ما السبب الحقيقي وراء ارتفاع قتلى جيش الاحتلال شمالي غزة محللون يجيبون
ارتفعت أعداد قتلى الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة في الأيام الأخيرة، إثر اشتداد المعارك التي تخوضها إسرائيل مع فصائل المقاومة الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
فقد ذكرت الصحافة في إسرائيل أن الجيش الإسرائيلي لم يتعرض لمثل هذا العدد الكبير من القتلى بين صفوفه منذ أكتوبر/تشرين الأول 1973.
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن "عدد الجنود الذين قتلوا في العملية الحالية التي يشنها الجيش الإسرائيلي في شمال قطاع غزة، والتي انطلقت في بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي؛ وصل إلى 55 جنديا، 16 منهم في بيت حانون فقط".
وأمس الاثنين، أعلنت كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس) مقتل أكثر من 10 عسكريين إسرائيليين وإصابة عشرات خلال الأيام الثلاثة الأخيرة وحدها.
وتتزامن التصريحات السابقة مع تواتر الأنباء عن قرب التوصل إلى صفقة بين إسرائيل وحركة حماس من أجل وقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين الموجودين في القطاع.
وأرجع عدد من المحللين العسكريين والخبراء في الشأن الإسرائيلي -الذين التقتهم الجزيرة نت- الأسباب الكامنة وراء تصاعد العمليات واستهداف الجنود الإسرائيليين في شمالي قطاع غزة إلى ما يلي:
- أولا- قدرة المقاومة على استغلال ميدان المعركة في نصب الكمائن وزرع القنابل المفخخة.
- ثانيا- تأقلم عناصر المقاومة مع طبيعة التضاريس الجديدة لشمال غزة وطول أمد الحرب.
- ثالثا- تهجير سكان مناطق الشمال وفر حرية حركة للمقاومة وعدم الخوف من استهداف المدنيين.
- رابعا- العقيدة التي يقاتل بها المقاوم الفلسطيني تجعله مصرا على تحرير أراضيه من الاحتلال.
- خامسا- كثافة تواجد عناصر الجيش الإسرائيلي في شمال القطاع سهّل على المقاومة استهدافهم.
- سادسا- لم يكن أمام الفلسطينيين خيار سوى المقاومة، لذلك ازداد عدد المقاومين حاليا أكثر من بداية المعركة.
- سابعا- جيش الاحتلال لم يستطع تدمير أغلب الأنفاق الموجودة في الشمال، وما زال المقاومون يستغلونها.
- ثامنا- إفصاح الجيش الإسرائيلي مؤخرا عن العدد الحقيقي لقتلاه ليشكل ذلك ضغطا على الحكومة الإسرائيلية للموافقة على وقف إطلاق النار.
- تاسعا- تطور التكتيكات التي تتبعها المقاومة في الرصد والتتبع مع كثرة عدد الفخاخ التي تنصبها في أماكن تمركز عناصر جيش الاحتلال.
- عاشرا- محاولة تحقيق النصيب الأكبر من المكاسب قبيل التوصل لصفقة تدعم وقف إطلاق النار في غزة.
بيت حانون
وتفاصيل هذه الأسباب قال عنها المختص في الشؤون العسكرية والأمنية أسامة خالد إن ازدياد عمليات المقاومة وقتلى الجيش الإسرائيلي في شمال قطاع غزة يعود إلى قدرة المقاومة الفلسطينية على التكيف مع الظروف الميدانية المختلفة، بحيث تنسجم تكتيكات المقاومة مع المستجدات العسكرية.
إعلانوهناك الدفاع المدبر الذي أعدته هيئة أركان القسام طوال السنين الماضية في مناطق صلاحياتها وفي القطاعات الدفاعية، ولعل القطاع الدفاعي الأمامي (لواء الشمال القسامي) -مع باقي الأجنحة العسكرية الأخرى- قد حظي بعناية جيدة، وتم توظيف خبرة وعنفوان قادته طوال الحرب المستمرة على قطاع غزة في مواجهة الزخم العسكري الإسرائيلي.
ومن خلال القراءة العسكرية لميدان المعركة، نرصد تفعيلا مستمرا لكل من الدفاع العاجل والدفاع مع الفرصة في المنطقة الدفاعية الأمامية (بيت حانون) التي تشكل خط الدفاع الأول في شمال قطاع غزة، حيث يظهر طوال فترة الحرب قدرة المقاومة هناك على ضرب القوات الإسرائيلية متى توغلت فيها.
ونرى أيضا أن هناك إصرارا وعزما من قيادة المقاومة على المواجهة والقتال مهما كلف ذلك من ثمن، مع تكبيد قوات الاحتلال خسائر فادحة في المعدات والأرواح، واستثمار الفعل الميداني على طاولة التفاوض والضغط على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
ويذهب مدير مركز القدس للدراسات الإسرائيلية عماد أبو عواد إلى أن هناك مجموعة من العوامل زادت من وتيرة القتل بين جنود الاحتلال، ومنها:
- إسرائيل أفرغت مناطق الشمال من السكان ثم دمرتها، مما أدى إلى عدم وجود محاذير لدى المقاومة في استخدام بعض المناطق ضد الاحتلال، ومن ثم وجد المقاوم الفلسطيني أريحية في التحرك نظرا لعدم وجود سكان قد يتعرضون للقتل أو الاعتداء.
