السودان: موازنة سرية تعزز الإنفاق العسكري وتحطم آمال المواطنين
عاين- 5 فبراير 2025
موازنة سرية لعام 2025 حُجبت عن وسائل الإعلام، تقول الحكومة التي يديرها الجيش السوداني من مدينة بورتسودان إنه تمت إجازتها مع خطط تقشفية طالت بنود الصحة والتعليم والتنمية مع خطط أخرى لرفع الضرائب الجمركية وواردات السلع الأساسية من مشتقات الوقود والقمح والسيارات المستعملة.
ويواجه ملايين المواطنين تحديات هائلة؛ بسبب الارتفاع المستمر في الضريبة الجمركية، وتعتزم وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي خلال هذا العام إلغاء الرسوم الجمركية عن طريق سياسة تعرف اقتصاديا بـ”التعويم” ما يعني أن سعر صرف الجمارك سيكون مطابقًا لسعر صرف السوق الموازي أو البنوك التجارية في نطاقات المتداول بشكل يومي، ويبلغ الدولار الأميركي في السوق الموازي 2.65 ألف جنيه ويتوقع أن يرتفع إلى ثلاثة آلاف جنيه مع تقدم الجيش ورغبة التجار في استيراد السلع للمناطق الآمنة.
الحرب والاقتصاد
مُنع السودان من الحصول على حوالي 4 مليارات دولار في العام 2022 كانت مخصصة لتمويل قطاعات السكك الحديدية والكهرباء والطرق البرية وخدمات النقل وتمكين عشرات الآلاف من المزارعين لنقل الإنتاج إلى الأسواق. كما قضت الحرب على الآمال المتعلقة بخلق احتياطي من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي السوداني، وأصبح الأخير قابعا في البحث عن وسيلة لطباعة العملة المحلية لمقابلة أزمة السيولة النقدية وفق المستشار المالي مشترطا حجب اسمه.
ويضيف لـ(عاين): “لا يملك السودان أي وعود حيال الحصول على تمويل دولي يتجاوز 500 مليون دولار خلال العام 2025، وتعتمد الموازنة على الضرائب المباشرة والجمارك وقطاع الذهب والتعدين بشكل كلي والدول عادة لا تفضل إقراض حكومات مفلسة، وتصر في ذات الوقت على خوض الحروب”.
لم تتحمس الصناديق الخليجية للاستجابة لطلبات وزير المالية السوداني
مستشار مالي
وأردف المستشار المالي : “كان وزير المالية جبريل إبراهيم يأمل في الحصول على قروض من الصناديق الخليجية، لكن لم يتحمسوا لطلباته وهناك آمال على روسيا باستقبال وفد من رجال الأعمال في بورتسودان للدخول في تنقيب الذهب وقطاع النفط وهناك تردد حيال هذه المشاريع من جانب موسكو”.
الإنفاق الحكومي
الباحث في الاقتصاد ومجال الاستيراد، بدر خلف الله، يقول: إن “وزارة المالية تجني ضرائب هائلة من الاستيراد، وفرضت رسوم باهظة شملت حتى مدخلات الإنتاج مع شطب قائمة الإعفاء التي صدرت قبل أعوام”. ويضيف: “تشير التقديرات إلى أن وزارة المالية توقعت لموازنة العام 2025 إن المصروفات على 189 مليار جنيه شملت المؤسسات السيادية، بينما استحوذ القطاع الأمني والعسكري على 205 مليارات جنيه”.
وتابع: “في ذات الوقت فإن المصروفات على التعليم والصحة لم تتجاوز التقديرات 17 مليار جنيه تقتصر فقط على أجور غير منتظمة للعمال في القطاعين”.
جراء هذه السياسات التقشفية التي طالت البنود المتعلقة بالخدمات الأساسية التي تخص المواطنين في مناطق سيطرة الجيش، فإن أسعار السلع ارتفعت بنسبة 20% خلال شهر يناير 2025، ومن المتوقع أن ترتفع بنسبة 50% خلال مارس القادم”.
تمويل الحرب
ويحصد الإنفاق العسكري 90% من أموال الموازنة العامة، ويقول معارضون لحكم الجنرال عبد الفتاح البرهان من القوى المدنية إن الحرب في السودان تقضي على كل مورد من شأنه يسهل حياة المواطنين، وتمول القطاعات الأمنية والعسكرية يتم “بسخاء شديد” سيما مع وجود قائد حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم حليف الجيش والوزير بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي.
وتقول الباحثة في مجال الاقتصاد سماهر عبد اللطيف لـ(عاين): إن “الإنفاق الحكومي والعسكري يثقلان كاهل الموازنة العامة للعام 2025 ولا مجال لتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، وفي الشق الثاني المتعلق بأسعار السلع الاستهلاكية وخدمات النقل من المتوقع خلال هذا العام أن تكون هناك سلسلة من الضرائب على الجمارك والوقود المستورد والقمح وأجهزة الطاقة الشمسية بالتالي لا يمكن للملايين من السكان الحصول على حياة سهلة”.
ويعقد عدم وجود برلمان لمحاسبة الحكومة من أوضاع المواطنين في ظل انفراد عضو مجلس الفريق أول إبراهيم جابر بالقطاع الاقتصادي والاستثماري برؤية عسكرية بحتة وفق- سماهر عبد اللطيف.
