خبر ⁄سياسي

هناك فرق منى أبوزيد تكتب : الخروج من التاريخ..

هناك فرق  منى أبوزيد تكتب : الخروج من التاريخ..

*”الحرب هي صراع بين عقلين بشريين أكثر من كونها صراعاً بين جيشين مسلحين”.. إريك دورتشميد..!

في هذه المرحلة الانتقالية الفاصلة من تاريخ السودان يضج المسرح السياسي – المعارض للجيش والمتحالف معه منذ اندلاع هذه الحرب – بمواقف لم تحظ معظمها بمباركة الصحافة السودانية التي يبدو أنها قد قررت أخيرا رفع الدعم الإعلامي عن كل السياسيين..!

ربما كان أكثر ما تحتاجه الساحة السياسية هذه الأيام هو” محمد حسنين هيكل” سوداني يتولى مهمة إقناع الشعب بما تقرره الحكومة بشأن جدية هؤلاء أو جدوى أولئك إذا لزم أو انفرط الأمر ..!

أما لماذا ھیكل الذي يرقد الآن بسلام بعد مشوار مھني طویل بدأ في مطلع الأربعینیات – “غطى خلاله أحداث الحرب العالمیة الثانیة، ومعركة العلمین، وحرب فلسطین، وعاصر ثمانیة رؤساء جمھوریة تعاقبوا على مصر، وظل خلالھا صحفي النظام وفارس الكلمة الإعلامیة بلا منازع”- فلأن الشعب المصري كله قبل وبعد الحروب كان وما يزال يردد قناعات سیاسیة كثیرة أرساھا هيكل بعد صبر على شرود المعاني وطول أناة في تطویع المفردات..!

يقول هيكل هو عن تجربته مع كتابة خطاب تنحي الرئیس المصري الراحل جمال عبد الناصر “أرھقتني سطوره أكثر من أي شيء آخر كتبته من قبل، وظننت أنني حفظت العبارات والألفاظ من كثرة ما راجعتھا وغیرت فیھا وبدلت”،فاللغة بكل رحابتھا اللفظیة وثراء معانیھا كانت سلاحه المني، بينما كان هو الدرع الإعلامي للنظام السیاسي ..!

آخر تصریحاته المثیرة للجدل كانت جملته الشھیرة “إذا لم ننتبه للحظة سنخرج من التاریخ” التي ملأت مصر وشغلت إعلامھا، فقال الكاتب مفید فوزي إن “ھیكل” عنده قدرة ھائلة على الترتیبات اللفظیة، وصناعة الكلمة، بجمل منتقاة لھا إیقاعھا الداوي الذي یأسرك ویؤثر بك وإن اختلفت معھا..!

وقد كتب د.محمود خلیل تأصیلاً منھجیاً لدقة “ھیكل” اللفظیة وحذره المنھجي، جاء فيه “إن ھیكل كان محترفاً على كل المستويات، یتحدث باحترافیة، ویدیر حواراته باحترافیة، ویعیش باحترافية، وھو كاتب یجید التخفى وراء اللغة، فاللغة التي ھي عند البشر العادیین أداة للإفشاء، ھي عند هيكل أداة للتخفي والمناورة” ..!

وهو الصحافي الوحید الذي یمتلك براءة اختراع كلمة نكسة فى وصف ما حدث فى یونیو ١٩٦٧م حيث كان ألم المصریین عنیفاً وإحساسھم بالسقوط مدویاً، فتمخض عقل ھیكل عن ھذه المفردة لوصف ما حدث، حتى لا تتعمق الجراحات باستخدام كلمة ھزیمة..!

إلى ھذه الدرجة بلغ تشبث شعب بأكمله بمفردات صحافي الأزمات وكاتب الأمة الذي كان “یسكن التاریخ أكثر مما یسكن الواقع، والذي كان حاذقاً بدرجة كبیرة فى تسكین الواقع فى دوالیب التاريخ”..!

ما يحدث على مسرح هذه الحرب اليوم، وما يضج به فصلها الأخير من إضاءات وانطفاءات، ومبادرات وانتكاسات وانفراجات وتعقيدات، ووقوف على تخوم بعض النهايات وأعتاب بعض البدايات، يحتاج حكمة إعلامية على طريقة هيكل، وأدوار وطنية قادرة على ردم الهوة بين آمال الحكومة وآلام الشعب!.

[email protected]
.

azzapress.com