خبر ⁄سياسي

بزشكيان يصل إلى موسكو لتوقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة

بزشكيان يصل إلى موسكو لتوقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة

وصل الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، صباح الجمعة، إلى موسكو، في إطار زيارة رسمية تستمر 3 أيام، ويُنتظر أن تشكل نقطة انعطاف مهمة في التاريخ الحديث للعلاقات بين موسكو وطهران، وفقاً لوصف دبلوماسيين في البلدين.

ومع التحضيرات لعقد جولة محادثات شاملة مع الرئيس فلاديمير بوتين، تتركز الأنظار الجمعة على توقيع الرئيسين اتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة الذي وُصِف بأنه «يضع خريطة طريق لتعزيز التعاون الروسي - الإيراني في كل المجالات لعقود مقبلة».

ووفقاً للبروتوكول الروسي في استقبال الرؤساء الأجانب، كان في انتظار الرئيس الإيراني في مطار «فنوكوفو» الحكومي بالعاصمة وزير الطاقة سيرغي تسيفيليف، ونائب وزير الخارجية أندريه رودينكو، ورئيس إدارة البروتوكول إيغور بوغداشيف.

واستبقت الرئاسة الروسية وصول بزشكيان بتأكيد أن الرئيسين سوف يجريان جولات محادثات تتناول كل جوانب العلاقة بين البلدين، وتركز على الملفات الإقليمية والدولية.

ووفقاً للمعطيات فإن الرئيسين سيناقشان خيارات لتوسيع نطاق العلاقات بين موسكو وطهران بشكل أكبر، ويُنتظر أن يركز البحث على تعزيز التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والنقل والخدمات اللوجيستية والمجالات الإنسانية، فضلاً عن أن المحادثات سوف تركز في شقها السياسي على القضايا الإقليمية والدولية. لكن الأنظار تتجه بالدرجة الأولى إلى الشقّ المتعلق بتوقيع الاتفاقية التي طال انتظارها.

وكانت موسكو وطهران قد أطلقتا العمل لإعداد وثيقة جديدة تنظم التعاون بين البلدين منذ بداية عام 2022، لتكون بديلاً لاتفاقية التعاون المبرمة بين البلدين في عام 2001. ورأت أوساط روسية وإيرانية أن الحاجة إلى تطوير اتفاقية جديدة نشأت بسبب التغييرات الكبرى التي طرأت على العلاقات الدولية والوضع حول البلدين، خلال العقدين الماضيين.

واستغرق إعداد الاتفاقية الجديدة نحو 3 سنوات شهدت مراحل مد وجزر، وبرزت خلالها تباينات بين الطرفين في أكثر من مفصل؛ ما تسبَّب، منتصف العام الماضي، في إعلان موسكو تجميد الحوارات الجارية حول وضع الصياغة النهائية لها.

لكن الطرفين نجحا خلال جولات حوار مكوكية جرت في موسكو وطهران، في تجاوز الخلافات في أغسطس (آب) الماضي، وأعلنا عن الانتهاء من وضع الترتيبات النهائية لتوقيع الوثيقة التي وُصِفت بأنها تنظِّم التعاون بين البلدين لعقود مقبلة. ورغم ذلك تم إرجاء موعد التوقيع أكثر من مرة حتى اتفق الطرفان على الموعد المحدَّد خلال هذه الزيارة.

وكشف وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في مقالة نشرتها الجمعة «وكالة أنباء نوفوستي» الحكومية الروسية، تفاصيل حول الاتفاقية الاستراتيجية، وكتب فيها أن روسيا وإيران «ستتعاونان في مجالات تكنولوجيا النانو وصناعة الفضاء والذكاء الاصطناعي والطب وغيرها من المجالات الواعدة».

وأكد الوزير أن «إيران وروسيا تتمتعان بقدرات بحثية علمية واسعة النطاق. وتوفر اتفاقية الشراكة الشاملة منصة لتبادل المعرفة والتعاون في مجالات متعددة وجديدة لم تكن على جدول أعمال التعاون في السنوات الماضية».

وتطرق إلى التعاون الدفاعي بين البلدين، الذي أُثيرت حوله كثير من السجالات، خصوصاً بعد إعلان روسي سابق بأن الاتفاقية الجديدة سوف تتضمن بنداً حول الدفاع المشترك والمتبادَل أسوة باتفاقية سابقة وقَّعتها موسكو مع بيونغ يانغ، العام الماضي.

