خبر ⁄سياسي

جرائم الجيش والمليشيات الموالية له في مدني

جرائم الجيش والمليشيات الموالية له في مدني

رشا عوض

عندما دخلت قوات الدعم السريع إلى جبل موية في يونيو 2024 كتبت على صفحتي بموقع فيسبوك بالحرف الواحد ما يلي:

” الخبر اليقين من وجهة نظري هو:

مزيد من النازحين

مزيد من المعاناة الإنسانية

مزيد من القتلى والجرحى السودانيين

مزيد من الحزن والألم؛ لأن الحرب التي نتمنى توقفها اليوم قبل الغد تتمدد وتتسع!

لا أهتم مطلقا بانتصار أحدهما أو هزيمة الآخر

كل ما يهمني هو الهزيمة المغلظة لأحلامنا في وطن آمن مسالم وحر!

لن تنتصر أحلامنا إلا إذا هزمنا فكرة الحرب وحجبنا المشروعية عنهم جميعا”

وما أشبه الليلة بالبارحة! فما كتبته عن دخول الدعم السريع إلى جبل موية قبل أشهر أكرره الآن بعد دخول الجيش والمليشيات الإسلاموية والقبلية المتحالفة معه إلى مدني التي أضافت إلى انتهاكات الدعم السريع مشاهد أكثر بشاعة مثل ذبح المواطنين من الوريد إلى الوريد وإحراق الأطفال وبقر بطون النساء وإلقاء الناس في النيل مكبلين بالحبال وإطلاق النار عليهم!!

لم أتفاجأ بمشاهد القتل والتعذيب وبيوت الأشباح التي باتت مبثوثة على الهواء مباشرة، ولم أستغرب تهديدات مليشيات الكيزان وإصدارهم لأحكام الإعدام بكل ثقة وإعلانهم بصريح العبارة أنهم لا يعترفون بأي قانون أو نيابات أو محاكم، فهذه حربهم وهذه ملامح دولتهم القادمة التي يرسمون حدودها بالدم! أنها دولة الفصل العنصري والتطهير العرقي! وما استهداف سكان الكنابي بهذه الوحشية إلا في إطار خطة تقسيم السودان التي سبق أن تناولتها بالتفصيل في مقالتي بعنوان “الخطوط العريضة لمؤامرة الكيزان على ولاية الجزيرة” المنشورة بصحيفة التغيير الإلكترونية على الرابط

أما الاحتفالات وتبادل التهاني والتبريكات بما يسمى “انتصارات الجيش” في وجه آخر من وجوه الأزمة!

وهي تدل على جهل وسذاجة وعدم إدراك لحجم الكارثة الوطنية التي نحن فيها (ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخي الجهالة في الشقاوة ينعم)!! وهنا أتحدث عن الاحتفالات التلقائية لمواطنين غير واعين يظنون أن دخول الجيش يعني عودتهم إلى بيوتهم وأمنهم وراحتهم وحياتهم المعتادة!

هناك من عادوا إلى شرق الجزيرة فور سماعهم بقدوم الجيش، فحصدت الألغام أرواح ستة منهم! والحالمون بواحة العدل والطمأنينة صدمتهم المذابح والاعتقالات!

الفرح الهستيري الذي نشهده من العائدين إلى بيوتهم يلخص بعمق مأساة الحرب!

إذ إن الجيش ومليشيات الكيزان والدعم السريع بالحرب يسرقون أشياءنا البسيطة جدا وتفاصيل حياتنا العادية، فتتحول إلى أمنيات عزيزة تفصلنا عنها مسافات، ونحتاج إلى بلوغها أثمانا باهظة تصل إلى دفع حياتنا نفسها!

السكن في بيوتنا، التجول في شوارع حاراتنا وأسواقنا، ذهاب الأطفال إلى المدارس، وذهاب المرضى إلى المستشفيات، صباحات الأعياد، أنس الأهل والجيران، طمأنينة الحياة في الوطن..

كل ذلك هو حياتنا المعتادة التي كنا نفكر في تطويرها نحو الأفضل، فالسلام هو الأرض التي تنمو فيها أحلام الترقي الإنساني، أحلام أن تكون حياتنا على قيد الحرية والعدالة والتقدم المطرد، أما الحرب فتتقزم فيها الأحلام إلى مجرد أن نكون على قيد أي حياة، وإن كانت في دار إيواء بائس أو معسكر لجوء مذل!

قبل الحرب كنا نفكر في كيفية النجاة من الحياة غير المستوفية لشروط الكرامة الإنسانية!

أما بعد الحرب أصبحت تلك الحياة غير المستوفية لشروط الكرامة هي أعز أمنية وأصعب هدف! فنحتفل ليس بالعودة إليها، بل بالعودة إلى أنقاضها وأطلالها الباهتة!! نحتفل بالغناء والرقص دونما اعتبار؛ لأن القصف الجوي والمدفعي والرصاص والجوع والمرض يحصد أرواح الناس في مناطق على مرمى حجر من حلبة الزار التي نحن فيها محتفلون!

