السلطة اللبنانية تتقلب بين حكومات التوافق واللون الواحد
![السلطة اللبنانية تتقلب بين حكومات التوافق واللون الواحد020 السلطة اللبنانية تتقلب بين حكومات التوافق واللون الواحد](/photos/imgsystem-7M227GRFGZ.jpg)
لم تُرضِ مسودة حكومة نوّاف سلام كلّ القوى والأحزاب السياسية، بما فيها بعض الكتل التي سمّته لرئاسة أولى حكومات عهد الرئيس جوزيف عون، وذلك ببقاء «التيار الوطني الحرّ»، برئاسة جبران باسيل، خارجها، وانتقاله إلى ضفّة المعارضة ومعه كتلة «الاعتدال الوطني» التي تضمّ نواب عكار والضنية (شمال لبنان)، وهي القاعدة الأكثر شيوعاً منذ منتصف عام 2005، على أساس أن أي وزارة لا يمكن أن تحظى بتأييد كلّ الأطراف التي لها شروطها وتسعى إلى فرضها على الرئيس المكلّف.
وأعلن عضو تكتل «الاعتدال» النائب وليد البعريني لـ«الشرق الأوسط» أن كتلته «ستعارض هذه الحكومة ولن تمنحها الثقة». وأوضح أن التكتل «سيعقد اجتماعاً خلال الساعات المقبلة، ويرسم سياسته للتعاطي مع هذه الحكومة، التي تعمّدت تهميش عكار وطرابلس وكلّ الشمال». فيما أكد قيادي في «التيار الوطني الحرّ» أن «تكتل (لبنان القوي) غير ممثل في الحكومة وغير طامح إلى أن يكون شاهد زور على تقاسم السلطة». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «ما عُرض على (التيار الوطني الحرّ) في الحكومة الجديدة هو فتات الحقائب، وبما لا يتناسب مع دور (التيار) وحجمه التمثيلي، وما دامت القاعدة التي اعتُمدت في تأليف الحكومة قائمة على المحاصصة، فقد قررنا أن نكون خارجها؛ لأن وجودنا بين الناس أفضل من وجودنا داخل حكومة لا تمثل تطلعات اللبنانيين». وعن إمكانية منح الحكومة الثقة أو حجبها عنها، أشار إلى أن الأمر «متوقف على البيان الوزاري وبرنامجها للحكم».
حكومات «متجانسة»
منذ مطلع التسعينات، لم يشهد لبنان حكومة متجانسة، وحدها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الأولى التي شُكّلت فور خروج القوات السورية من لبنان في أبريل (نيسان) 2005. وغداة استقالة حكومة الرئيس عمر كرامي، كُسرت القاعدة؛ لأنها ضمّت وزراء اختصاصيين غير مرشحين للانتخابات النيابية، بدءاً برئيسها إلى آخر وزير فيها، وأوكلت إليها مهمّة محددة هي إجراء الانتخابات النيابية التي أفرزت أكثرية وازنة لـ«قوى 14 آذار»، وهذه الأكثرية أفضت إلى تسمية فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة، حيث آثر الأخير يومها تشكيل حكومة وحدة وطنية تضمّ جميع القوى والأحزاب الممثلة في البرلمان، إلّا إن «التيار الوطني الحرّ»، برئاسة ميشال عون، رفض الانضمام إليها، لرفض طلبه حصر التمثيل المسيحي في فريقه؛ لأن نتائج الانتخابات منحته 70 في المائة من أصوات المسيحيين.
حكومات «وحدة وطنية»
بعد انتخاب قائد الجيش ميشال سليمان رئيساً للجمهورية في 25 مايو (أيار) 2008، تشكّلت حكومة وحدة وطنية وُلدت من رحم «اتفاق الدوحة»، ونال فيها فريق «8 آذار»، الذي كان يقوده «حزب الله» و«التيار الوطني الحرّ» الثلث المعطل، وهذه التسوية انسحبت أيضاً على حكومة عام 2009 التي ترأسها سعد الحريري، وأُلّفت بعد الانتخابات النيابية التي أعطت «14 آذار» أكثرية نيابية أيضاً، ولم تستمرّ تلك الحكومة أكثر من عام؛ إذ أطاحتها «قوى الممانعة» جرّاء استقالة وزرائها، مستخدمة سلاح الثلث المعطل، لتذهب الأمور بمنحى آخر، نحو تسمية نجيب ميقاتي لتشكيل حكومة ضمّت «حزب الله» وحلفاءه، وأُطلق عليها اسم حكومة «اللون الواحد»، ليبقى خارجها فريق «14 آذار» بكامله؛ أي تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب»، وباقي القوى المتحالفة معها.
حكومات تعرضت لمقاطعة
في ربيع عام 2013، أعلن نجيب ميقاتي استقالة حكومته، احتجاجاً على معارضة مجلس الوزراء التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي حينذاك اللواء أشرف ريفي، ورفضهم أيضاً تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات، وكُلّف تمام سلام تشكيل الحكومة الجديدة، لكن هذه الحكومة لم تتشكل إلّا بعد 11 شهراً من التكليف، بفعل إصرار «حزب الله» على نيل الثلث المعطل.
على أثر انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2016، شكّل سعد الحريري أولى حكومات العهد السابق، واختار حزب «الكتائب» عدم المشاركة فيها، بعدما عرض عليه تمثيله بوزير دولة، أي من دون حقيبة، كما رفض المشاركة في الحكومة الثانية التي أُلّفت بعد انتخابات 2018، وأطاحتها «انتفاضة 17 أكتوبر 2019»، بعدها جرى تكليف سفير لبنان في برلين، مصطفى أديب، تشكيل حكومة إنقاذ، لكنه اصطدم بمعارضة شديدة من الرئيس ميشال عون، فاعتذر بعد شهر من التكليف، كما جرى تكليف سعد الحريري الذي لم يفلح أيضاً في تشكيل حكومة واعتذر بعد 9 أشهر من التكليف.
بعد «انتفاضة 17 أكتوبر» شُكّلت حكومتان؛ الأولى برئاسة حسّان دياب، واستقالت إثر انفجار مرفأ بيروت، والثانية حكومة نجيب ميقاتي (حكومة تصريف الأعمال حالياً)، وغلب عليها التمثيل الطاغي لـ«حزب الله» وحلفائه، وقاطعهما «تيار المستقبل»، و«القوات اللبنانية» و«الكتائب»، والآن يعود «التيار الوطني الحرّ» إلى المعارضة كما فعل في عام 2005، لكن هذه أول مرة يخرج فيها من السلطة بعد 15 عاماً من المشاركة الفاعلة والمؤثرة.
aawsat.com