خبر ⁄سياسي

هل تشعل صواريخ أتاكمز حربا نووية أم يطفئها الخط الساخن

هل تشعل صواريخ أتاكمز حربا نووية أم يطفئها الخط الساخن

في خطوة انتظرتها أوكرانيا طويلا بهدف تعديل موازين القوى في الحرب ضد روسيا والحد من فجوة التفوق العسكري لعدوتها، جاء الضوء الأخضر في الرمق الأخير من عهدة الرئيس الأميركي جو بايدن يتيح لكييف استخدام نظام الصواريخ التكتيكية "أتاكمز" بعيدة المدى بهدف ضرب العمق الروسي.

ويعد هذا القرار استباقيا من إدارة بايدن تحسبا لمواقف الرئيس القادم دونالد ترامب المتحفظة من الحرب ومن الدعم الموجه لأوكرانيا.

ولطاما حذّرت روسيا الغرب من هذه الخطوة المماثلة واعتبرتها -إذا حدثت- بمثابة إعلان حرب ضدها من قبل حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي ومبررا موضوعيا لمراجعة موسكو عقيدتها النووية.

والآن، وفي ظل التطور المتسارع للاحداث والمواقف، يبدو أن التهديد الروسي لم يعد مبنيا على خطوة افتراضية، خصوصا بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في وقت متأخر من ليل الخميس، أن روسيا أطلقت صاروخا باليستيا فرط صوتي في طور التجربة على هدف في أوكرانيا ليل الأربعاء.

وقال إن من بين العمليات التي أُنجزت تجربة أحد أحدث أنظمة الصواريخ الروسية متوسطة المدى، وهو صاروخ باليستي فرط صوتي مزود برأس حربي غير نووي، مضيفا أن المشغلين الروس أطلقوا على المنظومة اسم أوريشنيك (شجرة البندق).

 

زيلينسكي: الصواريخ ستتحدث عن نفسها (أسوشيتد برس)

لحظة فاصلة

في تحليل نشرته صحيفة "بوليتيكو" الأميركية، وصفت فيه تخلي واشنطن عن سياسة الحذر وموافقتها لتحريك الصواريخ الباليستية نحو الأراضي الروسية بأنها لحظة فاصلة في الحرب.

وأوضحت الصحيفة أنه على الرغم من استعمال أنظمة الصواريخ الغربية بالفعل لضرب الأراضي التي احتلتها روسيا، فإن استخدامها لضرب أهداف داخل روسيا كان يعتبر منذ فترة طويلة من المحرمات الثابتة، خوفا من إشعال حرب نووية.

وفي أول رد فعل من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قال إن "الصواريخ ستتحدث عن نفسها"، بينما جاءت التحذيرات من داخل روسيا نفسها بشأن الدور الذي يمكن أن يلعبه نظام الصواريخ التكتيكية "أتاكمز" في تغيير دفة الحرب أو الحد من فعالية التفوق العسكري للجيش الروسي.

وصواريخ "أتاكمز" هي نوع من صواريخ أرض-أرض موجهة وبعيدة المدى وشديدة الدقة، موجودة لدى القوات البرية الأميركية منذ عام 1990، وفي مارس/آذار 2016، أعلِن عن تطوير صاروخ طويل المدى لتلبية متطلبات الجيش الأميركي.

وتعد الذخائر المستخدمة في "أتاكمز" فعالة في تدمير المنشآت مثل المطارات ومنشآت الدعم، وبعض معدات الاتصال ومعدات الإطلاق.

ويشير الخبير العسكري الروسي يان ماتفييف في تحليله على قناة "تيفي راين" إلى أنه من المرجح أن تستخدم كييف الصواريخ بعيدة المدى ضد القوات الروسية وربما الكورية الشمالية التي تحشد قواتها في منطقة كورسك في روسيا، مما يعني أن القواعد العسكرية والمستودعات والمطارات في روسيا ستكون أهدافا منطقية أيضا لضرب أوكرانيا.

وأضاف ماتفييف أن الدفاعات الجوية الروسية موجهة حاليا نحو إسقاط الطائرات المسيرة الأوكرانية، وعلى الأرجح أنها ستحتاج إلى عدة أسابيع للتكيف مع مهمة اعتراض الصواريخ، وهو ما يمنح كييف فرصة لتحقيق أقصى قدر من التأثير في فترة وجيزة محددة.

دعم أوروبي

تترافق هذه التطورات مع تحركات دبلوماسية أوروبية حذرة، ففي العاصمة البولندية وارسو أعلنت 6 دول أوروبية رئيسية عن دعمها لسياسة دفاعية أوروبية مشتركة وعن ضرورة تعزيز الصناعة الدفاعية في الاتحاد الأوروبي والاستمرار في تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا.

