خبر ⁄سياسي

استمرار ردود الفعل على الفيتو الروسي

استمرار ردود الفعل على الفيتو الروسي

أمستردام: 20 نوفمبر 2024: راديو دبنقا

بعد مضي ثلاثة أيام على استخدام روسيا لحق النقض الفيتو في مجلس الأمن لمنع تبني مشروع قرار طرحته بريطانيا وسيراليون يهدف لحماية المدنيين واستئناف الجهود التفاوضية لوقف الحرب وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين، ما زالت ردود الفعل السودانية تتواصل في السودان على هذا الموقف، ومن الواضح أن الموقف من الفيتو الروسي يتطابق بالكامل مع المواقف المسبقة والمعروفة لمختلف الأطراف السودانية ومنذ بداية الحرب.

البرهان يرفض الإملاءات

وفي أول تعليق له على استخدام روسيا لحق النقض الفيتو، رفض قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في خطابه أمام المؤتمر الاقتصادي المنعقد في بورتسودان يوم الثلاثاء 19 نوفمبر 2024 “أي تدخل خارجي” في الشأن السودان وكرر رفضه “للإملاءات التي تملى علينا لفرض حلول لا نقبلها”.

وأشاد بالموقف الروسي الداعم للسودان مؤكدا أن السودان لم يقبل أبدا مشروع القرار البريطاني لأنه “معيب ويخدش السيادة السودانية ولا يلبي مطالبنا”.

وشدد الفريق عبد الفتاح البرهان على أن الجيش لن يفاوض أو يوافق على وقف إطلاق النار دون انسحاب كامل” لقوات الدعم السريع.

واستبقت وزارة الخارجية السودانية قائد الجيش بإصدار بيان رحبت فيه باستخدام روسيا لحق النقض بمجلس الأمن في مواجهة مشروع القرار البريطاني بشأن السودان.

وأشاد البيان بالموقف الروسي الذي وصفته بأنه تعبير عن الالتزام بمبادئ العدالة واحترام سيادة الدول والقانون الدولي، ودعم استقلال ووحدة السودان ومؤسساته الوطنية.

وأعرب البيان عن أمل الحكومة السودانية في أن “تضع هذه السابقة التاريخية حدا لنهج استخدام منبر مجلس الأمن لفرض الوصاية على الشعوب ولخدمة الأجندة الضيقة لبعض القوى، مع تغييب الشفافية والديمقراطية وتكريس ازدواجية المعايير، ما يضعف دور المجلس في إرساء السلم والأمن الدوليين”.

مواقف متباينة للقوى السياسية

أما حاكم إقليم دارفور والقيادي بالكتلة الديمقراطية، مني اركو مناوي، فقد غرد عبر حسابه على منصة اكس معتبرا أن “المشروع الذي تم تعطيله بواسطة الفيتو الروسي، كان يهدف تقسيم السودان لدويلات ومناطق النفوذ تحت الغطاء الإنساني، وهو لا يختلف كثيرا عن مشروع مؤتمر برلين في القرن التاسع عشر، ولكن هذه المرة يستهدف دول الساحل انطلاقا من السودان. اما كلمة حماية المدنيين عنوان أراد به الباطل. حيث انهم يعلمون من هي الجهة التي تنتهك حرمات وحقوق الإنسان”.

من جانبه، اعتبر مبارك الفاضل، رئيس حزب الأمة ورئيس تحالف التراضي الوطني، أن التصويت الروسي لا يعكس اهتماما روسيا بالشأن السودان.

وقال في تغريدة على حسابه على منصة اكس إن “الفيتو الروسي في مواجهة مشروع القرار البريطاني حول وقف إطلاق النار وحماية المدنيين في السودان جاء مفاجئا للبعثة السودانية في نيويورك، الفيتو الروسي سببه إقناع رئيس الوزراء البريطاني الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بالسماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ الأمريكية طويلة المدي في ضرب عمق الأراضي الروسية والذي بدأ بالفعل اليوم وهو تصعيد خطير. الشعب السوداني وقع ضحية الصراع الدولي وهو ينزف وينزح دون وجيع”.

