على خلفية سداسية الدرديري عن الإسلامويون..هل تنهض حركة معاقة فكريا وعقديا.
خالد ابواحمد
بينما كنت أقلب وسائل التواصل الإعلامي وقع نظري على مقال للقيادي الإسلاموي السيد الدرديري محمد أحمد بعنوان الإسلاميون في السودان لم تعثروا وكيف ينهضون (١-٦)، -بطبيعة الحال- العنوان لافت للنظر، برغم أني لا أحفل بما يأتي به أمثال الدرديري وغيرهم من القيادات الإسلاموية البعيدة عن هموم الإنسان السوداني، ومنذ الوهلة الأولى في مطالعتي للمقال خطرت ببالي كتابات المفكر والأكاديمي البروفيسور التجاني عبد القادر حامد، وشتان ما بين الثرى والثريا، خاصة التي تناول فيها مسيرة الإسلامويون في بلادنا المنكوبة، التجاني كما هو معروف عالم ومفكر وهو أكثر الكتاب الذين أسهموا في زيادة الوعي حول مشاريع (الحركات الإسلامية) السياسية في تجاربها على المستوى العالم العربي والإسلامي، وقد درس تجربة حكم (الإنقاذ) المأساوية وكتب فيها الكثير من المقالات الرصينة التي ركز فيها على الصراع علي السلطة بشكل تحليلي معمق يعكس التزامه الإنساني والفكري والأكاديمي والوطني…
الاسلامويون- كعادتهم الالتفاف حول الحقائق التي لا يشك فيها عاقل مثل سطوع الشمس في رابعة النهار، لا أحد ينكر وجودها إلا من أعمى الله بصره وبصيرته، واضح أن السلسة التي نشر منها الحلقة الأولى تحاول تبرئة (الحركة المجرمة) من جرائم 35 عاما تنوء بحملها الجبال، ويريد الكاتب أن يزرع الشكوك حولها بل محاولته تحميل مسؤوليتها للأشخاص، برغم أن الفعل الرسمي المتمثل في الدولة التي يسيطرون على جيشها وأمنها وشرطتها قد ارتكبت هذه المجازر، إن الحلقة الأولى من سلسلة المقالات المشار إليها في ظاهرها ايجابية جدا كونه اعترف بمبدأ المحاسبة، لكني استميح القارئ الكريم عذرا أن يقرأ معي هذه الفقرة من المقال إذ يقول الدرديري محمد أحمد:
”ولا شك في ان قيادات الإسلاميين قد ارتكبوا أخطاء أثناء إدارتهم الشأن العام. فما بلغ من تلك الأخطاء مرحلة الاتهام بجريمة، وجب أن يحاكموا عليه فيُبرّأوا من التهمة أو يدانوا بها. فمن يُبرّأ فهي شهادة شخصية له، ومن يدان ويعاقب كان ذلك زاجرا لغيره جابرا لذنبه – ان شاء الله. وما كان من أخطائهم دون ذلك لكنه بلغ درجة مخالفة العهد والميثاق الذي بينهم وبين اخوتهم، حاسبوهم عليه وربما أخرجوهم بسببه من جماعتهم”.
أخي القارئ الكريم لو تتذكر اني في الكثير من مقالاتي أذكر بأن الجماعة دائما يتذاكوا علينا ويحسبون أن الشعب السوداني قليل فهم، ومتواضع القدرات الذهنية، و(مسكين) يمكن أن تضربه وتسفك دمه وتأكل معه في مائدة واحدة، مثلما كانت تفعل قيادات النظام حتى رئيسهم المخلوع يأمر بقتل المتظاهرين ثم يذهب لبيت أسرة القتيل ويؤدي (واجب العزاء)، القيادي الإسلاموي الدرديري في هذا المقال يسمي ما حدث في السودان من ضياع للوطن، وابادات جماعية، وتطهير عرقي في كل السودان وفي دارفور من 2003م وحتى 2019م، بأنها ” أخطاء”، وأن الضرب الطيران والبراميل المتفجرة في جبال النوبة وأنحاء واسعة من دارفور والنيل الأزرق، ومجازر مجندي الخدمة الالزامية في العيلفون، وانتفاضة سبتمبر 2013م، مجزرة اعتصام القيادة العامة كلها لا تعدو أن تكون ”أخطاء”..!!.
