المليشيا استباحت المنطقة ونفذت انتهاكات واسعة مأساة ودراوة : الحصحاص لم يعد حلاوة..
الكرامة : رحمة عبدالمنعم
ودراوة، المدينة الصغيرة في شرق الجزيرة، باتت شاهدة على مأساة أخرى تضاف إلى سجل الحرب التي مزقت السودان، بين أزقتها التي كانت تضج بالحياة يوماً، تناثرت أشلاء الحلم وتوارى الأمان خلف غبار الدما،. ودّعت المدينة أمس الاربعاء ثلاثة من أبنائها الشهداء، واحتضنت جراح العشرات، فيما أجبرت قسوة الأحداث أهلها على ترك بيوتهم والنزوح نحو ودعشيب، القلقالة، والتكلة، حاملين معهم ألم الفقد وذكريات مدينة لم يعد كما كان. ودراوة الآن ليست سوى أطلال حزن، تُروى دموع أهلها على وجنات التاريخ المنسية.
ودراوة تنزف في صمت
شهدت مدينة ودراوة، الواقعة شرق ولاية الجزيرة، واحدة من أكثر الفصول إيلاماً في الحرب الدائرة التي تعصف بالبلاد منذ أبريل 2023،المدينة الصغيرة، التي كانت موطناً آمناً لأهلها، أصبحت مسرحاً للدمار والخراب إثر هجمات شنتها مليشيا الدعم السريع على المدنيين في أعقاب ظهور قائدها السابق في المنطقة، والمنضم للجيش أبو عاقلة كيكل، في فيديو يعلن فيه السيطرة على “ودراوة”
دماء في الشوارع
المأساة في ودراوة بدأت تأخذ منحى خطيراً منذ إعلان أبو عاقلة كيكل سيطرته على المنطقة قبل يومين وتحظيداً يوم 30 ديسمبر،كرد فعل على هذا التطور، شنّت المليشيا هجمات وحشية على البلدة، أسفرت عن مقتل عدد من السكان بطرق مروعة، من بينهم: المواطن عبد الرحيم كباشي، الذي لقي حتفه بطلق ناري،و إبراهيم الفكي الصديق، الذي واجه المصير ذاته،كما توفيت صفاء مبارك عبد الرحمن كباشي، جراء هبوط حاد في الدورة الدموية نتيجة الهلع والخوف.
إلى جانب هؤلاء الضحايا، تعرّض العشرات لإصابات خطيرة، تراوحت بين جروح بسيطة وإصابات بالغة، ولا تزال حياتهم معلقة في انتظار علاج قد لا يصل.
مدينة أشباح
تحولت ودراوة إلى مدينة أشباح؛ شبه خالية من سكانها، باستثناء بعض كبار السن والأسر التي لم تتمكن من النزوح، الأسواق والمنازل نُهبت وسُرقت بالكامل، وأُحرقت المحال التجارية، إلى جانب المسجد والمراكز الصحية. حتى المنازل المحيطة بالسوق لم تسلم من النيران.
المشهد في ودراوة يعكس انعدام أي مظاهر للحياة: سوق المدينة نهب بالكامل، والدخان يتصاعد من أطلال ما كان يوماً أماكن للتجارة والصلاة والعلاج.
النزوح القسري
في ظل استمرار الانتهاكات، نزح معظم أهالي ودراوة إلى القرى المجاورة مثل ود عشيب، الكسمبر، القلقالة، كلكول، والتكلة أبشر ،المشاهد هناك تروي فصولاً أخرى من المأساة؛ الآلاف يعيشون في ظروف إنسانية قاسية، بلا مأوى ولا طعام كافٍ .
يقول أحد النازحين “للكرامة: تركنا كل شيء خلفنا، لم يكن لدينا خيار. نجونا بأرواحنا فقط، لكننا لا نعلم إلى متى سنصمد في هذا الوضع”.
ظهور كيكل
كانت الشرارة التي أشعلت هذه المأساة هو ظهور أبو عاقلة كيكل، الذي كان قائداً لقوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة،والذي أعلن منذ نهاية أكتوبر 2024، انحيازه إلى القوات المسلحة، ما أدى إلى تصعيد الهجمات من قبل قوات الدعم السريع التي باتت ترى في شرق الجزيرة ساحة للانتقام ولكي ترد على قائدها السابق الذي ظهر في مقطع فيديو معلناً تحرير ودراوة
ومن قبل شنتة المليشيا هجمات، شملت قرى ومدناً أخرى وذلك عقب انشقاق كيكل منها ، أسفرت عن مقتل أكثر من ألفي شخص ونزوح قرابة نصف مليون، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية التي تشهدها ولاية الجزيرة.
جرح إنساني
ودراوة ليست سوى مثال واحد على المأساة الإنسانية التي تضرب السودان بأكمله، الهجمات التي شنتهامليشيا الدعم السريع في شرق الجزيرة لا تُظهر سوى جزء من الصورة: استهداف المدنيين، سرقة الممتلكات، وانتهاك الحرمات.
على الرغم من كل هذا، تبدو استجابة المجتمع الدولي والعربي خجولة وغير كافية لمواجهة حجم الكارثة،آلاف السودانيين يعيشون في ظروف أقل ما توصف بأنها غير إنسانية، بينما تتزايد أعداد القتلى والنازحين يومياً.
نداء إنساني
تتطلب مأساة ودراوة استجابة عاجلة من كافة الجهات الإنسانية والحقوقية. الوضع هناك لا يحتمل التأجيل، إذ أن كل يوم يمر يضاعف من معاناة السكان ويزيد من حجم المأساة.
على العالم أن يتحرك لإنقاذ ما تبقى من ودراوة ومن مناطق أخرى تشهد نفس المصير. فمن يتحمل وزر هذا الخراب؟ ومن سيمنح سكان ودراوة صوتاً يعلو فوق دوي البنادق؟.
azzapress.com