وعلى الرغم من إعلان مسؤولين إيرانيين أن بند الدفاع المتبادَل لن يبرز في النسخة التي سيتم توقيعها اليوم، فإن الوزير الإيراني كتب في مقالته أن «التعاون بين روسيا وإيران في المجال الدفاعي لا يهدد أحداً، بل يعزز الأمن المشترك».

ورأى أن توقيع الاتفاقية الممتدة لـ20 عاماً بين إيران وروسيا ليس توقيعاً على وثيقة سياسية فحسب، بل يبلور «خريطة طريق للمستقبل». وتغطي هذه الاتفاقية، وفقاً للوزير، جميع جوانب التعاون بين البلدين، وتولي اهتماماً خاصاً بالمجالات الثلاثة الرئيسية التالية:

الأول التعاون الاقتصادي، الذي يشمل العلاقات التجارية والتعاون الاستثماري ومشروعات البنى التحتية، والتكامل في مجالات مواجهة القيود الغربية، ومشروعات استراتيجية كبرى أبرزها ممر الشمال - الجنوب الذي يربط في إطار مشروع إمدادات واسع النطاق إيران بروسيا، ومنها إلى أوروبا وآسيا. ومع اكتمال هذا الممر، ستصبح طرق التجارة بين البلدين أقصر وستنخفض التكاليف.

ورأى الوزير أن مشروعات الطاقة المشتركة تدخل أيضاً في ترتيبات أوجه التعاون الجديدة، وفقاً للاتفاقية، فضلاً عن ملفات التعاون في مجالات البحث العلمي، والثقافة والسياحة وتعزيز العلاقات الإنسانية.

وفي السياسة الدولية رأى عراقجي أن الاتفاقية تنظم مجالات أوسع للتعاون بين إيران وروسيا، من خلال مشاركتهما الفعالة في منظمات، مثل «منظمة شنغهاي للتعاون»، ومجموعة «بريكس»، و«الاتحاد الاقتصادي الأوراسي»، وقال إن موسكو وطهران تعملان على تحديد نموذج جديد للتعاون الإقليمي والعالمي. و«تعمل هذه المنظمات، التي تمثل القوى الناشئة والمعارضة للنظام الأحادي القطب، على خَلْق منصة لمزيد من التآزر والتنسيق بين إيران وروسيا».

وتطرَّق إلى التعاون في مجال الأمن والدفاع. وكتب أن إيران وروسيا تتمتعان بخبرة قيمة في مكافحة الإرهاب والتطرف. و«مثل هذه الشراكة، التي تهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي والعالمي، لا تلبي مصالح البلدين فحسب، بل وتخدم أيضاً مصالح السلام العالمي»، مشيراً إلى أن «اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة أكثر من مجرد اتفاقية. إنها خطوة نحو خلق عالم أكثر عدلاً وتوازناً. إن إيران وروسيا، وإدراكاً منهما لمسؤوليتهما التاريخية، تبنيان نظاماً جديداً يحل فيه التعاون محل الهيمنة، والاحترام محل الفرض».

في السياق ذاته، كتب المعلق السياسي لـ«نوفوستي» أن الاتفاقية الجديدة «ترفع العلاقات بين البلدين إلى مستوى غير مسبوق في تاريخهما».

وبعدما استذكر تاريخاً من العلاقات يمتد لنحو 4 قرون، شهد في بعض مراحله صراعات وحروباً بين البلدين، كتب المعلق السياسي أن «التغييرات الجادة في العلاقات الحديثة انطلقت خلال العقد الأول من القرن الحالي، عندما بدأت روسيا، التي ابتعدت عن الغرب، تنظر إلى إيران باعتبارها شريكاً استراتيجياً، وتوقفت عن الاهتمام بالدعاية الغربية حول كون البلاد جزءاً من محور الشر». وأشار إلى أن البلدين تقاربا بشكل كبير من خلال الأنشطة العسكرية المشتركة لهما في سوريا، والدور الحاسم الذي لعبته روسيا في إبرام ما يسمى بالاتفاق النووي بشأن البرنامج النووي الإيراني. وزاد: «لقد اقتربت الدولتان كثيراً من القدرة على تحديد علاقاتهما بشكل مستقل تماماً، وتنسيق سياساتهما على الساحة العالمية؛ فقد ارتفع مستوى الثقة، وتعززت العلاقات الشخصية، وتلاشت آخر الأوهام المتعلقة بإمكانية الاتفاق على حل سياسي على الأقل. لقد اختفى التطبيع النسبي للعلاقات مع الغرب».

aawsat.com