وأن سرقة المال العام وبيع شركات القطاع العام، ونهب البنوك مجتمعة (مجموعة بنك النيلين للتنمية الصناعية) أنموذج، وشركات الطيران والخطوط البحرية وبيوت السودان في لندن وباريس وغيرها، كلها مجرد “أخطاء”، ولا زالت أموال الشعب السوداني لم تسترد، وأنشئت بها شركات ضخمة في ماليزيا وتركيا ..إلخ، هذا كله أخطاء..!.
الفقرة المشار إليها في بداية المقال تغني القارئ الكريم تماما عن المواصلة في قراءة باقي المقال لأنها تمثل خلاصة مبكرة لسلسلة من 6 حلقات من الحشو والكلام غير المفيد والكذب والافتراء والهروب من تحمل المسؤولية التي تعتبر سمة بارزة سمات هذا التنظيم الشيطاني، عندما أشير للكذب في هذه المقالة أعني اصرار الكاتب على وصف جماعته بـ(الاسلاميين) وهم أبعد خلق الله عن الاسلام وما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إن عبارة (الإسلاميين) وردت في 16 موضع في المقال المكون من (2113) كلمة، وهو ما يعني أن الكاتب لا زال بعيدا، لم يصل بعد للمرحلة التي تؤهله لكي يكون قابلا للتواصل الوجدان مع القراء الكرام في تفاعلهم مع مقالاته،، إن القارئ الإنسان بطبيعة الحال لديه حصانة تمنعه تلقائيا من التفاعل مع أهل النفاق والمجرمين والمدافعين عن الباطل بكل صوره.
بين د.التجاني عبدالقادر والدرديري
في حالة الدرديري يمكن أن نشير في المقابل إلى إقبال القراء وتفاعلهم الكبير مع كل المقالات التي كتبها البروفسيور التجاني عبدالقادر حامد في العقد الأخير من مسلسلات عديدة ممتعة، تحلى فيها بالأمانة والصدق الذي عُرف به من عقود طويلة، ونموذج لهذه المسلسلات المكتوبة:
الرأسماليون الإسلاميون ماذا يفعلون فى الحركة الإسلامية؟
العسكريون الإسلاميون: أمناء على السلطة أم شركاء فيها..؟.
الصفقة الكبيرة الخاسرة..
نحن وحدويون وإن وقع الانفصال..
هذا فضلا عن المقالات الكثيرة التي حركت البرك الساكنة في أدب الحوار السوداني، و اتسمت بالرقي والأدب والمسؤولية تجاه القُراء والتاريخ والوطن، كما اتسمت بالتناول الرصين وبلغة سلسة تؤكد على أن كاتبها الدكتور التجاني عبد القادر قد نفذ إلى أفئدة القُراء فتداول مقالاته بشكل عجيب، أما عن السيد الدرديري ومن أمثاله العشرات الذين اتفقوا مؤخرا في جماعتهم الكبيرة المجرمة على محاولة إقناع الشعب السوداني بأن لا بديل لحُكم السودان غيرهم، وصُرف في تحقيق هذا الهدف الملايين المتلتة من الدولارات صرفت على جوقة الإعلاميين الذسن نعرفهم جميعا ونعرف مآربهم الذاتية، لكن الشعب أوعى بكل ما يخططون له وقادر على التعامل معها بحنكة.
وعندما نقرأ للأصلاء في قيادة الجماعة مثل أمين حسن عمر ونسمع تصريحاته، ونشاهد اللقاءات التي تجرى معه، ونقرأ للدرديري محمد أحمد مثل هذا الهراء لا نحتاج لقراءة ما يكتبه الوُكلاء عنهم من أمثال الهندي عزالدين، وضياء الدين بلال وغيرهم، فنطمئن غاية الاطمئنان على ما ينتظر هذه الجماعة في المستقبل، وقد علمتنا عبِر التأريخ ذلك.
إن مقالة الدرديري هذه ذكرتني وقفة تأملية وقفتها مع نفسي وكتبت فيها مقالا أعتقد انه كان آخر مقال لي نشرته في السودان عبر صحيفة (ألوان) في ديسمبر 1999م، و عنونته بـ(كالحمار يحمل اسفارا)، ذكرت فيه أن (الحركة الإسلامية) بتاريخها الطويل في السودان ومجاهداتها لم تنتج شيخا فقيها واحد له وزنه ومكانته في ميدان الفكر في العالم الإسلامي أو فقهيا ومفسرا مثل (الشعراوي) أو غيره، وأن الحركة هذه برغم سنوات عمرها ومؤسساتها المنتشرة في البلاد وبنوكها وشركاتها، وسمعتها الذائعة الصيت ليس لها كِتاب أو مرجع واحد له وزن يتداوله المسلمين في العالم، وأن هذه الحركة بكل حراكها وأموالها المكدسة ليس لها مؤسسات خيرية كبيرة لها وزن تقيل عثرة الضعفاء وتساعد المحتاجين في السودان، حتى ديوان (الزكاة) الذي أسسوه لمساعدة الفقراء والمساكين طالته أيادي الفاسدين الكبار ومن ضمنهم علي عثمان محمد طه، وهذه لها قصة يوما ما سنتطرق إليها.
