خبر ⁄سياسي

لبنان يراهن على إلزام أميركا إسرائيل بالانسحاب من جنوبه

لبنان يراهن على إلزام أميركا إسرائيل بالانسحاب من جنوبه

يستعد لبنان للدخول في مرحلة سياسية جديدة، من أبرز معالمها انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية، وتشكيل حكومة برئاسة القاضي نواف سلام، ووقوف البلد على مشارف عودة الاستقرار إلى جنوبه بانسحاب إسرائيل من البلدات التي تحتلها فور انتهاء مهلة التمديد الأول للهدنة في 18 فبراير (شباط) الحالي. ويراهن لبنان في هذا المجال على التزام نائبة المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، بتعهدها أمام الرؤساء الثلاثة (جوزيف عون ونواف سلام ورئيس البرلمان نبيه بري) بأن الانسحاب الإسرائيلي حاصل في موعده، رغم أن هناك من يخشى أنها يمكن أن تسعى من جديد إلى توفير غطاء سياسي لإسرائيل بطلبها تمديد الهدنة مرة ثانية.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر وزارية أن نسبة التفاؤل لدى الرؤساء الثلاثة تتراوح بين التحفظ وبين الركون إلى التعهد الذي قطعته أورتاغوس أمامهم بأن لا تمديد للانسحاب الإسرائيلي. ويبدو أن سلام هو الأكثر تفاؤلاً، بحسب ما نقل عنه الذين التقوه في اليومين الأخيرين، إذ عد أن النبرة العالية التي استخدمتها المبعوثة الأميركية خلال تصريحاتها في لبنان لن تبدّل من إلزام واشنطن إسرائيل بالانسحاب فور انتهاء التمديد الأول للهدنة.

وقالت المصادر الوزارية إنه لا مبرر لعودة أورتاغوس إلى بيروت ما لم يكن في جعبتها تأكيد بأن الانسحاب الإسرائيلي حاصل في موعده. وأكدت أن عدم الانسحاب يعني، من وجهة نظر بيروت، وجود صعوبة بالانتقال بالبلد إلى مرحلة سياسية جديدة، وهو أمر يطرح سؤالاً عن مصير الضمانات التي تقدمها الإدارة الأميركية.

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال الاجتماع مع مورغان أورتاغوس والوفد المرافق لها في «قصر بعبدا» يوم 7 فبراير الحالي (أ.ف.ب)

ولفتت المصادر نفسها إلى أنه لا مجال أمام واشنطن للتذرع، بالإنابة عن إسرائيل، بأن تباطؤ انتشار الجيش اللبناني يؤخر انسحابها. وقالت إن الجيش أكمل جهوزيته، باعتراف رئيس لجنة الرقابة الدولية الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز، مضيفة أن ثمة مخاوف، في حال استمر الاحتلال، من دخول أطراف على الخط لمقاومة الاحتلال ما يؤدي إلى عودة الوضع في الجنوب إلى المربع الأول.

وأكدت أن استقرار الوضع يبدأ من البوابة الجنوبية على قاعدة التزام لبنان بتطبيق القرار «1701» بكل مندرجاته، وأولها حصر السلاح بالشرعية اللبنانية، ولا مكان لأي سلاح آخر، خصوصاً أن الدخول في مرحلة جديدة يعني حكماً أن الطريق معبدة أمام إعادة الاعتبار لاستكمال تطبيق «اتفاق الطائف»، وتنقيته من الشوائب الناجمة عن سوء تطبيقه. وتابعت أن إحياء «اتفاق الطائف» باستكمال تطبيقه يلغي مفاعيل «اتفاق الدوحة» الذي خص «حزب الله»، ولو بطريقة غير مباشرة، بالثلث الضامن في الحكومة، وهو أمر كان وراء تعطيل الوزارات المتعاقبة منذ التوصل إليه عام 2008.

وتابعت المصادر أن «اتفاق الطائف» يضع الأطراف أمام مسؤولياتها، وتحديداً «حزب الله» الذي لا يترك مناسبة إلا ويؤكد التزامه بهذا الاتفاق، وهذا ما يشكّل له إحراجاً في حال أصر على التمسك بثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» (في البيان الوزاري). وقالت إن البيان الوزاري للحكومة العتيدة لن يأتي على ذكر الثلاثية أسوة ببيان الحكومة السابقة التي غيّبته بالكامل، لكنها اصطدمت في حينه بإصرار الحزب على خروجه عما يشبه الإجماع اللبناني بتزعمه محور الممانعة بقيادة إيران، واستخدام لبنان منصة للتدخل في شؤون الدول العربية، ما أدى إلى تصدّع علاقاته بها، وفرضِ حصار اقتصادي وسياسي عليه.

مواطنون من بلدة رب ثلاثين الجنوبية يتفقدون منازلهم المدمرة بعد عودتهم إليها يوم الأحد (أ.ف.ب)

ورأت المصادر أن انتخاب عون رئيساً للجمهورية والمجيء بحكومة سلام ما هو إلا نتاج لتبدُّل ميزان القوى في الداخل من جراء إعادة خلط الأوراق بعدما لم يعد في وسع «حزب الله» فرض سطوته على البلد، وبات مضطراً للتكيف مع الواقع السياسي الجديد الذي يتطلب منه مراجعة حساباته والتعاطي بمرونة مع التحولات الحاصلة في الداخل. وقالت إن ذلك يتحقق «إذا تواضع الحزب وبادر بملء إرادته إلى تمديد تفويضه لحليفه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، من خلال انفتاحه على الآخرين، لتوفير الحماية السياسية له (الحزب) كأن ذلك ممر لانخراطه السلمي في التسوية»، محذرة من مغبة عدم إعطاء «حزب الله» فرصة لتطبيق القرار «1701» الذي يتضمن نزع سلاح الحزب وأي جماعات مسلحة أخرى غير الدولة اللبنانية.

وزادت المصادر أنه لم يعد من خيار أمام «حزب الله» سوى التموضع تحت السقف السياسي لخطاب القسم للرئيس عون ليكون في وسع الحكومة الانتقال بلبنان إلى المرحلة السياسية الجديدة، ووقف انهيار البلد، وهذا أمر يتوقف أيضاً على مدى التزام واشنطن بتعهدها إلزام إسرائيل بالانسحاب من الجنوب.

aawsat.com