى جزأين الجزء الأول ما زال يشهد معارك نشطة بين طرفي النزاع والآخر استعاده الجيش بالكامل لا سيما أحياء أم درمان القديمة، يقول العائد إلى المدينة بعد رحلة نزوح استمرت لثمانية أشهر، مزمل أحمد، لـ(عاين):” برغم عدم وجود مواجهات برية مباشرة في هذه المنطقة، إلا أنها تتأثر بالقصف المدفعي المكثف الذي تطلقه قوات الدعم السريع وكل هذه القذائف التي تُطْلَق الجزء الأكبر منها ينفجر لحظة سقوطها، وبعضها لا ينفجر، أو قد يحدث انفجاراً غير كامل ما يشكل خطورة على حياة المدنيين”.
ويشير مزمل إلى أن المواطنين يتواصلون مع القوة العسكرية الموجودة على الميدان، وبدورها تتواصل مع وحدات مكافحة الألغام والأجسام غير المنفجرة. ويؤكد أن أكبر كمية من الأجسام غير المنفجرة تقع وسط أم درمان مثل أحياء ود نوباوي وبيت المال والملازمين وأبروف وحي العمدة.
مخاطر مخلفات الحرب لا تنحصر على ولاية الخرطوم فحسب، بل تشمل كل الولايات التي امتدت لها الحرب.
ويقول الباحث في قضايا البيئة مسعود عبد الباقي لـ(عاين): إن “الأجسام غير المنفجرة لها تأثير مباشر على حياة الإنسان، ويتمثل ذلك في الخسائر البشرية والإصابات”، ويضيف: “كثير من المدنيين حدثت لهم إصابات خطيرة بسبب الألغام الأرضية والمتفجرات، فمنهم من سببت لهم إعاقات جسدية دائمة، كما يؤثر ذلك على الصحة النفسية للإنسان الذي يعيش في بيئة مليئة بالعنف والتشرد والنزوح وعدم الاستقرار، فتجبر الأسر على مغادرة منازلها؛ بسبب الدمار وعدم ملائمة البيئة للعيش”.
ويعتبر مسعود إن الألغام الأرضية والمتفجرات غير المنفجرة تعد من أخطر مخلفات الحرب، فهي تهدد الحياة البرية والنباتية، وتعيق استخدام الأراضي الزراعية والرعي، ففي السودان لدينا تاريخ طويل من الحروبات والصراعات والنزاعات، ويظهر أن هنالك انتشار للألغام في مناطق مختلفة في السودان، مثل إقليم دارفور، وكردفان ومن قبلها جنوب السودان. وهذا يؤثر في استقرار إنسان تلك المناطق، ويعرضه لمخاطر جسيمة.
وبالاستناد إلى تقرير سابق أصدره المركز القومي لإزالة الألغام عن إزالة مخلفات الحرب، أوضح فيه أنه نُظِفَت مساحة 2.6 مليون متر مربع في أمدرمان القديمة، وأجزاء من محلية كرري حيث جُمِع عدد (5.245) دانة وعدد (23.725) ذخيرة صغيرة فيما تم جمع (1.470) دانة من أمبدة وهناك (470.627) متر مربع لم تُنْظَف وهي عبارة عن منازل مغلقة بواسطة أصحابها.
ويقول مدير منظمة بلدنا للتنمية الاجتماعية العاملة في إزالة الألغام بولاية جنوب دارفور، محمد هاشم لـ(عاين): “في الفترة ما بين 25 مايو إلى 25 ديسمبر 2023 أزلنا مخلفات الحرب التي دارت في ولاية جنوب دارفور وبالتحديد في مدينة نيالا عبر البلاغات التي تصلنا”. ويضيف: “أزلنا 771 قذيفة استخرجناها من المنازل عبر البلاغات، منها قذائف الاربجي والهاون”.
وأكد محمد هاشم، على أن الحرب استمرت لستة أشهر ونصف، في نيالا، والمعارك التي حُصِرَت حوالي 66 معركة، بمتوسط ساعات اشتباك يصل إلى ثماني ساعات، استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة حتى الأسلحة المحرمة دولياً.
وأشار إلى أن المنظمة التي تعمل في جمع الأجسام غير المنفجرة، أزالت منذ يناير الماضي إلى الآن حوالي خمسة آلاف قذيفة من السوق، ومن المؤسسات الحكومية، وبعدها ظهر حقل ألغام في مدينة نيالا.
ووفق ما وصف، فإنها كانت أكبر كارثة لمواطني مدينة نيالا، فقد كان حقل الألغام يقع بالمنطقة العسكرية بالقرب من المدينة، وصرح بأنهم استخرجوا 70 لغماً من الحقل.
تقول القانونية والمدافعة عن حقوق الإنسان نون كشكوش أن هنالك قواعد نظمها القانون الدولي الإنساني تنظم استخدام الأسلحة، وتشير إلى أن القانون الدولي والإنساني ألزم أطراف النزاع بإزالة الألغام ومخلفات الحرب القابلة للانفجار عبر مجموعة القواعد المتمثلة في قوانين القصد منها حماية المدنيين، بجانب قواعد الأسلحة نشرتها منظمة الصليب الأحمر، وأيضا من الأسلحة المحرمة دولياً كالألغام والقنابل العنقودية.
3ayin.com