السبب الذي جعلني أكتب هذا المقال على خلفية مقالة الدرديري هذه
السبب هو قناعتي بأن حُكم هذه العصابة التي حكمت السودان طيلة هذه السنوات الـ 35 عاما أذلت الإنسان السوداني إذلالا شديدا وفعلت فيه الأفاعيل، مارست فيه كل أنواع القتل والنهب والسرقة، ولا أدل على ذلك إلا بنموذج مقتل واغتصاب الأستاذ الشهيد أحمد الخير، وقد جاء في محاكمة الجناة اعتراف أحدهم بعد سؤال القاضي عن وظيفته في جهاز الأمن قال أنه “مختص اغتصاب”..!!
الاجابة كانت صادمة للحد البعيد.. ولا زالت صادمة، ثم يريدون أن ينهضوا من جديد..!!
إن أعضاء هذه الجماعة تجردوا من الإنسانية تماما، قساة القلب بحيث يقتل الواحد منهم إنسانا ولا يرجف له جفن، كما حدث في الكثير من المواقف من بينها اغتيال شهداء سد كجبار الذي خرجوا في تظاهرة سلمية في منطقة نائية رفضوا اقامة سد في منطقتهم بلا ضمانات لسلامتهم، إذا بسيارة يقودها مجموعة مسلحة من قوات الشرطة فتحوا نار الأسلحة عليهم بتاريخ 13 يونيو 2007م، ومثل هذه الحادثة حدثت في مدينة بورتسودان وكان الفاعل هذه المرة أفراد من جهاز الأمن، وهناك المئات من حوادث القتل والتصفيات الجسدية التي يمارسها جهاز الأمن التابع لدولة (الحركة الاسلامية) بدون أي مصوغات قانونية أو دينية أو أخلاقية.
تتجلى قسوتهم وبربريتهم حتى مع عضويتهم، ففي ملابسات تصفية الحسابات في محاولة اغتيال الرئيس المصري محمد حسني مبارك، بينما كان الضابط بالتصنيع الحربي يقود سيارته برفقته زوجته وطفلتهما الصغيرة وقفت سيارة بوكس بيضاء أمام السيارة وانزلوا الرجل بالقوة وطرحوا أرضا ثم فتحوا فيه نيران أسلحتهم ثم غادروا وكأن شيئا لم يحدث، الطفلة لا زالت تعاني حتى الآن من تداعيات هذه الحادث، المقتول قيادي كبير بالحركة، كان رفيقهم وزميلهم وهو من المؤسسين لجهاز التصنيع الحربي.!
الرئيس المخلوع عمر البشير كان قد اعترف اعترافا تاريخيا بأنهم “قتلوا ناس دارفور لأتفه الأسباب”، أحد الاخوة عندما سمع هذا الاعتراف من الرئيس مباشرة شعر بالذنب الشديد رغم أنه لم يشارك فيه، لكن فقط كونه عضو في هذه الجماعة شعر وكأنه شارك في قتل اهلنا بدارفور، وهو بذلك يثبت لنا حقيقة دائما كنت أتحدث عنها، وهي أن كل عضو في (الحركة) تزامن وجوده في التنظيم مع ممارسة الظلم من قتل وتنكيل هو مشارك فيه، الأمم المتحدة عام 2004م قالت أن ضحايا دارفور في “عمليات القتل والابادة الجماعية 300 ألف نسمة”، وبعد سنوات وفي لقاء مع مجموعة من الصحفيين قال د. مصطفى عثمان اسماعيل ” أن قتلى دارفور 10 ألف بس”..!!.
هل يعقل كل هذه الدماء الزكية لا تحرك فيهم ساكنا..؟.
هؤلاء الضحايا كانوا 300 ألف أو 10 ألف (بس) هم بشر مثلنا، ولهم آمال وطموحات في المستقبل كما لدينا ولدى قادة الحركة المجرمة الذين أرسلوا ابنائهم للدراسة في الخارج، بينما يقتلوا أبناء الشعب السوداني بدم بارد، شباب زي الورد أمثال الشهيد محجوب التاج الطالبِ بكليَّةِ الطب بجامعةِ الرازي، والشهيد محمد يوسف (الجوني)، وغيرهم الآلاف الذين صرفت عليهم أسرهم دم القلب حتى يخدموا الوطن ويشاركوا في نهضته.
