خبر ⁄سياسي

التغيير تنعي مؤسسها الباقر العفيف

التغيير تنعي مؤسسها الباقر العفيف

غيب الموت صباح اليوم الخميس، 23 يناير 2025، في الولايات المتحدة الأمريكية، الدكتور الباقر العفيف، أحد أعلام الفكر الديمقراطي وأعمدة المجتمع المدني في السودان، ومن أبرز الشخصيات المناهضة للحرب والمناصرة للسلام والحكم المدني.

رحل الباقر بعد صراع طويل مع مرض “سرطان الاثني عشر”، الذي أصابه منذ شهر يوليو عام 2018، وخاض حربه مع المرض بشجاعة آسرة، إذ ظل رغم المرض فاعلًا في خدمة القضايا العامة، بدءًا من مساهماته الفكرية في دعم “ثورة ديسمبر”، مرورًا بمساهماته المشهودة في إنجاح مشروع الانتقال المدني الديمقراطي، وصولًا إلى جهوده في توحيد القوى المدنية الديمقراطية لمناهضة الحرب.

من أبرز مساهماته في فضاء المجتمع المدني السوداني تأسيسه لـ”مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية” في الخرطوم عام 2007، الذي كان منبرًا لانطلاق فعاليات رائدة على الصعيد الحقوقي والفكري والإبداعي، ومبادرات العمل الإنساني، ومناصرة قضايا المرأة وحقوق الإنسان، ومناهضة القوانين المقيّدة للحريات.

وقد أُغلق المركز عام 2012 بواسطة نظام البشير، لكنه واصل نشاطه من فرعه في أوغندا.

كان الباقر من أشجع مناصري حرية التعبير وحرية الصحافة في السودان، وعندما اشتدت القبضة الأمنية على الصحف بعد استقلال جنوب السودان عام 2011، وتم منع عدد من الصحفيين والكُتاب من العمل والنشر في الصحف المطبوعة، بادر عبر “مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية” بدعوة عدد من الصحفيين المحظورين ومن أُغلقت صحفهم لتأسيس صحيفة إلكترونية لتكون منبرًا للرأي المحجوب والخبر الممنوع.

وهكذا وُلدت صحيفة (التغيير الإلكترونية) في الثالث من مايو 2013 كتجربة تجسد التعاون بين المجتمع المدني والصحافة الحرة.

وفي هذا اليوم العصيب، تنعى (التغيير) مؤسسها ورئيس مجلس إدارتها، الذي كرّس لها جهده ووقته، ورفدها بمقالات رائدة في الاستنارة والدفاع عن الحقوق المدنية.

كان الباقر العفيف أكاديميًا وكاتبًا سودانيًا صاحب رؤية فكرية مثيرة للجدل في قضية الهوية، تحت عنوان “متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء”، التي حواها كتابه الشهير “وجوه خلف الحرب”.

كتب الباقر العفيف عشرات المقالات في قضايا السلام والمركز والهامش، وجذور النزاعات المسلحة في السودان، ونقد النظام الإسلاموي في السودان، وقضايا الفساد والحريات العامة، فضلًا عن الدراسات المحكمة والأبحاث الأكاديمية.

وكانت آخر سلسلة مقالات كتبها بعنوان “حرب من هذه؟ وما هي أهدافها؟”، حيث قدم خلالها رؤيته حول الأسباب الجذرية لحرب الخامس عشر من أبريل 2023. نُشرت هذه السلسلة في صحيفة (التغيير) وأعيد نشرها في عدد من المواقع الإلكترونية.

وُلد الباقر العفيف ونشأ في مدينة الحوش وسط السودان، ودرس في جامعة الخرطوم، وعمل لاحقًا أستاذًا في جامعة الجزيرة، وأكمل تعليمه فوق الجامعي في المملكة المتحدة، وكان يقيم منذ فترة طويلة في بريطانيا مع أسرته.

أثناء دراسته في جامعة الخرطوم، تعرّف العفيف على الفكرة الجمهورية، وأصبح عضوًا فاعلًا في تنظيم الإخوان الجمهوريين بقيادة الأستاذ محمود محمد طه.

شغل العفيف منذ عام 2007 منصب مدير مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية، كما كان قياديًا بارزًا في حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق) وعضوًا في هيئتها القيادية منذ عام 1995.

عمل الفقيد مسؤولًا إقليميًا للحملات في منطقة الشرق الأوسط لدى الأمانة الدولية لمنظمة العفو الدولية في لندن خلال الفترة من 2001 إلى 2005.

كما عمل خبيرًا بمعهد السلام الأمريكي خلال الفترة من 2005 إلى 2006، وأستاذًا لعلوم الشرق الأوسط بجامعة مانشستر متروبوليتان في الفترة من 1996 إلى 2001.

كذلك، عمل أستاذًا للغة الإنجليزية في جامعة الجزيرة بود مدني خلال الأعوام 1988 إلى 1990.

وصحيفة (التغيير) إذ تنعى مؤسسها ورئيس مجلس إدارتها، فإنما تنعى للشعب السوداني أحد أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان، وعن الديمقراطية والحكم المدني، وعن “ثورة ديسمبر” وأهدافها المتمثلة في العدالة والمساواة والحكم الرشيد. كما تنعى أحد أبرز المخلصين لقضية السلام وإيقاف الحرب في السودان.

نسأل الله له الرحمة والمغفرة، ونتقدم بأحر التعازي لأسرته الصغيرة ولكل معارفه وتلاميذه وللشعب السوداني الذي فقد مناضلًا جسورًا ومفكرًا مستنيرًا.

إنا لله وإنا إليه راجعون

altaghyeer.info