خبر ⁄سياسي

الخرطوم بحري بلا حياة.. من مصفاة الجيلي إلى جسر الحديد: طريق سالك لكن موحش

الخرطوم بحري بلا حياة.. من مصفاة الجيلي إلى جسر الحديد: طريق سالك لكن موحش

منتدى الإعلام السوداني: غرفة التحرير المشتركة
المصدر: سودان تربيون
الخرطوم بحري، 31 يناير 2025 – حوّلت الحرب الخرطوم بحري إلى مدينة أشباح. شقّ الجيش طريقاً بين أحيائها، من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها، لكن هذا الطريق يكفي لإدراك مدى الوحشة والخراب اللذين يخيّمان عليها الآن.
لا يزال الجيش السوداني يتعامل مع جيوب لقوات الدعم السريع في أحياء بحري القديمة غرباً، وأخرى في حي كافوري المُتاخم لشرق النيل، حيث تتمركز تجمعات صلبة للدعم السريع.
بين شرق المدينة وغربها، وبمحاذاة شارع الإنقاذ، شقّ الجيش طريقه منذ سبتمبر الماضي، مُزيحاً ارتكازات الدعم السريع من جسر الحلفايا شمالي الخرطوم بحري، إلى أن تمكّن في 25 يناير من الوصول إلى سلاح الإشارة، أقصى جنوب المدينة، ومنه عبر جسر النيل الأزرق “جسر الحديد” إلى مقر القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم.
بعدها بيوم، أعلن الجيش “طرد” قوات الدعم السريع وإكمال سيطرته على مصفاة الخرطوم للنفط، نحو 60 كيلومتراً شمالي مدينة الخرطوم بحري، ليصبح الطريق من أقصى شمال المدينة سالكاً حتى جنوبها عند جسر الحديد.
الطريق إلى جسر الحديد
في 26 سبتمبر الماضي، نفّذ الجيش عملية عبور من شمال أم درمان إلى الخرطوم بحري عبر جسر الحلفايا، لينتشر في أحياء الحلفايا والكُدرو والإزيرقاب، ثم توسّع أواخر العام الفائت في الدروشاب والسامراب.
في هذه المناطق، بدأت الحياة تدبّ على استحياء، رغم انقطاع خدمتي الكهرباء والمياه عن معظمها.
وفي ديسمبر، بدأ الجيش التوغل جنوباً من الحلفايا إلى شمبات، ثم وصل في يناير إلى الصافية، ومنها انخرط مُتقدّماً حتى وصل إلى جسر النيل الأزرق المعروف شعبياً باسم “كبري الحديد”، وهو أحد أقدم الجسور في السودان، حيث افتُتِح عام 1909.
تجنّب الجيش التقدم عبر الطرق الرئيسية التي تشق الخرطوم بحري من الشمال إلى الجنوب، والتي تشمل شارع مور المتصل مع شارع السيد علي الميرغني غرباً، وشارع المعونة وسط المدينة، ثم طريقي الإنقاذ والصناعات شرقي المدينة.
بعد نحو كيلومتر واحد من تقاطع شارع جسر الحلفايا، تنعطف السيارات شرقاً، وقبل الوصول إلى شارع الإنقاذ، تتجه جنوباً عبر طريق ترابي وعر، يبدو أنه كان مطروقاً خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، تتقدّم عبره مُتحرّكات الجيش صوب سلاح الإشارة.