وذهبت تنسيقة القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) إلى إدانة الموقف الروسي، وقال بيان صادر عن “تقدم” نشر على صفحتها على منصة فيسبوك “نعرب عن عميق استنكارنا للموقف الروسي الذي يشكل غطاءً لاستمرار المذابح في السودان، ويعيق جهود التصدي لأكبر مأساة إنسانية في العالم، ويترك الشعب السوداني يرزح تحت شبح الجوع والمرض والفقر. استخدمت روسيا حق النقض لإسقاط قرار حظي بموافقة ممثلي القارة الأفريقية الثلاثة في مجلس الأمن، وهو ما يكذّب ادعاءها بالانحياز لقضايا دول الجنوب وشعوبها”.

دوافع الموقف الروسي

راديو دبنقا طلب من دبلوماسي سوداني متقاعد سبق له العمل في عدد من العواصم الدولية الرئيسية، وطلب عدم الكشف عن هويته، التعليق على المبررات التي قدمتها روسيا لتفسير استخدامها لحق النقض (الفيتو) لمنع تمرير مشروع القرار الدولي حول السودان في جلس الأمن الدولي يوم الاثنين 18 نوفمبر 2024.

وابتدر السفير المتقاعد حديث بالقول إن الموقف الروسي لا يمكن فهمه إذا أخذنا في الاعتبار فقط العوامل الداخلية وتفاعلات الحرب في السودان، لأن المواقف الروسية تستند إلى منظور شامل للمصالح الروسية ليس فقط على مستوى السودان، ولكنها تستوعب أيضا الأبعاد الإقليمية بالنظر إلى الدور الروسي المتعاظم في أفريقيا الوسطى ومنطقة الساحل والبحر الأحمر، مثلما تأخذ في الاعتبار أيضا التوازنات الدولية وعلاقات موسكو مع الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الامريكية.

وذكر الدبلوماسي السابق أن روسيا استندت إلى 6 نقاط رئيسية في تبرير رفضها لمشروع القرار المقدم لمجلس الأمن، أولها أنه يتجاهل دور الحكومة السودانية وهو أمر غير صحيح، حيث سمى القرار مجلس السيادة الانتقالي بينما تجاهل الإشارة لقوات الدعم السريع وظل يصفها بالطرف الآخر إلا في حالات الإدانة للانتهاكات التي استخدم فيها اسم قوات الدعم السريع. كما أن السفير السوداني في نيويورك، الحارث إدريس، كان جزءا من المفاوضات التفصيلية حول مشروع القرار ما يؤكد أن السودان لم يكن يعارضه من حيث المبدأ. بل أن بعض المصادر تقول بأن الحارث إدريس فوجئ باستخدام روسيا لحق النقض، مثله مثل الصين والجزائر وخصوصا بعد موافقة بريطانيا وسيراليون على تضمين تعديلات تقدمت بها الدول الثلاث على مشروع القرار.

شماعة التدخل الخارجي

وأضاف السفير المتقاعد الذي طلب عدم الكشف عن هويته في حديث لراديو دبنقا أن تبني روسيا لحجة أن القرار يمثل تدخلا في الشؤون الداخلية للسودان، هو أمر مثير للدهشة حيث سمحت روسيا قبل عدة أشهر بتبني قرار للمجلس بشأن الأوضاع في الفاشر، وقبله في بداية العام بتبني قرار يدعو لوقف إطلاق النار وهدنة إنسانية. كما أنها شاركت بفعالية في مناقشة مشروع القرار وإدخال تعديلات عليه ما يعني أن موقفها من التدخل في الشأن السوداني ليس مبدئيا وأنه يرتبط بمدى خدمة ذلك لمصالحها ومتطلبات حلفائها في بورتسودان.

ونوه الدبلوماسي المتقاعد إلى أن روسيا لجأت إلى الحديث عن التدخل الخارجي في الشأن السوداني عند رفضها لآليات المحاسبة الدولية لمرتكبي جرائم الحرب والانتهاكات ضد المدنيين السودانيين.

وأضاف “فبعد أن كانت روسيا واحدة من الدول التي سمحت بإحالة ملف جرائم الحرب في دارفور أمام المحكمة الجنائية الدولية في 31 مارس 2005 عبر القرار 1593، عادت لتقول على لسان مندوبها في جلسة مجلس الأمن الاثنين الماضي إن هيئات مثل المحكمة الجنائية الدولية قد أثبتت بالفعل عجزها التام فيما يتصل بالسودان وغيره من الأوضاع”.

