خبر ⁄سياسي

مصر: ترقب حزمة اجتماعية جديدة... وقلق من تأثيرها في الأسعار

مصر: ترقب حزمة اجتماعية جديدة... وقلق من تأثيرها في الأسعار

لم يعد محمد أشرف، المدرس بإحدى المدارس الحكومية في محافظة بني سويف (120 كم جنوب القاهرة)، يُبدي اهتماماً بأخبار «زيادة الرواتب التي تعلنها الحكومة المصرية»، خاصة مع تصاعد الحديث، أخيراً، عن «حزمة اجتماعية» جديدة، يُفترض أن يكون واحداً من المستفيدين منها حال إقرارها.

أشرف قال لـ«الشرق الأوسط» إن أي زيادة على الرواتب، أو إقرار «حزم اجتماعية»، يأتي مصحوباً بارتفاع في الأسعار «يفوق ما أحصل عليه»، وبالتالي أفضل «ألا تأتي أي زيادة، في مقابل ثبات الأسعار».

المدرس المصري الذي يقترب من إنهاء خدمته مع بلوغه «سن المعاش» العام المقبل، يحصل على نحو 8200 جنيه (الدولار الأميركي يساوي 50.23 جنيه في البنوك المصرية) كراتب صافٍ بعد خصم الضرائب والتأمينات، وذلك بعد عمله في وزارة التربية والتعليم لأكثر من 30 عاماً، وينفق هذا المبلغ على زوجته وأبنائه الثلاثة في مراحل التعليم المختلفة.

أما سهير طه، وهي موظفة في إحدى الجهات الحكومية بالقاهرة، فتُبدي تخوفها من زيادة جديدة في أسعار «تذاكر مترو أنفاق القاهرة والمحروقات، بعد إقرار الحزمة الجديدة»، وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «أصبحت تنفق الكثير على وسائل التنقل الخاصة بها وبابنتها الطالبة الجامعية».

وكانت الحكومة المصرية قد بدأت تنفيذ «حزمة اجتماعية» في مارس (آذار) الماضي بقيمة 180 مليار جنيه، تضمنت مخصصات لتعيين 120 ألفاً من أعضاء المهن الطبية والمعلمين والعاملين في الجهات الإدارية الأخرى، مع زيادات في الأجور، قبل أيام قليلة من تخفيض سعر صرف الجنيه أمام الدولار بنسبة وصلت إلى 40 في المائة.

الحكومة المصرية توفر السلع بأقل من أسعارها عبر معارض عدة (وزارة التموين)

وخلال مؤتمر صحافي عقب الاجتماع الأسبوعي للحكومة المصرية الأربعاء الماضي، أكد رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، أن «حكومته تعمل على إعداد (حزمة للحماية الاجتماعية) بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي». في حين أشار المتحدث باسم مجلس الوزراء، محمد الحمصاني، في تصريحات تلفزيونية، أخيراً، إلى أن الإعلان سيكون خلال أسابيع.

أمين سر «لجنة الخطة والموازنة» بمجلس النواب المصري (البرلمان)، عبد المنعم إمام، يرى أن تخوف المواطنين منطقي وطبيعي؛ نظراً لأن جميع تجارب المواطنين مع الحكومة في الإعلان عن «حزم اجتماعية ترافقت مع زيادات في الأسعار، مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم». وأكد «عدم توافر أي معلومات لديهم في المجلس عن هذه الحزمة أو تفاصيلها».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أنه بالرغم من احتياج المواطنين لهذه الحزمة بسبب الظروف الاقتصادية، فإنه «من الأفضل الانتظار قليلاً لحين خفض معدلات الفائدة في البنوك، لتجنب استمرار التضخم المرتفع».

وسجلت معدلات التضخم في مصر تباطؤاً في مدن البلاد، حيث بلغ 24.1 بالمائة على أساس سنوي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وهو أدنى مستوى خلال عامين، وفق بيانات «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء». ويعد هذا التباطؤ الثاني خلال خمسة أشهر، منذ أن بدأ معدل التضخم في التسارع خلال أغسطس (آب) الماضي، عقب إقرار الحكومة سلسلة من الزيادات في «أسعار المحروقات والخبز والكهرباء».