لا يتناهون عن منكر فعلوه
أعود وأكرر أن ما يسمون أنفسهم بـ” الاسلاميين”، هم قتلة ومجرمون وأن أمثالهم قد ذكرهم الله في القرآن الكريم، مثل قوم عاد وثمود وغيرهم “كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه”، لا أدري كيف ينومون ويأكلون ويعيشون في أسرهم، وقد قتلوا الأسر في مدن كثيرة في السودان، هؤلاء بشر بلا روح، ولأن نهجهم شيطاني لم ينفعهم العلم الذي تعلموه، ولا التربية التي تربوها من أهلهم.
لذلك لا أرضى أن يأتي واحد منهم يحاول الظهور بمظهر التحضر والبراءة لتغبيش وعي الناس بعد كل ما فعلوه في بلادنا، فإن ما يجري الآن في السودان هُم السبب فيه، ولا أذيع سرا إن قلت أني ولسنوات طويلة أفكر في كنه هذا الأمر..واتساءل في نفسي كيف يكون الإنسان مُسلم، ويكذب ويسرق ويعذب ويقتل، والأغرب من ذلك كله قوة العين العجيبة في كونه ارتكب كل الموبقات والجرائم الكبيرة ويرى في نفسه أنه الأفضل والأحسن، وان كل الذين يقفون ضده، ويختلفون معه في الفكر والرأي ما هم إلا حثالة، وجهلة، كفارا ومشركين ومأجورين، مع العلم انهم لم يتركوا شيئا للكفر والعمالة للخارج بيعا وشراء، لذلك أقرأ وأبحث كثيرا حتى أصل لحقيقة الأمر، مثلا كيف بالله ذلك الإنسان طوعت له نفسه ليكون في وظيفة (مغتصب)..؟.!.
كيف يعيش هؤلاء الذين اغتصبوا الشهيد أحمد الخير ثم قتلوه..؟، كيف عملوا ذلك؟؟، وأي إرادة هذه التي توفرت لهم، أي قلوب هذه التي يحملونها في صدورهم..؟، أي أسر هذه التي تربوا فيها، وأي منهج هذا الذي تشربوه في حركتهم الشيطانية..؟.
الأمر العجيب ترى الواحد من قادتهم في أجمل صورة، وابتسامة وأحيانا ترى في وجهه علامات السجود كأنهم ملائكة لكنهم في الحقيقة ذئاب مفترسة ليس لهم علاقة بالروح الانسانية..!!.
عندما نراهم في الملمات عبر شاشات التلفزيون وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ، لكنهم بلا ضمير.. هم فقط أجساد بلا روح.
عند ذكر الروح..نذكر هيلين كيلر (Helen Keller)
بينما كنت في بحثي عن معرفة أصل هذه الأرواح الشيطانية التي ابتلينا بها وقعت في يدي قصاصات قديمة ممزقة لا أدري من كاتبها، وهي قصة الكاتبة الأميركية الكفيفة الصماء البكماء هيلين كيلر (Helen Keller) هذه القصة هزت مشاعري بشكل كبير ومؤثر، فهناك خيط رفيع يربط بينها والكاتب الدرديري محمد أحمد ويمكنني القول بأنها علاقة طردية، ولدت هيلين كيلر أول القرن الماضي، كما ذكرنا عمياء صماء خرساء.. كتلة من اللحم البليد لكن معلمة اسمها (ماري آن) جعلتها تعرف العالم بما بقي من حواس اللمس والشم والذوق، ماري آن داعبت كتلة اللحم الصماء وضربتها وشتمتها أضحكتها وأبكتها حتى عرفت الفتاة العاجزة شكل العالم، وحتى رأته بعينيها وأصابعها وأذنيها وحتى كتبت عنه أروع المؤلفات.
هيلين كيلر تعد من أبرز شخصيات القرن العشرين، أصيبت وهي عامها الثاني بمرض أفقدها حاستي السمع والبصر، فحصها المخترع غراهام بيل وأرسل معها معلمتها آن سوليفان التي رافقتها حتى وفاة الأخيرة.، كتبت كيلر 14 كتابا وأكثر من 475 خطابا ومقالا، وألهمت عدة شخصيات منهم مارك توين وألكسندر غراهام بيل ووينستون تشرشل، و