في 2025: الشباب اللاجئون بين حصار الحرب وآمال الهجرة الجديدة
مع بداية العام الجديد، يتوزع شباب السودان بين الأمل في نهاية قريبة للحرب التي دمرت وطنهم، وبين التطلع إلى بناء مستقبل جديد بعيدًا عن أهوال النزاع. في أرض بعيدة عن وطنهم، يعيش هؤلاء الشباب بين خيارين: العودة إلى ديارهم إذا توقف القتال، أو الهجرة بحثًا عن فرص أفضل في أماكن أخرى..
التغيير: فتح الرحمن حمودة
في أرض غريبة، بعيدًا عن وطنهم الأم، يتناثر آلاف الشباب السودانيين الذين دفعتهم نيران الحرب التي أوشكت على إتمام عامها الثاني إلى الخروج عن ديارهم. ومع دخول العام الجديد، تتباين رؤاهم؛ فمنهم من يتمسك بخيط الأمل في لحظة انتهاء النزاع وعودة السلام، بينما يركز آخرون على بناء مستقبل جديد في الخارج، حاملين أحلام الهجرة إلى دول أخرى خارج القارة الإفريقية.
أحمد ياسر، شاب في مطلع العشرينيات، ينظر إلى العام الجديد كفرصة لتطوير نفسه أكاديمياً، لكنه لا يخفِي فقدانه الأمل في توقف الحرب التي ما زالت تنهش بلاده. ويقول لـ”التغيير”: “تصاعد العنف وتفاقم خطاب الكراهية بين أطراف الاقتتال، إلى جانب تعقيدات المشهد السياسي، جعلني استبعد أي بارقة أمل قريبة”.
حياة جديدة
ويمضي قائلاً: “الآن، أوجه أنظاري نحو بناء حياة جديدة، هدفها الأساسي تأمين مستقبل أفضل لي ولعائلتي التي ما زالت متواجدة داخل السودان. أنا في محاولة لإخراجهم إلى دولة أخرى لبدء حياة جديدة ومستقرة بعيداً عن أهوال الحرب الدائرة حالياً”.
وتقول الطالبة العشرينية سوهندا فيصل: “ما زال لدي أمل في أن تتوقف الحرب في القريب العاجل”. وتضيف لـ”التغيير”: “خططي الحالية، على الأقل خلال الثلاث سنوات القادمة، لا تضمن العودة إلى البلاد، لأن الهجرة بالنسبة لي أصبحت خياراً مطروحاً، لكنه حتى الآن غير أكيد”.
أما محمد خليل، فيوضح أنه لا يحمل طموحاً للهجرة إلى أوروبا، رغم أن لديه الأمل في أن تتوقف الحرب. ويضيف، بحسب حديثه لـ”التغيير”: “أصبحت مقتنعاً بأن هذا الأمل صعب التحقيق، وعلى الرغم من تمسكي برغبة العودة، إلا أن ذلك لا يمنعني من التفكير في مستقبلي حتى وأنا في المنفى”.
في قلب مأساة النزاع، تتجلى قصص الرحيل القسري والهروب من الموت كحكايات إنسانية مؤلمة. ووفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أجبر هذا الصراع المستعر أكثر من سبعة ملايين شخص على ترك منازلهم وأحلامهم خلفهم، باحثين عن ملاذ آمن، من بينهم حوالي مليون ونصف شخص عبروا الحدود نحو دول الجوار.
ينظر الشاب عبدالرحمن محمد إلى العام الجديد باعتباره بداية جديدة، مؤمنًا أن الأمل ما زال موجودًا. ويقول لـ “التغيير”: “كل واحد منا يتمنى أن تنتهي هذه الحرب، ولكن مع ظروف الوضع الحالي، أصبح التفكير في الهجرة واقعًا للكثير منا. خصوصًا إذا استمرت الحرب، ليس هناك أجمل من أن نكون جزءًا من بناء بلدنا من أول وجديد”.
وما زال الشباب السوداني يقف على مفترق طرق بين حلم العودة إلى الديار واستعادة المسار الديمقراطي، وبين طموح الهجرة بحثًا عن مستقبل أفضل في أعينهم. حيث تبدو الحياة وكأنها لعبة انتظار طويلة، تتخللها محاولات إنسانية بائسة للتمسك بخيط رفيع من الأمل.
وترى الشابة لينة جميل الله أن العام الجديد سيكون مليئًا بالتحديات، وتقول لـ “التغيير” إنه مع استمرار الحرب وغياب وضوح الأفق، أصبحت تركز على بناء حياة مستقرة تمنحها القدرة على المساهمة في مجتمعها من أي مكان. وتضيف أنها تفكر في الهجرة إلى البلاد الغربية لتحقيق طموحاتها.
بالنسبة للشاب محمد محمود، فإن فكرة العودة تبدو أكثر صعوبة، قائلاً لـ “التغيير”: “ما دام الواقع لا يبشر بتغيير إيجابي، في الوقت ذاته أجد نفسي مضطراً للتأقلم مع الوضع الراهن.” ويضيف: “قررت أن أبدأ حياة جديدة تضمن لي مستقبلاً خالياً من الحروب، وأن أبحث عن مكان يوفر لي السلامة والحرية والكرامة.”
سياقات مُعقدة
أما هيام الرضي، التي تعمل الآن بإحدى المنظمات، فقد عبرت عن واقع مختلف قائلة لـ “التغيير”: “كان لدي أمل في أن يتوقف النزاع وأستطيع العودة إلى الديار، إلا أن مع الوضع الحالي وسياقات الحرب التي أصبحت معقدة، بدأ حلمي يتلاشى. وبدأت أفكر بجدية في الهجرة ولا أفضل العودة للسودان مرة أخرى.”
وبين الحنين إلى الوطن الممزق والرغبة في الانطلاق نحو آفاق جديدة، يظل الشباب السوداني محاصرًا بأثقال الحرب وأحلام الهجرة، ممزقًا بين واقع يرفض الاستسلام وأمل يحلق في سماء المستقبل الذي بات مجهولًا بالنسبة لهم.
وعلى الرغم من غياب الأرقام الدقيقة حول نسبة الشباب بين اللاجئين، إلا أن التقارير تسلط الضوء على هذه الفئة التي تمثل العمود الفقري لأحلام الهروب من واقع النزاع. بالنسبة للكثير منهم، الرحلة ليست فقط بحثًا عن الأمان، بل أيضًا عن فرص تعليمية ومهنية تنير طريقهم نحو مستقبل مختلف، حيث لا مكان للحرب.
ومع حلول العام الجديد، وفي ظل رماد الحروب التي تشتعل في المنطقة، تتولد لدى الشباب أحلام بالعبور إلى آفاق أبعد من حدود القارة الإفريقية. فالحروب، التي غالبًا ما تحمل معها الخراب والمعاناة، أصبحت دافعًا قويًا لهم للبحث عن مسارات جديدة تعيد صياغة حياتهم.
altaghyeer.info