ويُبدي عضو «الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع»، محمد أنيس، «تخوفه من تأثير الحزمة المرتقبة على معدلات التضخم التي استمرت أعلى من 20 بالمائة لأكثر من ثلاث سنوات». وأشار في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الحكومة عليها الإجابة عن عدة تساؤلات، من بينها: هل الحزمة الجديدة ستقابلها زيادة في الإنتاج أو لا؟ وما مصادر تمويل هذه الزيادة؟ وهل ستكون من عوائد مستدامة أو ستكون على حساب زيادة العجز الموجود في الموازنة؟

وكان البرلمان المصري قد أقر في يونيو (حزيران) الماضي، موازنة العام المالي الحالي التي تنتهي في 30 يونيو (حزيران) المقبل، بـ«عجز يفوق 26 مليار دولار». وهي الموازنة الأولى التي تتضمن «دمج جميع إيرادات ومصروفات الهيئات العامة والاقتصادية، ضمن خطة لتحسين شفافية أنشطة الهيئات الاقتصادية وزيادة الرقابة على الأداء المالي».

عائلة مصرية مستفيدة من الدعم النقدي ضمن برنامج «تكافل وكرامة» (وزارة التضامن الاجتماعي)

وخفض صندوق النقد الدولي، أخيراً، توقعاته لنمو الاقتصاد المصري للعامين الماليين الحالي والمقبل، متوقعاً «تسجيل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 3.6 بالمائة في العام الحالي، وهو ما يمثل تراجعاً بمقدار نصف نقطة مئوية عن توقعات (الصندوق) في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي»، بحسب تقرير «آفاق الاقتصاد العالمي»، علماً أن الحكومة المصرية ملتزمة ببرنامج «إصلاح اقتصادي» يتم تنفيذه مع «الصندوق»، مع حصول القاهرة على «تسهيل بقيمة 8 مليارات دولار على مدار ثلاث سنوات بدأت منذ مارس الماضي».

وتنفذ الحكومة المصرية عدة برامج للحماية الاجتماعية، ورفعت مخصصات الإنفاق العام عليها إلى 635.9 مليار جنيه في موازنة العام الحالي، وبلغ عدد المستفيدين من برنامج «تكافل وكرامة» الذي يهدف إلى تحسين أوضاع أشد الأسر فقراً «أكثر من 4.5 مليون أسرة»، بحسب بيانات وزارة التضامن الاجتماعي.

أسعار السلع في مصر ارتفعت بصورة كبيرة خلال الفترة الماضية (وزارة التموين)

نائب رئيس «اتحاد عمال مصر»، عضو «المجلس القومي للأجور»، مجدي البدوي، قال لـ«الشرق الأوسط» إن هناك ترحيباً بزيادة الأجور في الأوساط العمالية، لكن الأهم من زيادة الحد الأدنى للأجور هو «اتخاذ مجموعة من الإجراءات لضبط الأسعار؛ لأن معدلات التضخم قد تلتهم أي زيادات رقمية في الرواتب».

وأضاف أن هناك ضرورة لضبط الأسعار في الأسواق، ووجود تصورات متكاملة للتعامل مع معدلات التضخم، بحيث يمكن للعامل والموظف أن يستفيد من الزيادات بشكل حقيقي.

وهو رأي تدعمه عضوة مجلس النواب المصري، سناء السعيد، التي قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «المشكلة الأساسية في كل إعلان عن برامج للحماية الاجتماعية تكمن في عدم شعور المواطن بفارق في مستوى معيشته، مع ارتفاع الأسعار بنسبة أكبر من نسب الزيادة التي يستفيد منها».

عودة إلى أنيس الذي أشار إلى «ضرورة أن تكون الحزمة الجديدة بديلة عن الزيادات الطبيعية التي تتم في بداية العام المالي المقبل، على غرار ما حدث في العامين الماضيين، حيث تم تبكير موعد الزيادة وصرفها مبكراً بشهرين أو ثلاثة».

ولفت إلى أن نسب الزيادة في أسعار المحروقات والكهرباء خلال العام الجاري «لا يُفترض أن تكون كبيرة، بالنظر إلى ثبات أسعار النفط عالمياً».

aawsat.com