هذا الطريق يمكّنك من عبور أحياء الحلفايا وشمبات والصافية والمغتربين والمزاد والختمية عن قرب. هذه الأحياء، التي تتراوح بين الراقية والشعبية، كانت جميعها خالية من السكان، وينتشر فيها الجنود بشكل لافت.
رصد مراسل “سودان تربيون” أن كل المنازل والبنايات المكوّنة من أكثر من طابق كانت أبوابها ونوافذها مُشرّعة، حيث تعرّضت لعمليات نهب واسعة طالت الأجهزة الكهربائية والأثاثات طوال 21 شهراً.
على الطرق الداخلية للأحياء، تبعثرت الأمتعة والأثاثات والسيارات المدنية، التي كانت إما مُدمّرة أو منزوعة الأجزاء، بينما نمت النباتات المتسلّقة على الجدران بكثافة، وتساقطت أعمدة الكهرباء والكوابل جرّاء القصف في بعض المناطق التي يبدو أنها كانت ارتكازات للدعم السريع، خاصة في شمبات جنوباً.
الطريق إلى مصفاة الخرطوم
للوصول إلى مصفاة الخرطوم للنفط، لا بد من التوجه شرقاً إلى عمق حي الكُدرو، الذي ما زالت مظاهر الحياة تتبدّى فيه، ومنه تسلك السيارات طريقاً شديدة الوعورة وسط المزارع شمالاً، مروراً بأبو حليمة، وهي مناطق خالية من أي ارتكازات أو مظاهر للحركة.
قبل منطقة الكباشي، تسلك السيارات طريق التحدي القومي الرابط بين ولايتي الخرطوم ونهر النيل، وكلما اتجهت شمالاً، وضُح حجم الحريق المشتعل بمصفاة الخرطوم منذ 24 يناير الماضي.
من الملاحظ في الطريق آثار الكمائن التي كانت تنفذها فرق متخصصة من الجيش ضد سيارات وشاحنات لقوات الدعم كانت تُحاول تهريب الوقود من مصفاة النفط إلى شمال الخرطوم بحري.
تبعثرت هذه الشاحنات وهي مُحترقة على جانبي الطريق في عدة مناطق.


خلال الطريق، بالكاد ترصد مظاهر الحياة في مدينة الجيلي والقرى التي حولها، مثل قرى السقاي والتمانيات والنية، وإن تمسّك بعض السكان بالبقاء في قراهم.
حتى مدينة العاملين بمصفاة الخرطوم، كانت بعض الأسر ما تزال موجودة في المكان، مُحاصرة منذ قرابة العامين.
وحسب مدير القطاع الفني بالمصفاة، حسن حسين حسن، لـ”سودان تربيون”، فإن العاملين بالمصفاة تقلّص عددهم إلى أكثر من 100 عامل فقط، مقارنة بنحو 1100 عامل قبل اشتعال الحرب في منتصف أبريل 2023.
العودة إلى الخرطوم بحري
تعرّضت الخرطوم بحري، التي عُرِفت كمدينة عمالية لوجود المنطقة الصناعية بحري والنقل النهري، لدمار كبير طال المصانع ومصفاة الخرطوم للنفط، حيث كانت تُعدّ مصدر دخل للكثيرين.
كما طالت الحرائق سوق الخرطوم بحري الرئيسي وسوق سعد قشر، أحد أهم أسواق الملبوسات والأقمشة على مستوى السودان، وذلك منذ الشهر الأول للحرب، عدا عمليات النهب والتخريب التي طالت مئات المحال التجارية على طول شارع المعونة الحيوي.
يبرز تحدّي إعادة خدمات المياه والكهرباء كأهم تحدٍّ يواجه سلطات ولاية الخرطوم، وينتظره سكان الخرطوم بحري الذين فرّوا هاربين من الحرب، أما نازحون في الولايات الآمنة أو لاجئين خارج البلاد.
تعرّضت محطة مياه الخرطوم بحري لتلف أوقفها عن العمل منذ اليوم الأول للحرب، بينما تعرّضت شبكات ومحطات الكهرباء لتدمير واسع في كل أجزاء الخرطوم بحري.
ويقول والي الخرطوم، أحمد عثمان حمزة، في تصريحات صحفية بشأن الخرطوم بحري، إن “استعادة معالم الحياة بعد الحرب عملية شاقة ومكلفة”.
ويتعهّد الوالي بإكمال ضروريات عودة الناس لما أسماه “المناطق المحررة والمستردة مؤخراً”.
العودة إلى مدينة دمّرتها الحرب وأفرغها النزوح من كل ملامح الحياة، ستكون امتحاناً لإرادة سكان الخرطوم بحري، حيث سيكون البعض متردداً على الأقل إلى حين، فالهروب كان سريعاً، لكن عودة الجميع غالباً ستكون بطيئة.
SilenceKills #الصمت_يقتل #NoTimeToWasteForSudan #الوضع_في_السودان_لايحتمل_التأجيل #StandWithSudan #ساندوا_السودان #SudanMediaForum

3ayin.com