ووصف وزير الخارجية البولندي راديك سيكورسكي -في مؤتمر صحفي مشترك مع نظرائه الألماني والإيطالي والفرنسي- الاتفاق بـ"الصفقة الكبيرة" التي من شأنها أن تساعد على "مواجهة الطموحات الإمبريالية" لروسيا.

وبموازاة ذلك، وافق المجلس الأوروبي في الاجتماعات الخاصة بالدفاع على الاستنتاجات المتعلقة بالمراجعة الإستراتيجية للتعاون الهيكلي الدائم والمعروف اختصارا باسم "بيسكو"، وهي تشمل وضع أوكرانيا بالأساس.

تم إطلاق "بيسكو" في ديسمبر/كانون الأول 2017 ليكون إطارا للدول الأعضاء الراغبة والقادرة على تطوير القدرات الدفاعية بشكل مشترك، وتنسيق الاستثمارات والتعاون في هذا المجال.

ووفق مذكرة المجلس، فإن المراجعة التي تم إطلاقها منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023 تهدف إلى تعزيز إستراتيجية "بيسكو" وجعلها أكثر فعالية وتكييفها مع الواقع الجيوسياسي الجديد بعد عام 2025.

وتشير الاستنتاجات في المذكرة في أبرز نقاطها إلى أهمية تقريب أوكرانيا من مبادرات الدفاع التابعة للاتحاد الأوروبي بما يتماشى مع الالتزامات الأمنية المشتركة بينهما والموقعة في 27 يونيو/حزيران 2024، والتي تلزم "بيسكو" بالمساهمة في الجهود الأوسع التي يبذلها الاتحاد بهدف تلبية الاحتياجات العسكرية لأوكرانيا.

ويمنح هذا زخما أكبر للدفعة التي تلقتها كييف مع صدور القرار الأميركي من أجل إحداث تغيير على أرض المعركة في مواجهة الروس.

إطلاق "بيسكو" في 2017 ليكون إطارا للدول الأعضاء الراغبة والقادرة على تطوير القدرات الدفاعية بشكل مشترك (الأناضول)

لكن إلى أي مدى يمكن أن يصل الرد الروسي؟

ردا على القرار الأميركي، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوما يتيح للجيش الرد بأسلحة نووية حال تعرض البلاد لهجوم بصواريخ باليستية.

وتنص العقيدة الروسية النووية الجديدة على أنه إذا شنت دولة هجوما صاروخيا باليستيا على الأراضي الروسية بدعم من دولة أخرى مسلحة نوويا، فإن لموسكو الحق بالرد نوويا، كما يمكن لموسكو استخدام هذا الحق أيضا إذا تعرضت لهجمات بمسيرات أو طائرات حربية.

ووفقا لتحديثات العقيدة النووية، يعد "العدوان على روسيا من دولة عضو في تحالف" تطورا يمكن أن يؤدي إلى رد نووي، ويعد جميع أعضاء التحالف الذي تنتمي إليه الدولة المهاجِمة طرفا في العدوان المحتمل.

وعلى المستوى الرسمي، لم تخل الردود من تلميحات إلى تغيير محتمل وعلى الفور في نهج العقيدة العسكرية والنووية لموسكو، حيث قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن استخدام الأسلحة بعيدة المدى من شأنه أن يدل على "مستوى جديد ونوعي من التوتر وموقف جديد فيما يتعلق بالتورط الأميركي في الصراع".

كما أشار إلى التعليقات التي أدلى بها الرئيس بوتين في سبتمبر/أيلول، عندما حذر من عواقب دفع الغرب أوكرانيا إلى استخدام صواريخ هجومية، وهو ما لفتت إليه أيضا المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا.

وفي حين لم يقدم بوتين خطة رد واضحة في تصريحاته التي أدلى بها للتلفزيون الرسمي الروسي في سبتمبر/أيلول فإنه ذكر حرفيا "سوف نضطر إلى الرد. كيف؟ متى؟ أين، على وجه التحديد؟ من السابق لأوانه الحديث عن ذلك الآن".

بوتين: حذر من عواقب دفع الغرب أوكرانيا إلى استخدام صواريخ هجومية (رويترز)

وقد نقلت وكالة الإعلام الروسية تحذيرات جديدة صدرت عن مدير المخابرات الروسية سيرغي ناريشكين أن محاولات دول حلف شمال الأطلسي لتسهيل الضربات الصاروخية الأوكرانية داخل روسيا لن تمر دون رد.

وفي كل الأحوال لم تتأخر النتائج والتطورات في الإعلان عن نفسها مع قرار الإدارة الأميركية إغلاق السفارة في كييف يوم الأربعاء 20 نوفمبر/تشرين الثاني تحسبا لهجوم جوي روسي واسع النطاق على أوكرانيا، وتبعتها في ذلك سفارات إيطاليا واليونان وإسبانيا.

