خبر ⁄سياسي

مسيرة حزب الله توحي بتباين بين جناحيه العسكري والسياسي

مسيرة حزب الله توحي بتباين بين جناحيه العسكري والسياسي

شوّشت المسيرة الاستطلاعية التي أعلن الجيش الإسرائيلي أنها عائدة لـ«حزب الله» وإسقاطها، الخميس، على تموضع الحزب سياسياً، وهو ما حاول إثباته في خطابات مسؤوليه البارزين وبياناته الإعلامية منذ الأسبوع الماضي، لكن الحادثة عكست إرباكاً على مستوى القرار في داخله.

وكان لافتاً في بيان أصدره في الأسبوع الماضي، دعوته الدولة اللبنانية لمعالجة أزمة تأجيل الجيش الإسرائيلي لسحب قواته من الأراضي اللبنانية التي يحتلها ضمن مهلة الستين يوماً لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، من دون التلويح بأي عمل عسكري مستقل عن الدولة، وهو خطاب تكرر على لسان مسؤوليه، بينهم أمينه العام نعيم قاسم، ورئيس كتلته النيابية محمد رعد، مطلع الأسبوع الحالي.

ومنذ وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لم يعلن الحزب عن أي عمل عسكري في الجنوب، باستثناء قصف صاروخي في الأسبوع الأول لموقع عسكري في منطقة مزارع شبعا التي يؤكد لبنان أنها محتلة من قبل إسرائيل. ورغم التفجيرات الإسرائيلية ونسف المنازل والتوغل داخل الأراضي اللبناني إلى أعماق وصلت إلى الشاطئ الجنوبي لنهر الليطاني، لم ينفذ الحزب أي تحرك عسكري.

لبنانيون يتحدرون من بلدة ميس الجبل يحملون أعلام «حزب الله» بعدما منعهم الجيش الإسرائيلي من العودة لبلدتهم بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

تموضع سياسي

وأوحت تصريحات مسؤولي الحزب وبياناته بتموضع الحزب سياسياً، والتزامه بالعمل السياسي، لا العسكري، الذي تُرك، وفق أمينه العام، لـ«استراتيجية دفاعية» تضعها الدولة اللبنانية. لكن الإعلان الإسرائيلي عن إسقاط المسيّرة التي لم يتبنّ «حزب الله» إطلاقها، يُنظر إليه، في حال ثبتت مسؤولية الحزب بإطلاقها، على أنه «تشويش على جهود الحزب لإثبات تحوله بشكل أساسي باتجاه العمل السياسي»، حسبما تقول مصادر لبنانية مواكبة لتحولات الحزب الأخيرة، مستدلة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على أن «الحزب استبعد أي عمل عسكري بعد انقضاء مهلة الستين يوماً، وهو ما ظهر في الأحداث خلال الأيام الخمسة الماضية لجهة التعامل مع تمديد إسرائيل لاحتلالها للأراضي اللبنانية».

ومن غير تأكيد المواكبين لعمل الحزب، ما إذا كانت المسيرة تشير إلى «انقسام» بين الجناحين السياسي والعسكري في الحزب حيال التعامل مع «التغول الإسرائيلي» في الداخل اللبناني، يرى الباحث المطلع على أحوال الحزب علي الأمين، أن هناك «إرباكاً داخل الحزب»، لافتاً إلى أنه «في الأحزاب الآيديولوجية، مثل (حزب الله) يصعب الانقسام فيها»، لكنه يشير إلى أنه قبل اغتيال الأمين العام السابق حسن نصر الله، «كان هناك مركزية في القرار»، في إشارة إلى نصر الله «الذي كان قادراً على اتخاذ حيز من القرارات غير القابلة للنقض، طبعاً تكون تحت المظلة الإيرانية».

ويستدل الأمين، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى مسألة الإرباك، من المعلومات التي سرت بعد وقف إطلاق النار حول «رفض بعض القيادات الاتفاق»، في إشارة إلى «تباينات» داخل الحزب. ويرى بعض قيادييه، حسب الأمين، أن صيغة دخول الجيش اللبناني والكشف عن المنشآت وتفكيكها يزيد التقديرات بأن الحزب «غير راضٍ عن الاتفاق، وغير مستعد للقبول بشروط تسليم السلاح، وخلق ميزان قوى لا يسمح له بهوامش للتحرك». ويرى أن الحزب اكتشف أنه «وافق على اتفاق سيزيله عن الساحة عسكرياً»، وهو «ما سيصعب تقبل جمهوره وعسكرييه للتسليم بالمعادلة الجديدة والتحول إلى جهة مدنية غير معنيّة بمواجهة إسرائيل».

آليات للجيش اللبناني في بلدة عيتا الشعب الحدودية مع إسرائيل (أ.ف.ب)

خطوط إيرانية مستقلة

وتقابل إسرائيل التحركات الشعبية اللبنانية التي ينفذها السكان للعودة إلى قراهم وبلداتهم الحدودية، بتصعيد لافت، على وقع تهديدات باستئناف الحرب، والتحرك بمعزل عن اللجنة الخماسية و«اليونيفيل» والدولة اللبنانية لتفكيك أي منشأة عسكرية للحزب «وإزالة التهديدات»، حسب قول مسؤوليها، ويتزامن ذلك مع تأخير دعوة سكان المستوطنات والبلدات الشمالية للعودة إليها. وتنتشر مخاوف على مستوى القيادة السياسية اللبنانية، من أن يشكل أي عمل عسكري، ذريعة لإسرائيل لاستئناف الضربات العسكرية في العمق اللبناني.

لكن تصريحات مسؤولي الحزب التي تضع معالجة الخروقات بعهدة الدولة اللبنانية، تستبعد أي اتجاهات لعمل عسكري. ويفترض الأمين أن هناك بُعداً إيرانياً دخل على خط الحزب يغذي التباينات بالآراء، استناداً إلى أن «الجهاز العسكري في الحزب، يرتبط بالحرس الثوري الإيراني، وتفتح بعض الأجنحة في إيران خطوطاً مستقلة عن القيادة السياسية، مما يدفع للسؤال حول ما إذا كانت هناك رسائل إيرانية تطلب من بعض أجنحة الحزب الدفع باتجاه التصعيد أم لا»، علماً بأن التباينات واقعة في إيران بين المسار السياسي ومسار «الحرس» لجهة التسوية والحوار مع الولايات المتحدة، أو الذهاب إلى تصعيد، حسبما يقول الأمين.

ومنذ اغتيال نصر الله، «لا يبدو أن القرار في الحزب عاد مركزياً». ويقول الأمين إنه لم يرَ حتى الآن «حرصاً على إظهار أمينه العام نعيم قاسم صاحب القرار والضوء، مقارنة بالتعامل الإعلامي مع نصر الله في وقت سابق»، ويضيف: «لم نلحظ شغلاً ممنهجاً لإظهاره القائد والزعيم والمقرر، لا على مستوى الإعلام في الداخل لبنان ولا مستوى الإعلام الإيراني»، ليخلص إلى أن الحزب «يظهر على أنه يعاني من تصدعات، وحالة لا توازن أفرزتها نتائج الحرب الأخيرة بالسياسة والتنظيم».

aawsat.com