المجرمون التافهون الذين أشعلوا الحرب طمعا في السلطة يعرضون علينا في أسواقهم تلك الحياة التي كانت غير مستوفية لشروط الكرامة تحت استبدادهم وفسادهم وظلمهم، ويطالبوننا بدفع المكافآت السياسية لهم مقابل عودتنا إلى منازلنا المسروقة أو المهدمة!! وإلى شوارعنا التي كانت متسخة بالنفايات العادية، فأصبحت مزروعة بالألغام!!

ما نشهده من محاولات الاستثمار السياسي الكيزاني في احتفالات الفرح بدخول مدني وهتافات التغييب والتضليل مثل “جيش واحد شعب واحد” ما هو إلا تكرار لحكاية الذي حبسوه في غرفة عرضها متر واحد وطولها ثلاثة أمتار، وعندما اشتكى من ضيقها أدخلوا عليه بقرة، فجعلوه يتمنى فقط إخراج البقرة والعودة إلى الغرفة الضيقة، بل وتقبيل أيادي من اخرجوا البقرة! ومبايعتهم على السمع والطاعة مدى الحياة! رغم أنهم هم من أدخلوها، وقبل ذلك هم من حشروه في الغرفة الضيقة!

البقرة هي هذه الحرب القذرة التي دفع فاتورتها الأبرياء!

والغرفة الضيقة هي ذاك العهد الكيزاني المنحط الذي ثار ضده الشعب السوداني!

إن هذه الحرب هي جريمة ثلاثية الأطراف: الكيزان الطرف الرئيس الذي يسعى عبرها للعودة إلى السلطة، الجيش وقائده البرهان مشروع دكتاتورية عسكرية بقيادته هو، والدعم السريع وله مشروع استبداد مليشياوي، وهذه الأطراف الثلاثة تتشارك الاستخفاف بدم المواطن وماله وعرضه والدليل هو إشعالهم لهذه الحرب ابتداء، وطريقة إدارتهم لها خصوصا في ولاية الجزيرة.

وما نشهده الآن من بشاعات وانتهاكات في ود مدني بعد دخول الجيش والمليشيات الكيزانية والقبلية المتحالفة معه أكبر دليل على أن جذر الأزمة، وأس البلاء في هذه البلاد هو فساد واجرام وعنصرية المؤسسة العسكرية، وعلى رأسها الجيش المأزوم منذ تأسيسه، والذي تعمقت أزمته أضعافا مضاعفة بعد وقوعه تحت قبضة الإسلامويين لثلاثين عاما ولم يزل!

إن أي متغيرات ميدانية في هذه الحرب بتقدم هذا الطرف أو ذاك، سيطرة هذا الطرف على مدينة وانسحاب الآخر منها تظل مجرد “يوميات دفتر الحرب” التي تتربص بالمواطنين، وتهدد أمنهم واستقرارهم، ولذلك بدون إيقاف الحرب بتفاوض جدي وحل سياسي يعالج أسبابها الجذرية ستظل أشباح الرعب والانتهاكات والمذلة حاضرة في حياة المواطنين!

أطراف هذه الحرب عليهم أن يطلبوا من هذا الشعب الصفح والسماح بعد الاعتذار عن انتهاكاتهم وجرائمهم، وعلى رأسها هذه الحرب من حيث هي، لا أن يطالبوه بتتويجهم أبطالا!

استرداد مدني من الدعم السريع لن يغسل الجريمة النكراء التي ارتكبت في حقها من ثلاثي الحرب.

* الجيش الذي انسحب في تقصير وإهمال بائن لدرجة أنه أعلن عن لجنة تحقيق (منذ تشكيلها لم نسمع عنها شيئا)، بالإضافة إلى مسرحية كيكل وما ترتب عليها من حملات انتقامية دفع ثمنها مواطن شرق الجزيرة.

* الدعم السريع الذي قتل وسرق ونهب واغتصب واستباح وترك أهل الجزيرة على الحديدة، ودفعت انتهاكاته المواطنين إلى النزوح واللجوء والجحيم الذي تسبب فيه جعل بعض المساكين يفقدون عقولهم لدرجة الاحتفال بقدوم الجيش ومليشياته.

* الكيزان وهم العقل المدبر والمنفذ لكل هذا الخراب والشقاء، وما ارتكبته مليشياتهم في مدني منذ دخولها من فظائع بحق سكان الكنابي وغيرهم وما فعلوه قبل ذلك في الحلفايا يكشف طبيعة مشروعهم الإجرامي المتربص بكل معارض لهم، بل بكل برئ ينحدر من قبيلة خارج أقاليم “دولة النهر والبحر”.

altaghyeer.info