وتابع قائلا “ومن الواضح أن دوافع هذا الموقف الروسي مرتبط أيضا بملاحقة المحكمة الجنائية الدولية للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بسبب الجرائم المرتكبة في الحرب على أوكرانيا”.

واستدرك السفير السوداني أن النقطة الأقوى في الحجج التي قدمتها موسكو لتبرير قرارها هي تلك المتعلقة بالمعايير المزدوجة والمقارنة بين موقف القوى الغربية وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة من الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة والحرب على السودان.

وأضاف “لكن حتى في هذه النقطة لا يأخذ الموقف الروسي في الاعتبار الاختلاف في طبيعة الحربين بالرغم من نتائجهما الكارثية المتطابقة على المدنيين.

وهنا أيضا يقول الدبلوماسي المتقاعد “نرى بوضوح أن روسيا تبحث عن حجج لتبرير قرارها، لا صلة لها بما يجري في السودان، بل بالخلافات والتباينات بين القوى الدولية الكبرى”.

اتفاقيات حصرية مع الحكومة السودانية

وحول موضوع إيصال المساعدات الإنسانية، يقول السفير السوداني السابق في حديث لراديو دبنقا أن روسيا تطالب المجتمع الدولي بالاعتماد على الأرقام التي تقدمها الجهات الرسمية السودانية حول الأوضاع الإنسانية وكذلك أن تتم الاتفاقات الإنسانية بشكل حصري مع الحكومة السودانية وعبر استخدام المعابر التي اقترحتها دون غيرها حتى لا تستخدم في تهريب الأسلحة وأنه اتهم واشنطن ولندن باستغلال الملف الإنساني لتحقيق مصالحهما الذاتية.

واستنكر الدبلوماسي المتقاعد الموقف الروسي الذي يتجاهل سيطرة الدعم السريع على مناطق واسعة من السودان وبالتالي ليس في إمكان الحكومة المركزية في بورتسودان تقديم احصائيات واقعية عن هذه المناطق ولذا يتم الاعتماد على احصائيات المنظمات الدولية التي تصل إلى مختلف مناطق السودان بما في ذلك مناطق سيطرة الدعم السريع والحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور.

وأشار إلى أنه يستحيل تمرير المساعدات إلى داخل مناطق سيطرة الدعم السريع دون التفاوض معه على ضمانات أمنية لوصول هذه المساعدات الروسية، مضيفا “لذا يمكن أن نستخلص من المبرر الروسي أنه يجب حصر توزيع المساعدات على مناطق سيطرة الجيش وحرمان بقية السودانيين منها”.

محاكمة النوايا

في تبريرها لاستخدام حق النقض ضد مشروع القرار بشأن السودان في مجلس الأمن، ركز المندوب الروسي على أن الظروف ما زالت غير مهيئة لنشر قوات دولية لحماية المدنيين، وفي ظل عدم وجود اتفاق لوقف إطلاق النار، وغياب أي تفاهمات بشأن مناطق نشر القوات الدولية، والهدف من نشرها، وأن طلب هذه القوات يجب أن يأتي فقط من حكومة بورتسودان.

وعلق الدبلوماسي السوداني على ذلك بأن نشر قوات دولية لم يكن مطروحا أصلا في مشروع القرار وأن الأمين العام للأمم المتحدة كان قد أشار إلى أن الظروف غير مواتية لنشر قوات دولية في السودان في جلسة مجلس الأمن السابقة حول السودان. وأوضح أن مشروع القرار تقدم بطلب للأمين العام لتقديم مقترح بتشكيل آلية امتثال لتنفيذ اتفاق جدة وحماية المدنيين.

واعتبر الدبلوماسي المتقاعد أن الحجة الروسية الأقوى في كل هذه القائمة الطويلة من مبررات التصويت هي دون شك تلك المتعلقة بعجز مجلس الأمن عن تطبيق قراره السابق بشأن الفاشر والصادر في 13 يونيو 2024 والذي يطالب قوات الدعم السريع برفع حصارها للفاشر ويدعو لوقف فوري للقتال وخفض التصعيد في عاصمة شمال دارفور ومحيطها وسحب القوات التي تهدد المدنيين.

ويذكر الدبلوماسي السوداني بأنه حتى في هذا القرار، امتنعت روسيا عن التصويت برغم موافقة 14 عضوا في مجلس الأمن على تبني القرار، الأمر الذي يضعف أيضا الحجة الروسية.

dabangasudan.org