خبر ⁄سياسي

لا للحرب.. نعم لفرح متبصر

لا للحرب.. نعم لفرح متبصر

فائز السليك

مع دخولها إلى مدينة ود مدني، في شهر ديسمبر ٢٠٢٣ كنتُ قد كتبتُ هنا أنَّ قوات الدعم السريع خسرت سياسياً وأخلاقياً وانتصرت عسكرياً، وسبب الخسارة هو الانتهاكات الكبيرة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها القوات في كل قرى الجزيرة، ولذلك كان من الطبيعي أن يفرح أهل الجزيرة بعد أن فقدت القوات المدينة، لأن من حق أي مواطن ومواطنة العودة إلى قريته أو مدينته ليعيش بأمان، ويمارس حياته الطبيعية مثلما كانت قبل اندلاع الحرب اللعينة.

يظلُّ موقفي ثابتاً هو رفض الحرب، دون التفاتة إلى أي محاولة للابتزاز أو التخويف، وقد يقول قائل لولا الحرب لما عادت مدينة، وبالحرب ستعود الخرطوم، لكني أقول لولا الحرب أيضاً لما قتل مئات الآلاف، ولما اضطَّر ملايين السودانيين للهروب من جحيم العبث، ولولا الحرب لما عاشوا بلا كرامة في ظل أسوأ الظروف كان داخل أو خارج البلاد.

وبعد ثلاثة أيام ستدخل الحرب شهرها الثاني والعشرين، فماذا كسبنا خلال تلك الفترة؟ بل كم خسرنا؟ وكم متوقعاً لنا أن نفقد خلال الفترات المقبلة من حرب العبث هذه؟ وهل من مشهد درامي وعبثي أكثر من أن يكون من استلم الجزيرة من الجيش، وسلمها إلى قوات الدعم السريع هو ذات الشخص الذي شارك أيضاً في تسليمها من الجيش إلى الدعم السريع؟

وهل من عبث أكثر من أن يطلق البعض على ذات الرجل صفة (خائن) ثم يطلقون عليه صفة (البطل؟) وهل من عبث أكثر من محاربة “مليشيات ” بواسطة مليشيات” والحديث عن ” تمرد الجنجويد” على الجيش؟ وهل يا ترى سوف يعود (البراء) بكل براءة إلى حضن الجيش، ثم يتفرغ لتلاوة القرآن الكريم، والدعوة في المساجد بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيضع كيكل بندقيته، ويختار رعي الإبل في مناطق البطانة، والاستمتاع بالدوبيت وبأشعار الحردلو

الشم خوخت بردن ليالي الحرة

 والبراق برق من منا جاب القرة

شوف عيني الصقير بي جناحو كفت الفرة

تلقاها أم خدود الليلة مرقت برة

وهل سوف يسلم مني أركو مناوي بندقيته إلى الجيش، ويحترف العمل السياسي، ويختار طريق التنافس السلمي بلا بندقية؟ وهل سيكون في السودان جيشٌ واحدٌ احترافيٌ يؤدي واجباته المقدسة في حماية تراب البلاد ودستورها الدائم؟ أم سوف يتسلل الأشرار من بين مفاصله ليمارسوا ذات العنف الممنهج ضد الخصوم السياسيين وعسكرة الحياة السياسية.

هذه مجرد تساؤلات أطرحها وسط أجواء الفرح، وفي غمرة الحماس، وقد لا تجد قبولاً لدى البعض، ولسوف تغضب آخرين من الذين لا يستخدمون عقولهم للتفكير، ويحفظون دون أن يفهموا ما حفظوه، وسوف تجدون بعضهم هنا في تعليقات لا تجادل ولا تحاور ولا تطرح تساؤلات، ولا تقدم أجوبة، لكنها تخرج ما لديها من “الثلاث ورقات” للشتم واللطم والفجور في الخصومة والشخصنة، واحتفظ هنا في حسابي ببعضهم ليقدموا نماذج من الشتَّامين، وفاقدي المنطق. لم تنه الحرب، لكن البديل في مثل هذه الأجواء سيكون عسكرةً للحياة، واستنساخ ” تجربة الدعم السريع” هذا إذا انتهت الحرب في كل السودان بما في ذلك دارفور.

فليفرح الناس إذا ما عادوا إلى بيوتهم، لأن ما فعلته قوات الدعم السريع لم يكن سهلاً، لكن وجهة نظري تدعو الناس في ذات الوقت أإلى “الفرح المتبصر”، وأن لا يسقطوا من التفكير أن سيناريو الحرب في حد ذاته كان القصد منه عسكرة الحياة وإعادة ترسيم المشهد السياسي بالدماء، ووضع كل السودانيين أمام خيارين. .الحرب أم العساكر؟ مع أن الحرب في حد ذاتها نسخة من العسكرة الشرسة والفاجرة.

altaghyeer.info