اعتصام في دمشق للمطالبة بمعرفة مصير المفقودين
تجمَّع مئات السوريين، الجمعة، في ساحة المرجة وسط العاصمة السورية دمشق، في اعتصام تضامني طالبوا فيه بالكشف عن مصير المعتقلين والمفقودين وحماية سجلات السجون ومستندات المعتقلات، وحفظ المقابر الجماعية ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم بعد الإطاحة بالنظام السابق نهاية العام الماضي.
ورفع المشاركون وعائلات المفقودين ونشطاء وشخصيات فنية وثقافية ومعارضون، صور المعتقلين والمفقودين، وحملوا لافتات جاء في إحداها «ما خلصت الحكاية... إن لم تحاسبوهم أعيدونا لزنازيننا». كما كتبت على أخرى «المقابر الجماعية شواهد على الحقيقة»، فيما قالت لافتة ثالثة «العدالة لا تسقط بالتقادم»، ورابعة «لا للانتقام، نعم للعدالة».
وقال الناشط سامر السيد إن مشاركته بهدف المطالبة بالكشف عن مصير الطبيب أيهم، وآلاف المفقودين الذين اعتقلتهم أجهزة الأمن والمخابرات للنظام السابق. وقضي الطبيب أيهم تحت التعذيب في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2012 بعد اعتقال دام ثلاثة أيام فقط. وأضاف السيد لـ«الشرق الأوسط»: «أيهم اعتقل من أمام جامعته بعد عام من بدء المظاهرات المعارضة ضد نظام الأسد، اقتلعوا أظافره وتعرَّض لأبشع أنواع التعذيب ومات لحظتها».
وأكد السيد أن العائلة تعرفت على جثته من خلال «صور قيصر» المسربة من أجهزة الأمن السورية، التي صدمت المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية، مضيفاً: «نريد معرفة مصير المفقودين وأين جثثهم حتى نتمكن من تحديد هوياتهم، نريد دفنهم بشكل يليق بتضحياتهم».
النصب التذكاري
وعُلّقت عشرات اللافتات على النصب التذكاري لساحة المرجة تحمل صوراً لمعتقلين ومختفين فقدوا خلال الحرب السورية التي استمرت نحو 14 عاماً، وآخرين فقدوا منذ ثمانينات القرن الماضي، وكتبت تحتها أرقام للتواصل ومعلومات عن المفقودين وأسماء ذويهم، كما رفعت لافتة كبيرة سوداء طالبت بمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، وكتب عليها: «آن الأوان لمحاسبة الطغاة، لن نسامح وسنبقى مطالبين بتطبيق العدالة».
وقالت أيضاً الطبيبة روز صوصانية، ابنة شقيق الطبيب ميشيل جورج صوصانية، المختفي منذ عام 1985 في مدينة الطبقة بمحافظة الرقة، إن عائلتها لا تعلم أي شيء عن عمها: «عمي كان طبيباً جاء من فرنسا لفتح عيادة في الطبقة، واعتقل هناك من قِبَل أجهزة المخابرات واختفى منذ تاريخه، ووالدي وأهلي بحثوا عنه ليأتي الجواب بعدم البحث».
وتأكدت عائلته أن سبب الاعتقال يعود لنشاطه السياسي المعارض في فرنسا، ووجهت الطبيبة روز رسالة للسلطات الانتقالية الجديدة، قائلة: «أعلم أن الحرية شيء مقدس، وأن جميع المعتقلين كانوا ينتظرون لحظة خروجهم من الزنازين، لكن على الأقل كان يجب تنظيم تلك العملية والحفاظ على الأدلة والسجلات والوثائق».
وأضافت أن عائلتها تعرفت على اثنين من الذين خرجوا من سجن صيدنايا سيئ الصيت، كانا يشبهان عمها لدرجة كبيرة، وقالت: «بحثنا كثيراً عنهما والتقينا بهما لنكتشف أنهما ليسا عمي ميشيل، عشنا لحظات قاسية مع الفقد والغياب».
مصير عشرات الآلاف
ويشكل مصير عشرات آلاف السجناء والمفقودين أحد أكبر التركات المروعة لنظام الأسد المخلوع، والذي كان تنظيم وقفات مماثلة خلال حكمه ممنوعاً. وبحسب منظمات حقوقية فإن عدد المفقودين يفوق 150 ألفاً، وهو أكثر كثيراً من عدد الذين خرجوا من السجون.
ودعت منظمة «عائلات قيصر» السورية لهذه الوقفة التضامنية وطالبت السلطات الانتقالية الجديدة إلى اتخاذ تدابير من أجل حفظ الأدلة والمقابر الجماعية كونها شاهدة على الفظائع التي ارتكبها النظام السابق. وقالت ياسمين مشعان، رئيسة رابطة عائلات قيصر، لـ «الشرق الأوسط» إن الرابطة: «لديها ملفات قوية تدعم محاسبة مسؤولي النظام وقادته الأمنيين عن جرائم مرتكبة بحق المعتقلين والمفقودين إبان فترة حكم الأسد المخلوع».
وأوضحت، ياسمين، وهي أخت لخمسة نشطاء سياسيين اعتقلوا ومفقودين منذ سنوات، أن الرابطة: «تضم مئات العائلات الذين فقدت الأمل بخروج ذويها من معتقلات الأسد أحياء، وسط تضارب الأنباء وعدم ضبط عمليات الإفراج». وذكرت بأن الأمر شديد الصعوبة بالنسبة إليهم وهم يبحثون عن أبنائهم بين الصور والوثائق، ويترقبون معرفة مصيرهم، قائلة: «حقيقةً إنها لحظات إنسانية صعبة للغاية أن يكون ابنك أو أخاك أو زوجة أو شقيقة مجرد صورة، أو رقم مذكور في سجل ووثيقة».
وطالبت رابطة عائلات قيصر السلطات الجديدة بالوقوف إلى جانب عوائل المفقودين للمطالبة بتحقيق العدالة ومحاسبة المجرمين، وحماية المقابر الجماعية التي تضم رفاة أحبتهم.
من جانبها، قالت إيمان الشايب، التي أعتقل أخوها فواز في يناير (كانون الثاني) 2013، إن عائلتها لم تعرف عنه شيئاً، لكنها «بالصدفة ذهبت لسجل النفوس لاستخرج بيان عائلي، وكان مكتوب فيه أن أخي فواز متوفي منذ 2014، وعندما حاولنا المطالبة بمعرفة مكان جثته عن طريق وسطاء طلبوا مبالغ مالية كبيرة، وتنكروا للجريمة. وحتى تاريخ اليوم لا يوجد له أي أثر».
وتابعت إيمان، التي أعتقل أيضاً صهرها محمد فوزي الكيالي بعد شقيقها بنحو عام، أنها تأمل في معرفة الحقيقة، خصوصاً بعدما شاهدت تحرير المعتقلين من السجون. وقالت: «مشاهد تفرح القلب، لكنها بالنسبة لعائلات كثيرة كانت قاسية جداً لأننا لم نر أحبابنا في مقاطع الفيديو ولم يخرجوا منها».
aawsat.com