أما على المستوى الإعلامي، فكانت الردود أكثر تحريضا داخل روسيا على اتخاذ خطوات انتقامية بما في ذلك استخدام أسلحة نووية. واعتبر ديمتري كيسليوف، مقدم برنامج "فيستي نيدلي" الإخباري في روسيا على التلفزيون الرسمي، أن "هناك سببا وراء تعديل روسيا لعقيدتها النووية"، حتى لو تعرضت لضربة بأسلحة تقليدية.

ولم يستثن كيسليوف الأراضي الأميركية والبريطانية والفرنسية من أي عواقب مترتبة عن هذه الحرب المفتوحة.

كما ألمح سيرغي مردان، الشخصية التلفزيونية المعروفة في روسيا، إلى ضربة انتقامية، وكتب على تليغرام أنه "من المتوقع أن يقدم الكرملين إجابة مفصلة حول المنشآت الأميركية التي ستصبح أهدافًا للصواريخ الروسية إذا شنت القوات المسلحة الأوكرانية هجمات على الأراضي الروسية".

وكتب المعلق يوري بودولياك إلى أكثر من 3 ملايين متابع له أن "روسيا قد تصبح أكثر تصميما على تدمير نظام كييف، وقد تختار الرد عبر صراع بالوكالة في مكان آخر من العالم، مثل تحريك جماعة الحوثيين المسلحين لإغراق سفن في البحر الأحمر".

صدى الحرب في السويد وفنلندا

وأيًا كان الرد المتوقع، فإن نذر الحرب يمكن ملاحظتها على الفور لدى الجارتين السويد وفنلندا اللتين ترتبطان بعلاقات متأرجحة وبتاريخ يغلب عليه التوتر.

وكان البلدان قد تخليا عن موقف الحياد العسكري وانضما إلى حلف شمال الأطلسي بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وشاركا في تدريب عسكري مشترك لدول حلف الناتو في كاوتوكينو بالنرويج في مارس/آذار 2024.

ويأخذ البلدان تهديدات موسكو وخطواتها المحتملة مأخذ الجد عبر الاستعداد لأسوأ السيناريوهات بما في ذلك حرب شاملة في المنطقة.

وقد بدأت وكالة الطوارئ المدنية في دولة السويد يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني بإرسال أكثر من 5 ملايين كتيب إلى السكان، يتضمن نصائح لوجستية للتعامل مع الأزمات أثناء الحرب والكوارث الطبيعية والهجمات الإلكترونية.

وسبق أن اتخذت السويد مثل تلك الخطوة في 5 مناسبات فقط منذ الحرب العالمية الثانية عام 1945، كانت آخرها عام 2018، وهي المرة الأولى حينها التي يتم فيها إرسال الكتيب إلى الأسر السويدية منذ 1961 في ذروة الحرب الباردة.

ووصف مدير وكالة الطوارئ السويدية في بيان الوضع الأمني بـ"الخطير"، ودعا إلى الرفع من القدرات بهدف مواجهة الأزمات بما في ذلك احتمال نشوب حرب، وهو ما لمّح إليه بشدة القائد الأعلى السابق للقوات المسلحة السويدية ميكائيل بايدن الذي حث المواطنين السويديين على "الاستعداد ذهنيا للحرب".

ومن جهتها، أطلقت حكومة فنلندا -التي تشترك في حدود طولها 1340 كيلومترا مع روسيا- موقعا إلكترونيا يقدم نصائح حول الاستعداد للأزمات.

خط ساخن

أعاد التوتر الحالي الضوء إلى أزمة الصواريخ الكوبية الخطيرة في مطلع ستينيات القرن الماضي والتي كادت أن تدفع العالم إلى حرب نووية بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية.

وبسبب ذلك دفعت الأزمة الحالية وسائل الإعلام الدولية إلى الحديث عن الدور المرتقب لـ"الخط الساخن" في تجنيب العالم خطر كارثة إذا استُخدمت الأسلحة النووية.

وتأسس ما يسمى بالخط الساخن بين الكرملين والبيت الأبيض في عام 1963 بعد توقيع مذكرة تفاهم لتقليل احتمالات وقوع سوء التفاهم الذي أجج أزمة الصواريخ الكوبية في 1962 إذ يسمح بتواصل مباشر بين زعيمي البلدين.

وقال بيسكوف لوكالة تاس الروسية "لدينا خط آمن خاص للتواصل بين الرئيسين في روسيا والولايات المتحدة يستخدم حتى للتواصل عبر الفيديو"، لكن لدى سؤاله عما إذا كانت قناة الاتصال تلك مستخدمة في الوقت الراهن، أجاب بـ"لا".

aljazeera.net