نهم حكومي على الجمارك
ويقول المحلل الاقتصادي محمد إبراهيم لـ(عاين): إن “مجلس السيادة الانتقالي بينما ينزح ملايين الأشخاص بحثا عن الأمان والغذاء اختار عسكرة الحياة في السودان بالإفراط في تجنيد الشبان ودفعهم إلى محرقة الحرب وشهدت معسكرات في أم درمان وبورتسودان وكسلا والقضارف تخريج ما لا يقل عن 50 ألف مقاتل مع عمليات التسليح كل هذا على حساب معيشة المواطنين باستقطاع الرسوم الجمركية وفرض الرسوم على الوقود والسلع الاستهلاكية، وحققت وزارة المالية إيرادات بلغت 400 مليون دولار من عائدات الجمارك والرسوم الحكومية”.
الحرب تستنزف 90% من موارد الموازنة
محلل اقتصادي
وتابع: “يعتقد الجنرال عبد الفتاح البرهان أن تسخير حالات النزوح والانتهاكات التي طالت المواطنين في مناطق سيطرة الدعم السريع وبحثهم عن الأمان في الولايات الواقعة تحت سيطرة الجيش لمكاسب سياسية بدلا من مخاطبة مشاكلهم الحقيقية يوطد أركان سلطته، ويُعرف على نطاق ضيق أن الرجل لا يحمل سوى أجندته الشخصية”.
وأضاف إبراهيم: “الحرب تكلف الخزانة 90% من موارد الموازنة، وتقديراتنا الأولية أن الموازنة للعام 2025 حوالي 7 مليارات دولار فإن الإنفاق العسكري خلال هذا العام سيكون حوالي 5 مليارات دولار”.
وتعد الضرائب المفروضة في المطارات والمعابر الحدودية من الإيرادات التي تركز عليها وزارة المالية والتخطيط بقيادة جبريل إبراهيم المعروف تأييد المطلق لرفع الضريبة الجمركية خلال الحرب وخلال العام 2024 تعتقد الحكومة المدعومة من الجيش أن الجمارك لم تحقق الإيرادات المتوقعة.
بين شهري نوفمبر وديسمبر 2024 وحتى الأول من يناير 2025 زادت الضريبة الجمركية ثلاث مرات على التوالي من 1250 إلى 1600 وإلى 1700 جنيه وقيمة يدفعها المستورد في المطارات والمعابر مقابل تمرير السلع المستوردة بالتالي تنعكس على أسعار الغذاء والخدمات داخل البلاد.
تقديرات موازنة 2025 أعلى من ستة مليارات دولار
اقتصادي
ويرى المحلل الاقتصادي وائل فهمي في حديث لـ(عاين) أن العام 2025 مخيب لآمال المواطنين فيما يتعلق بالاستقرار الاقتصادي؛ لأن الموازنة الحالية للحرب وهي سرية وغير معلنة والتقديرات تشير إلى أنها أعلى من ستة مليارات دولار في ظل ارتفاع كلفة الحرب.
ويقول فهمي إن “الأحلام بواقع اقتصادي جيد مستحيل طالما أن الحرب مستمرة، ولا يمكن مكافحة التضخم كما أن الأوضاع المعيشية ستكون مرهقة للغاية”.
وترى سماهر عبد اللطيف أن تحويل الموازنة إلى حالة الطوارئ تحايل حكومي للإفلات من المسؤولية بشأن وضع المعيشة وأجور العاملين بالدولة التي لا تزال تتراوح في المتوسط عند 150 ألف جنيه في المتوسط ما يعادل (45 دولار أميركي) بينما تبلغ تكلفة المعيشة الشهرية مع الرعاية الصحية نحو 1.5 مليون جنيه ما يعادل (700 دولار أميركي).
لم تخصص موازنة هذا العام سوى 100 مليون دولار للصحة والتعليم
محللة اقتصادية
وأضافت عبد اللطيف في مقابلة مع (عاين): “لا يمكن الاعتماد على المجتمع الدولي بشأن القطاع الإنساني في السودان خلال العام 2025 مع إيقاف الرئيس الأميركي دونالد ترمب برامج المعونة الأميركية وتعتبر واشنطن من أكثر الدول التي تدفع بسخاء خلال الحرب”.
وتقول سماهر: إن “الحكومة هجين من تحالف الحركات المسلحة والجيش والكتائب المسلحة ولا يمكنها أن تقدم معالجات للمعيشة والرعاية الصحية والتعليم بمعنى أنها لم تخصص في الموازنة سوى 100 مليون دولار لهذه القطاعات مقابل تخصيص أربعة مليارات دولار للقطاعات السيادية والأمنية والعسكرية والحركات المسلحة والوزارات والبعثات الدبلوماسية.
ضرائب في الطريق
وقالت عاملة في مكتب تخليص جمركي بمدينة وادي حلفا شمال السودان الواقعة على حدود بري مع دولة مصر حيث تستورد البلاد غالبية السلع والأدوية والخدمات من هناك إن مكاتب الجمارك تتوقع تطبيق زيادة جمركية على الواردات بشكل شبه يومي؛ لأنها اعتادت ذلك طيلة الشهور الماضية، حتى وصلت عند 1700 جنيه مقابل واحد “دولار جمركي”.
وتقول العاملة في مجال التخليص الجمركي لـ(عاين): “نعمل على مراجع نظام الدفع الإلكتروني يوميا، حتى نتأكد من وجود ضريبة جمركية جديدة أم لا؛ لأننا نتوقع رفعها قريبا”.
بينما تعيش البلاد عزلة عن المؤسسات الدولية بإيقاف المنح والمساعدات الاقتصادية منذ العام 2021 إثر انقلاب المكون العسكري بقيادة الجنرالين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو “حميدتي” على الحكومة الانتقالية قبل أن ينتقل الجنرالين إلى خانة العداء المطلق والدخول في حرب تستمر منذ 22 شهرا.
3ayin.com