وساطة تركيا.. هل تقود فرقاء السودان للتفاوض
عاين- 6 يناير 2025
ارتفع مستوى التفاؤل قليلاً في المشهد السوداني بوضع حد للحرب المدمرة، مع إعلان مبادرة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتوسط بغرض إجراء مصالحة بين الحكومة التي يقودها الجيش من بورتسودان ودولة الإمارات، والتي يُعتقد أنها مدخل لوقف القتال في البلاد.
ويأتي التفاؤل لجهة أن المبادرة يقودها الرئيس التركي أردوغان الذي يحظى بمكانة تجعله وسيطاً مقبولاً للإسلاميين الذين يتخذون من بلاده معقلاً لهم، فهم يُتهمون على نطاق واسع بتغذية نيران الحرب في السودان ورفض توقفها.
وبخلاف حملات الرفض والمناهضة التي يبديها تنظيم الحركة الإسلامية لأي مبادرة للتسوية السلمية للصراع في السودان، آثروا الصمت تجاه وساطة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولم يبدوا أي اعتراض عليها، باستثناء تصريحات لمساعد قائد الجيش ياسر العطا هاجم خلالها الإمارات بشدة، الشيء الذي فهمه البعض بأنه مسعى لإجهاض جهود المصالحة السودانية الإماراتية بطريقة غير مباشرة.
فيما وجدت مبادرة أردوغان التي نقلها عبر نائب وزير خارجيته برهان الدين دوران، الترحيب من الحكومة التي يقودها الجيش من مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر شرقي البلاد.
والتقى دوران خلال زيارته إلى بورتسودان السبت الماضي، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وسلمه المبادرة التي جاءت استكمالاً لمشاورات أجراها أردوغان والبرهان شهر ديسمبر المنصرم، وأبدى البرهان ترحيبه بالوساطة الرامية إلى المصالحة بين حكومته والإمارات، بحسب ما أعلنه وزير الخارجية السوداني علي يوسف.
وتتهم الحكومة التي يقودها الجيش في السودان، دولة الإمارات بتقديم الدعم العسكري لقوات الدعم السريع، وقدمت شكوى رسمية ضدها لدى مجلس الأمن الدولي، ودارت بين الطرفين ملاسنات وحرب إعلامية، بينما تنفي أبو ظبي هذه التهم جملة وتفصيلاً.
موافقة صامتة
ويقول الخبير في العلاقات الدولية، موسى إدريس، إن “صمت الإسلاميين في السودان على وساطة رجب طيب أردوغان، يعني ترحيباً ضمنياً بها، مما يجعلها مختلفة عن سابقاتها من حيث النتائج، ويعود ذلك إلى العلاقة الجيدة بين الإسلاميين ودولة تركيا التي لجأوا إليها، ويقيمون فيها منذ سقوط نظام حكمهم بثورة شعبية قبل خمس سنوات”.
وشدد موسى في مقابلة مع (عاين) أن وزارة الخارجية السودانية هي من تولت عقد المشاورات الأولية مع تركيا بشأن مبادرة المصالحة مع الإمارات، في حين أنها كانت تتبنى خطاب الإسلاميين في الداخل والخارج والرامي إلى إفساد مساعي وقف الحرب، مما يؤكد العلاقة الوطيدة بين تنظيم الإسلاميين والجيش.
ويضيف: “من البديهي موافقة الجيش على التفاوض مع الإمارات بوساطة تركية بغرض إحراج قوات الدعم السريع التي تخطط لإعلان حكومة موازية في مناطق سيطرتها، وربما تنجح هذه المبادرة نتيجة للعلاقة الوطيدة لتركيا مع أطراف دولية وإقليمية ذات تأثير في الصراع الدائر في السودان، مثل مصر والإمارات نفسها”.
وتوقع موسى إدريس، أن تحظى مبادرة أردوغان بالدعم من الوساطة الأمريكية السعودية التي تقود مساعي لإنهاء الحرب في السودان منذ اندلاعها من خلال منبر جدة، وهو ما يسهم في تعزيز هذه المساعي، خاصة وأن تركيا ترى في حل الأزمة السودانية فرصة لتوسيع نفوذه في منطقة القرن الافريقي والبحر الأحمر.
ولم تُحدث المبادرة السعودية الأمريكية تقدم في تسوية سلمية للصراع في السودان، كما فشل اتفاق في المنامة البحرينية بين طرفي القتال، ومشاورات في جنيف السويسرية، نتيجة رفض الجيش المضي في مفاوضات وقف الحرب.
ويقول أمين أمانة العلاقات الخارجية في حزب المؤتمر السوداني، فؤاد عثمان في مقابلة مع (عاين) إن “تركيا تسعى لتوسيع نفوذها في المنطقة، ووجدت في حل الأزمة السودانية مدخلاً لذلك، فهذه الوساطة ستمثل اختبار قدرة تركيا على التفوق في الصراع الدولي والإقليمي في منطقة القرن الإفريقي الاستراتيجية، كما أن النجاح سيجعل من أردوغان وسيطاً موثوقاً لحل أزمات المنطقة”.
عوامل للنجاح
ويشير عثمان، إلى أن نجاح مبادرة أردوغان في وقف الحرب في السودان بحاجة إلى عوامل عديدة؛ نظراً لتعقيد الأوضاع السودانية والتباين الواسع في مواقف الأطراف، لكنها من المؤكد ستفتح آفاقا جديدة للحوار ومسار تفاوضي يمهد للسلام.
وشدد أن المبادرة ربما تسهم في خفض التوتر وحدة الصراع، لكن النجاح في مسعاها يتطلب إرادة سياسية من أطراف الحرب، وتعاون القوى الدولية والإقليمية، بالإضافة إلى فرض مزيد من الضغوط الدولية على الجهات الفاعلة في النزاع.
من جهته يرى الناشط السياسي أحمد الفحل، أن نجاح مبادرة أردوغان يتوقف على مدى ضمان مصالح الإسلاميين ومستقبلهم بعد وقف الحرب، والإبقاء على عبد الفتاح البرهان على رأس السلطة، مع مراعاة مصالح الإمارات وحليفها قوات الدعم السريع.
ويقول الفحل في مقابلة مع (عاين): “المبادرة خطوة إيجابية، وينبغي أن تشمل جميع الأطراف المعنية لضمان تحقيق السلام والاستقرار في البلاد، فيجب مراعاة المصالح؛ لأن تجاهلها سيؤدي إلى فشل المبادرة نتيجة ضارب المصالح، كما أن السودانيين يرفضون عودة قوات الدعم السريع إلى المشهد السياسي، بسبب الانتهاكات التي ارتكبتها الشيء الذي سيؤدي إلى مزيد من التعقيد أمام الوساطة التركية”.
3ayin.com