- كلما طال أمد الحرب استطاعت المقاومة التأقلم مع إجراءات الاحتلال والتغلب على المعوقات، وأصبحت أكثر قدرة على الاستهداف والتتبع، مما أدى إلى زيادة عدد القتلى في صفوف الاحتلال.
- زيادة تواجد إسرائيل على الأرض في المناطق الفلسطينية، خاصة شمال قطاع غزة.
- هناك إقرار إسرائيلي بأنه تم تدمير 40% من أنفاق المقاومة الفلسطينية، وإذا كان الرقم صحيحا فهذا يعني أن هناك 60% من الأنفاق لا تزال موجودة، وبالتالي تستطيع المقاومة التحرك بأريحية.
- سياسات إسرائيل دفعت إلى زيادة عدد المقاومين ودعمهم من قبل الفلسطينيين، حيث لم يكن هناك خيار للفلسطينيين سوى المقاومة أو الموت في منازلهم.
وفيما يتعلق بالانعكاس السياسي لهذا العدد الكبير من قتلى الإسرائيليين، فأعتقد أنه في بداية الحرب لم يكن هناك نقاش حول حجم القتلى الكبير بين جنود الاحتلال، لكن مع مرور الوقت بدأ المجتمع الإسرائيلي والمستويات العسكرية مناقشة فكرة أن البقاء في قطاع غزة نوع من العبث والاستهداف وتعريض الجنود للخطر من دون جدوى.
ويرجع المحلل والخبير في الشأن الإسرائيلي سليمان بشارات أسباب ارتفاع عدد القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي إلى العامل الجغرافي، فصاحب الأرض يتفوق دائما على أي قوة أخرى، لأنه يستطيع أن يشكل ساحة المواجهة ويوجه منطلقاتها وقوتها أمام القوة العسكرية الكبيرة التي يستخدمها الاحتلال الاسرائيلي.
ولهذا السبب يمكن القول إن المقاومة الفلسطينية استطاعت التأقلم مع طبيعة التضاريس الجديدة بعد عمليات التدمير الممنهجة التي قام بها الاحتلال الإسرائيلي، كما أصبحت قادرة على تحويل كل المتغيرات الميدانية والجغرافية والمكانية لصالحها، ومن ثم أصبح ركام المنازل الذي أحدثه جيش الاحتلال الإسرائيلي نقاط قوة استطاع الفلسطينيون استغلالها.
وهناك عامل مرتبط بالتعداد السكاني أو الانتشار الديموغرافي، فالاحتلال الإسرائيلي أراد من تهجير سكان الشمال الضغط على المقاومة، ولكنها على العكس كانت في البداية تتجنب المواجهة في المناطق المأهولة للحفاظ على سلامة السكان، أما بعد نزوحهم فإن حرية أكبر توفرت للمقاومين من أجل تحويل كل بقعة جغرافية إلى مكان يمكن من خلاله شن العمليات العسكرية.
ولا يمكن إغفال العامل العقائدي، فالمقاتل الفلسطيني ينطلق من عقيدة إيمانية ووطنية تجعله يواجه الاحتلال الإسرائيلي بعزيمة وإصرار. وفي المقابل، الجندي الإسرائيلي لا يحمل العقيدة نفسها، وهذا يجعل المقاوم الفلسطيني يتفوق في قدرته على المواجهة وتحمله الصعاب.
إعلان
وهناك العامل السياسي، فالجيش الإسرائيلي بات يتلقى انتقادات داخلية من المؤسسة العسكرية بسبب السياسة التي تتبعها حكومة نتنياهو، لأن الحرب استنفدت أهدافها العسكرية وأصبح الجيش فقط في خدمة أهداف سياسية، مما يضعف أداء عناصره وقدراتهم.
وفي ما يتعلق بتأثير ذلك على مفاوضات وقف إطلاق النار، فإن المقاومة استطاعت تصوير وبث كل العمليات التي أدت إلى خسائر إسرائيلية، مما زاد من قوة موقفها في المفاوضات وأثر على الأطراف المختلفة.
وبشكل عام، فإن قدرة المقاومة على الاستمرار في ظل الظروف الصعبة واستثمار الدعم الشعبي جعلها متفوقة ومستمرة في مواجهة الاحتلال، لأن المجتمع الفلسطيني في غزة كان وسيظل الداعم الرئيسي للمقاومة، وهذا الالتحام بين المجتمع والمقاومة هو العامل الحاسم في قدرتها على سد الفجوات وإعادة بناء قدراتها.
أما الباحث في الشؤون السياسية محمد غازي الجمل فيقول إن ارتفاع عدد قتل جيش الاحتلال في الأيام الأخيرة يعود إلى تطور التكتيكات التي تعتمدها المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة حماس، إذ تعتمد على القتال في مناطق فارغة من المدنيين، وتنشر فيها الكاميرات التي تراقب حركة جنود الاحتلال، وتكثر من نصب الفخاخ والألغام في الأرض والبيوت، مما يؤدي إلى وقوع عدد كبير من القتلى والجرحى.
وأضاف أن لهذه العمليات النوعية تأثيرا كبيرا على صورة نهاية الحرب، فحينما تقف الحرب والمقاومة مستمرة في إيقاع هذا العدد الكبير من القتلى والجرحى في صفوف الجيش الإسرائيلي، فإن الاحتلال لا يستطيع أن يخرج بصورة المنتصر، ومن المعلوم أنه في نهاية كل حرب يتسابق كل طرف إلى تسجيل أكبر قدر من النقاط قبل إطلاق صفارة النهاية.
aljazeera.net